في الجمعة الماضية كتب الزميل د.محمد أبو رمان مقالاً بعنوان "الخوف على الإسلاميين!" (الغد 1/4/2012) كانت خلاصته: "السؤال الحالي يكمن، وتحديداً في التجربة المصرية، فيما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين ستأخذ مساراً تنافسياً مع السلفيين أم تحالفيّاً. فإذا كان الأول، فإن فرصة أن يتحول الإخوان إلى “الليبرالية الإسلامية” ستكون أكبر، والخشية من الوقوع في “الفخ السلفي”، على حد تعبير بعض الباحثين، ستكون أقل. أما إذا اختار الإخوان التحالف مع السلفيين، فإنّهم سيضطرون لمسايرة خطابهم الديني والاجتماعي، ما يعزز الصراع بين التيار العلماني والإسلامي، ويحد من فرصة تطور الإخوان نحو خطاب أكثر براغماتية وليبرالية، وربما يهدد التجربة الديمقراطية المصرية بأسرها!".
وهذه الخلاصة تلخّص حقيقة الصراع القائم منذ أكثر من مائة عام بين التيار الإسلامي الوطني الأصيل وبين التيار العلماني بشقيه اليساري الماركسي والليبرالي الرأسمالي الوافد إلى أمتنا على ظهر البوارج الحربية ومدارس الإرساليات التبشيرية والبعثات التعليمية والذي يسعى لتغيير هوية الأمة وفرض نموذجه المستورد حتى على الحركات الإسلامية !!
فالحقيقة أن الأغلبية المسلمة في هذه الأوطان والتي تعتز بهويتها ودينها تعرضت لخداع كبير حين أقصيت عن إدارة شؤونها بفضل تسليم المستعمر والمحتل أو مساندته لمجموعات هامشية من قوى سياسية غير إسلامية لمقاليد الحكم في غفلة وضعف من الأغلبية، وحين استفاقت الأغلبية للخديعة كانت الأمور قد تمت وانتهت!!
وعاشت أوطاننا طيلة هذه العقود مرحلة مضنية من إقصاء هويتها الإسلامية وتهميش شريعتها ودينها عن قيادة شؤونها، مما أفسح المجال للفاسدين والمنحلين لتولي زمام الأمور حتى وصلت الأحوال بها أن انفجرت بثورات شعبية تصاعدت حتى أطاحت بالطغاة والظالمين والفاسدين ولا تزال مستمرة حتى تقضي على من يقف في سبيل حريتها ودينها كما هو الحال في سوريا.
وقد أظهرت مسيرة الانتخابات الحرة في أمتنا أن الإسلام هو الخيار الوحيد الذي تريده الشعوب، ولم يكن هذا فقط بعد الثورات العربية بل قبل ذلك فلقد كان التيار الإسلامي هو الفائز في أي انتخابات حرة بغض النظر عن لونه التيار الإسلامي أو البلد الذي تجرى فيه الانتخابات كفلسطين وتركيا والكويت والبحرين ومصر وغيرها، وبعد الربيع العربي أكدت الشعوب على خيارها الإسلامي؛ وهذه الحقيقة كانت معلومة لكل منصف كما أثبت ذلك د.باسم الطويسي في مقاله "الربيع العربي: المؤامرة والخيال" (الغد 2/4/2012).
وبسبب ما أفرزته الثورات العربية من بيئة استراتيجية جديدة تشبه مرحلة بناء الدولة القطرية عقب مرحلة الاستعمار، تمت عملية تجديد ومراجعة في تيار عريض من الدعوة السلفية تجاه جدوى ومصلحة المشاركة بالعمل السياسي في هذه البيئة الجديدة، نتج عنها تشكيل أحزاب سلفية (مصر، اليمن) ومشاركة سياسية كاملة.
لكن هذه المشاركة السلفية السياسية والتي كانت مطلباً قديماً لكثير من الإسلاميين والعلمانيين وأبرز انتقاد لهم على الدعوة السلفية، أصبحت اليوم مصدر قلق لكلا الطرفين وخاصة بعد أن ظهرت قوة السلفيين الحقيقية والتي أذهلت الجميع، وبعد أن قدم السلفيون أداءً سياسياً متميزاً برغم حملات التشويه الإعلامية بسبب بعض الأخطاء التي اعترف بها السلفيون وواجهوها بشجاعة.
هذا كله أنتج توجهاً بضرورة تحجيم السلفيين بفصل عرى التعاون بين السلفيين والإخوان، للحفاظ على أكبر قدر من المكاسب للمعسكر العلماني من جهة، وفي نفس الوقت إغراء الإخوان بمكاسب حزبية خاصة بهم - قد لا تتوقف عند حدود مصر - إن هم تحالفوا معهم بدلاً من السلفيين!!
في هذه الأجواء التي يتشدق بها العلمانيون بشقيهم اليساري والليبرالي بالحرية والديمقراطية والعدالة، تجدهم لا ينفكون عن إثارة مخاوف السلفيين تجاه حقيقة قبولهم كطرف فاعل ومؤثر في المشهد السياسي، وتجاه حقيقة مفهوم وقواعد اللعبة السياسية والديمقراطية التي يطالبون بها، وهذه بعض الأمثلة:
1- تتنامى مخاوف السلفيين من حقيقة موقف العلمانيين تجاه تحكيم الشريعة الإسلامية، فبرغم أن جميع الفرقاء السياسيين أعلنوا عقب نتائج الاستفتاء الدستوري في 19/3/2011 أنهم مع المادة الثانية من الدستور وتحكيم الشريعة، وقد أوضح السلفيين وغيرهم أن تطبيق الشريعة أكبر من تطبيق الحدود وأن تطبيق الشريعة سيكون على مراحل بما لا يضر بالمصالح العامة السياسية والإقتصادية والفردية، إلا أنهم اليوم ومع قرب وضع الدستور لجأوا لتعطيل كتابته والمشاغبة على اللجنة التأسيسية، وقد كان من أعجب المواقف موقف النائب عمرو حمزاوي – والذي كان يعد من أعقل الليبراليين – حين أعلن أن بقاءه في اللجنة التأسيسية للدستور والتي انتخبه فيها الإسلاميون مرهون برأي قاعدته الانتخابية، ورغم أن جمهوره طلب منه البقاء في اللجنة بنسبة 62 % إلا أنه ضرب بهم عرض الحائط وانسحب فوراً!!
وكانت أكبر حججهم أنه لا يصح مشاركة البرلمان في وضع الدستور وأن هذا غير قانوني ولا دستوري، وبعد الجدل اتضح أن أكثر من نصف دساتير العالم في الثلاثين سنة الماضية وضعها البرلمان منفرداً أو بالمشاركة، فما هي حقيقة موقف العلمانيين بشقيهم من تحكيم الشريعة والمادة الثانية في الدستور؟؟ وما مدى التزامهم بها؟؟ وما الذي يخشونه من تطبيق الشريعة ؟؟
2- توجد مخاوف لدى السلفيين من حقيقة مفهوم العلمانيين للحرية، حيث تتصاعد صرخات التهويل والتهديد منهم للسلفيين خصوصاً وللإسلاميين عموماً بخصوص حماية حرية التعبير والإبداع حتى لو طالت المقدسات والمحرمات مثل دفاعهم عن شتم الشاعر الحشاش فؤاد نجم للدين والرب على الفضائيات، أو مساندتهم لتغريدة حمزة كاشغري التي تعرض فيها لجناب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الوقت هاج العلمانيون ضد رأي المهندس عبد المنعم الشحات في رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ التي رفضها الأزهر، فما هي حقيقة حرية التعبير والإبداع والرأي التي يؤمن بها العلمانيون؟ وهل للمقدسات عندهم حرمة وكرامة ؟؟ وما موقفهم من المتطاول على المقدسات؟؟ وهل للحرية والإبداع عندهم حدود ؟ وهل هي تحت سقف القانون؟ أم أن مدّعي الإبداع من أصحاب الدماء الزرقاء!! بحيث أن شتم الرب والدين حرية رأي وإبداع، وانتقاد ذلك يعد تعدى على حرية الرأي والإبداع ؟؟
3- هناك مخاوف عند السلفيين تجاه مفهوم العدل والظلم وهل لهما معنى حقيقي لدى العلمانيين؟ خاصة مع وقوف كثير من المبدعين والسياسيين والأحزاب العلمانية في خندق بشار الأسد وهو يذبح شعبه ؟ وقبل ذلك من سكوت بل وتبرير كثير من رموزهم للظلم الواقع على التيار الإسلامي من قبل الأنظمة المستبدة، وهم يتشدقون بحقوق الإنسان، ماذا قدمت منظمات حقوق الإنسان للمظلومين من الإسلاميين في الوقت الذي كانت أرصدتهم تتضخم بسبب حملاتهم الصاخبة بالدفاع عن حق الردة !! وإلغاء خانة الدين في الوثائق الرسمية !!
هل العدالة تتجزأ لدى هؤلاء، فإذا كانت العدالة ستذهب بنظام مجرم علماني وبديله سيكون ذا صبغة إسلامية فالظلم مقبول والقتل مطلوب؟
هذه بعض مخاوف السلفيين من ديمقراطية العلمانيين التي حكمتنا لعقود طويلة، والتي يسعى العلمانيون لبقائها ودوامها، ديمقراطية لا تحترم رأي الأغلبية إذا اختارت الإسلام، ديمقراطية لا تحترم هوية الأمة ومقدساتها بحجة الإبداع، ديمقراطية لا تتبنى العدل مع الإسلام وتحتضن الظلم في وجهه، هذه مخاوف السلفيين فمن يطمئنهم ؟؟
مخاوف السلفيين من يبددها؟؟
2014/08/01
الرابط المختصر
Image