مساواة المرأة بالرجل في الميراث ظلم وإجحاف بها

الرابط المختصر
Image
مساواة المرأة بالرجل في الميراث ظلم وإجحاف بها

في موجة جديدة من إثارة الاضطراب والفوضى في مجتمعاتنا الإسلامية تتكرر تلك الأقلية المنبوذة في مجتمعاتنا والتي ليس لها شرعية ولا مرجعية وتفرض نفسها على الشعوب بالبلطجة والاستقواء بالخارج ضد أمتها وأوطانها، لأنهم متيقنون أنهم لا يمكن أن ينجحوا بأي طريقة ديمقراطية في تمرير أفكارهم، ولذلك هم ككفار قريش وأصنام العجوة التي كانوا يعبدونها، وإذا جاعوا أكلوها!!
وهذه الأقلية المنبوذة تتشدق بالحريات والديمقراطية والتعددية والاحتكام لصناديق الانتخابات، ولكن حين يدركون أنهم فاشلون في تحقيق مرادهم بهذه الآليات، فإنهم ينقلبون على الديمقراطية والحريات والصناديق، ويلجأون للخارج يحتمون به ويهددوننا شعوباً وحكومات بعصا معاهدات خارجية على غرار اتفاقية سيداو.
عادوا يشغبون ويثيرون الخلافات بطلب إلغاء الأحكام الإسلامية والقوانين المنسجمة مع الشريعة الإسلامية في قضايا الأحوال الشخصية، من خلال يافطة مساواة المرأة بالرجل في الميراث! وهاهم في المغرب يفجرون الخلاف، وفي تونس أخرجوا فيلما سينمائيا يزوّر القضية، وفي لبنان والأردن لا تتوقف الأصوات المطالبة بذلك همساً وعلى استحياء في القاعات المغلقة!
وهم في هذه المطالبة يقومون بدايةً بتزوير خطير جداً، وعليه يخدعون الناس، فهم يزعمون كذباً وزوراً أن ميراث المرأة في الإسلام هو نصف ميراث الرجل! ويستدلون على ذلك من القرآن الكريم بقوله تعالى: "للذكر مثل حظ الأنثيين" (النساء: 11)، وهذا اجتزاء مخلّ من الآية، على طريقة "ولا تقربوا الصلاة"!!
فالآية كاملة هذا نصها: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" (النساء: 11)، فليس ميراث الرجل ضعف ميراث المرأة، كلا فالصواب: أن ميراث الأخ ضعف ميراث الأخت، وهذا فرق كبير جداً جداً، فالمرأة ليست في الميراث دوماً أخت، بل هي أم وزوجة وابنة وتفريعات ذلك، ولكل حالة مقدار وحكم، وهو غالباً يفوق مقدار الرجل.
بل يقول الشيخ الشعراوي في خواطره حول هذه الآية: "لقد أراد الله أن يكون المقياس أو المكيال هو حظ الأنثيين، ويكون حظ الرجل هنا منسوبا إلى الأنثى؛ لأنه لو قال: للأنثى نصف حظ الرجل، لكان المقياس هو الرجل، لكنه سبحانه وتعالى جعل المقياس للأنثى؛ فقال سبحانه وتعالى: "للذكر مثل حظ الأنثيين".
والذين يقولون: هذا أول ظلم يصيب المرأة، نريد المساواة، نقول لهم: انظروا إلى العدالة هنا، فالذكر مطلوب له زوجة ينفق عليها، والأنثى مطلوب لها ذكر ينفق عليها، إذن فنصف حظ الذكر يكفيها إن عاشت دون زواج، وإن تزوجت فإن النصف الذي يخصها سيبقى لها، وسيكون لها زوج يعولها.
.. إن هذا القول محاباة للمرأة؛ لأنه جعل نصيبها المكيال الذي يرد إليه الأمر؛ ولأن الرجل مطلوب منه أن ينفق على الأنثى، وهي مطلوب لها زوج ينفق عليها.
إذن فما تأخذه من نصف حظ الذكر يكون خالصا لها، وكان يجب على هؤلاء أن يقولوا: لماذا حابى الله المرأة؟ لقد حابى الله المرأة لأنها عرض، فصانها، فإن لم تتزوج تجد ما تنفقه، وإن تزوجت فهذا فضل من الله".
هذا التزوير الكبير يبطل كل المزاعم الكاذبة لهذه الأقلية البلطجية، فليس ميراث المرأة نصف ميراث الرجل حتى نطالب بالمساواة، بل إن المرأة ترث أكثر من الرجل في 17 حالة من حالات الميراث، بينما الرجل يرث أكثر من المرأة في أربع حالات فقط!
والمرأة ترث مثل الرجل في ثماني حالات، وترث في عدة حالات ولا يرث الرجل بتاتاً.
بل إن أكبر حصص الميراث وهي ثلثا الميراث لا تكون إلا من نصيب المرأة، ولا يرث الرجل هذا المقدار من الميراث بتاتاً من الأنواع التي فرض لها نصيب محدد من الله عز وجل في القرآن الكريم، بل إن النساء هن الأكثر عدداً الذين فرض الله لهم نصيب محدد من الميراث، والمرأة ترث نصف التركة في أربع حالات بينما الرجل يرث هذا المقدار في حالة واحدة!
كل هذه الحقائق يتم طمسها من قبل هذه الأقلية البلطجية، وفقط يعلنون حالة واحدة من حالات الإرث وهي حالة الأخ والأخت، والتي يأخذ فيها الرجل أكثر من المرأة، وهذا التفضيل للرجل هنا يقابله حالات كثيرة تتفوق المرأة فيها على الرجل.
إن مطالبة هؤلاء البلاطجة بمساواة المرأة بالرجل هو في الحقيقة ظلم وإجحاف بحق المرأة التي تتفوق غالبا على الرجل في نصيبها من الميراث، وهو في الحقيقة انحياز للرجل على حساب المرأة، برغم أنهم يزعمون أنهم يريدون إنصاف المرأة لكنهم يحرمونها في الواقع من خير كثير يصل لثلثي التركة ونصفها بالكامل!!
ولذلك حين جوبه بعضهم بهذه الحقائق القرآنية والتي تنصف المرأة بل تتفوق على ما يطالب به هؤلاء البلاطجة للمرأة، كشف عن حقيقة موقفه البائس من الشريعة الإسلامية وقال: "نحن نريد إبعاد الضرر ودرء المفسدة عن شريحة من المسلمين"، وهذا اتهام صريح وطعن مباشر في العدالة الإلهية "أأنتم أعلم أم الله" (البقرة: 140)، و"ومن أحسن من الله حكماً" (المائدة: 50)، وهذا في الحقيقة هو أصل الصراع بين المؤمنين وغيرهم، وهو: هل يؤمن هؤلاء بإلهية الله عز وجل والتي تعني انفراده بالخلق والأمر؟
فالله عز وجل هو الذي خلق الرجل والمرأة، والجميع (المؤمن والكافر) يخضع لنفس القوانين في الحياة في الضروريات من الطعام والشراب والتكاثر وسائر أمور الحياة، ولكن الخلاف هو في الموقف من قوانين الله عز وجل الاختيارية من عبادة الله عز وجل بالعبادات والمعاملات والسلوك والأخلاق، هذا هو مفصل الخلاف والصدام بين المؤمنين وغير المؤمنين.
فالمؤمن يرضخ لهذه الأحكام الشرعية لإيمانه بعلم الله عز وجل الكامل وعدله المطلق وكون هذه القسمة هي الخير، ولذلك لجأت الكنائس منذ قرون لاعتماد أحكام الإرث الإسلامية في قسمة المواريث لخلو المسيحية من أحكام خاصة للميراث.
أما من يرفضها فلأنه يرفض كل المنظومة الإسلامية في أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية، ولأنهم يؤمنون بالمنظومة العلمانية الإباحية التي تعادي شعيرة وعبادة الزواج وتكوين الأسرة وتربية الأبناء، ويهدف لإشاعة الحرية الجنسية بكافة صورها الشاذة، ولكنهم لا يجرؤون على التصريح بغايتهم الكبرى في هذه المرحلة، وقد تهور بعضهم وكشف المستور فتعرض لنبذ مجتمعي كبير، فعادوا للمداراة والتدرج، وجعلوا المساوة في الميراث وقد تبين كذبها وتزويرها الخطوة الأولى في مخططهم الخبيث.
إن من يرفض زيادة حصة الأخ على حصة الأخت، فلأنه يرفض كون الرجل أصلاً هو من يقدم المهر للزوجة ويلزم بتكوين بيت الزوجية والنفقة على الزوجة، وإنما يرغبون بالوصول للمرأة بلا مهر وإلزام بالنفقة وتأسيس بيت يجمعهما، فهم لا يريدون تحرير المرأة بل يريدون حرية الوصول للمرأة!!
وختاماً: في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها أمتنا وهي تواجه تغول الاحتلال اليهودي والعدوان الإيراني والانفلات الروسي والتقسيم العرقي والطائفي لدولها، ومن جهة أخرى تواجه في الداخل الاستبداد والفساد والجهل والتخلف، تقوم فئات من البلاطجة باستغلال هذه الظروف الصعبة لتمرير أجندات معادية للإسلام أو طائفية أو متطرفة أو متهورة، وإذا تمكنوا من التقدم خطوة أو خطوتين، فبالتأكيد لن يكون ذلك إلا جمعة مشمشية!
وإن مما يجب أن نطالب به صداً لهذا التزوير للشريعة الإسلامية والعداء لها، أن تضمن هذه المفاهيم الإسلامية الراقية والسباقة تاريخياً وموضوعياً في تكريم المرأة مناهجنا المدرسية حتى تعرف طالباتنا وطلابنا أحكام دينهم وشريعتهم وحقوقهم التي أنزلها الله عز وجل من فوق سماواته وقبل 1400 سنة، والتي تحقق للناس الأمن والاستقرار، ونحارب ثقافة الجاهلية العصرية الرافضة لشريعة الله عز وجل، ونحارب ثقافة الجاهلية الأولى التي تمنع المرأة ميراثها عصبية وانتقاصاً من قدرها، وهو ما يجب أن يقاوم بكل قوة.