معشر الصائمين والقائمين هنيئاً لكم العيد

الرابط المختصر
Image
معشر الصائمين والقائمين هنيئاً لكم العيد

كلنا شاهد جموع الصائمين والقائمين تغصّ بهم جنبات المساجد، وينتشرون في كل مكان يواسون الفقراء ويخدمون الضعفاء ويعينون المحتاجين، أو سمع بالمبادرات المتميزة لتوزيع الإفطار على السائقين في الطرقات عند أذان المغرب حتى لا يُسرعوا فيتضرروا، وقد تشارك في هذا كثير من الشباب المتطوعين ورجال الأمن في مشهد جميل ورائع.
وأغلبنا لاحظ جمال ظاهرة تفقد الناس لجيرانهم، وكم من حاجاتٍ قُضيت ومشاكل حُلت وكربات فكت في هذا الشهر الكريم، شهر الرحمة والمغفرة، سيدرك عظمة هذا الدين وعظمة شعائره التي تعمل بسلاسة في صيانة هذا المجتمع ووقايته دون كثير دعاية وترويج ومصاريف إدارية تستهلك القسط الأكبر من موارد التبرعات في المنظمات الدولية بدلاً من أن تصل للفقراء والمحتاجين.
ما أجمل أن ترى المساجد وقد اجتمع أهل الحي بأكملهم في صلاة القيام وخاصة في ليلة 27 رمضان، يصلّون معاً ويدعون معاً، ويتعلمون معاً، ثم ترى الشباب والفتيان والفتيات يتسابقون على خدمة الحاضرين وقت السحور، بإعداد الطعام وتوزيعه، ثم إعادة تهيئة المكان للصلاة، هذا الاجتماع الذي يقرّب الجيران من بعضهم ويكسر الحواجز بينهم، بعد أن أصبحت الشكوى من العزلة بين الجيران ظاهرة مقلقة تنذر بمشاكل قادمة.
أصبح الجار يمرض ولا يدري جاره المقابل له في نفس الدور فضلاً عمّن يسكنون في الشارع ذاته، وتكررت سرقة المنازل والجيران يتفرجون، لأنهم لا يعرفون من هو جارهم أصلاً، فيظنون السراق هم أهل البيت!  
ما أجمل أن ترى رجل الأعمال (المشغول دوماً)، في المسجد بصحبة ولده الصغير والمنبهر بهذا الجوّ الجديد، فتراه يسأل أباه: ماذا سيحدث الآن، كم سنصلي؟ متى سنتسحّر؟ ماذا سيكون السحور؟ فهو يعرف السهر في المولات وطلب الوجبات من المطاعم السريعة! وسرعان ما يصبح هذا الطفل ينتظر عودة رمضان في العام المقبل ليستمتع بهذه السهرة الإيمانية.
وللأسف أن إعلامنا لا يكترث لتوثيق هذه السهرات وإبراز فضائلها الإيمانية والأخلاقية والاجتماعية، وكيف أنها تفرغ طاقات الشباب في مسارات إيجابية، من التعاون والتكاتف ورعاية الجيران وحب عمل الخير.
أجمل ما في رمضان أنه يتيح للجميع المشاركة في العبادة وعمل الخير، فالصوم والصلاة وقراءة القرآن والاستغفار والدعاء ومساعدة الآخرين، فتجد الكبير والصغير والرجال والنساء، وكافة شرائح المجتمع على مختلف مستوياتها الدينية من ناحية الالتزام، كلهم منخرطون معاً في نظام واحد، في الصلاة وفي العمل وفي وقت الطعام، منخرطون في نشاطات متشابهة، مجتمعون في نفس المكان وهي المساجد، مما يعزز اللحمة بينهم ويزيل الفوارق التي تفرضها طبيعة الشهور الأخرى.
في رمضان تظهر جوانب الخير والإيمان الموجودة بكثرة ولله الحمد عند الكثيرين، لكن قد لا يكون ذلك ظاهراً للعيان، بعض الناس يظن أن المحافظين على صلاة الجماعة في المساجد هم فقط أهل الدين والإيمان والخير، لكن في رمضان يدرك الجميع أن أهل المساجد هم كقمة جبل الجليد الذي لا يظهر إلا رأسه فقط، بينما جبل الإيمان والخير يختفي ثلثاه وأكثر تحت ضغوط الحياة ومشاغل الدنيا وزخارفها.
فبرغم تقصير البعض أو الكثير من المسلمين والمسلمات ببعض الواجبات الشرعية، إلا أنهم غالباً محافظون على واجبات شرعية أخرى، وأهمها الإيمان بالله عز وجل والصلاة.
وبذلك يكون رمضان بمثابة دورة إنعاش وتجديد للإيمان والخير في القلوب، يمتد أثره من العام للعام للقادم، مما يجدد شباب الإيمان في شرايين المجتمع، بما يقيه أمراض الكفر والشهوات والشبهات، ويجنّب المجتمع من قسط كبير من الآثار السلبية لأزمات الفقر والحرمان بما يبذله المسلمون والمسلمات طوعاً للفقراء والمحتاجين والمشاريع الخيرية والنافعة للمجتمع.
وبعد شهر من الصبر والصوم والجدّ والاجتهاد في الطاعة والعبادة والتضرع والإنابة وعمل الخير وفعل البر، تصل ذروتها بليلة القدر في نهاية رمضان، تأتي المكافأة الربانية لجموع الصائمين والقائمين والمُنفقين، بالفرحة بعيد الفطر المبارك.
فالعيد والفرح والسرور في الإسلام شرعت عقب الطاعات الكبرى، فعيد الفطر يأتي بعد شهر الصوم، وعيد الأضحى المبارك يكون بعد مناسك الحج، ولذلك فالعيد هو أصلاً لأهل الطاعات والعبادات، مكافأة من الله عز وجل لهم على جهدهم وتعبهم في عبادته سبحانه وتعالى.
ولذلك فحتى عيدنا -أهل الإسلام- هو عيد فرحة وسرور وانبساط، لكنه مع ذلك مرتبط بعمل الخير والبر، فقبل صلاة العيد نُخرج زكاة الفطر حتى لا يبقى فقير جائع يوم العيد، وفي عيد الأضحى نوزع لحوم الأضاحي للفقراء حتى يشاركوا الأغنياء الفرحة بطعام جيد.
كما أننا في العيد مأمورون بإعلان التكبير فرحاً بطاعة الله عز وجل، وانتصاراً على هوى النفس والشيطان، سواء بصيامنا وقيامنا أو حجّنا وأضحيتنا.
وفي العيد نمارس الفرح والسرور بصلة الأرحام وإكرام الأهل والزوجة والأولاد، ولبس الجميل من الثياب وتبادل الهدايا مع الأحباب.
ولكن الشيطان، كما سعى لإلهاء بعض الناس عن الطاعة في وقت الصيام والقيام ووقت الحج، فإنه يسعى لإفساد عبادة العيد بتشويهه وإخراجه عن مساره المحبوب لله عز وجل، ومن ذلك:
تلبيس إبليس على بعض الناس بزيارة القبور يوم العيد، فقلبوا الفرحة إلى غمٍّ، وهذا أمر مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك استبدال عبادة التكبير في العيد بمهرجانات الغناء والموسيقى وأفلام السينما، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن ذلك أيضاً دخول الرجال غير المحارم على النساء في البيوت والاختلاط بدون محرم، وتكون أكثر مخالفةً مع التبرج وطرح الحجاب الشرعي، مما يشوّه عبادة صلة الرحم.
فيا معشر الصائمين والقائمين: هنيئاً لكم العيد، واحذروا أن يسرق الشيطان من أجور رمضانكم في منكرات العيد المغلّفة بغلاف الفرحة المسمومة بالمعاصي والفجور.
وتقبل الله عز وجل منكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، وجعل أيامكم دوماً فرحاً وسرورا.