معشر الغلاة والحداثيين الإسلام والقرآن لا يحتاجان وصفاتكم !

الرابط المختصر
Image
معشر الغلاة والحداثيين الإسلام والقرآن لا يحتاجان وصفاتكم !

الإسلام هو دين الله عز وجل الذي ارتضاه لكل البشرية حتى قيام الساعة "إن الدين عند الله الإسلام" (آل عمران: 19)، وهو يقوم على عقيدة التوحيد الثابتة عبر تاريخ البشرية كلها "ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" (النحل: 36)، ويقوم على تحقيق توحيد عبادة الله عز وجل بعبادات وأحكام تتفق في أصولها وتختلف في تفاصيل الشرائع وكيفيات الشعائر من عصر إلى عصر "لكلٍّ جعلنا منكم شِرعة ومنهاجاً" (المائدة: 48)، ونقل الطبري عن قتادة قوله: "الدين واحد والشريعة مختلفة".
لمّا أرسل الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم جعل رسالته خاتمة الرسالات "اليوم أكملت لكم دينَكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" (المائدة: 3)، وقال تعالى "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" (الأحزاب: 40)، وبذلك استقرت التشريعات والشعائر الإلهية إلى قيام الساعة، وبقي باب الاجتهاد مفتوحاً لأهل العلم الشرعي في حكم المستجدات من الأحوال والمعاملات والمكتشفات والمصنوعات.
ولأن وحي السماء توقف عن أهل الأرض بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم تكفل الله عز وجل بحفظ كتابه الكريم، القرآن المجيد، لقيام الساعة "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر: 9)، حتى يبقى هادياً لهم ومرشدا للطريق المستقيم "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" (الإسراء: 9).   
ومن هنا فإن الإسلام وكتابه المحفوظ هما منارة الهداية والسعادة والأمان لهذه البشرية حتى قيام الساعة، وقد حقق الإسلام ذلك حقيقة على أرض الواقع منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، برغم طول الزمان وامتداد الجغرافيا والمكان التي استظلت بنور الإسلام والقرآن وتنوع اللغات والقوميات والعرقيات التي حملت لواء الإسلام والقرآن.
فالإسلام والقرآن أسعدا البشرية ورفعا عنها الظلم والآصار التي فرضها الكفر والفجور والظلم، وأخذا بيد من آمن بهما وبيد من سالمهما ممّن لم يؤمن بهما فكفلا لهم العيش الرغيد والأمن والأمان، وأدارا عجلة تنمية الحياة، فازدهرت المعرفة والعلوم وتحسنت صحة الناس وكثرت أرزاقهم وترقت أساليب عيشهم، وأصحبت حواضر الإسلام مضرب المثل في العمران والازدهار والتقدم والمدنية.
وهذا الذي نتحدث عنه من عظمة إنجاز الإسلام والقرآن ليس شيئاً من أعماق التاريخ، بل هو ما كان من عقود قريبة، ومن أمثلة ذلك ما قاله الرحالة الألماني فيلهلم شيمبرا حين زار الجزائر عام 1831م: "لقد بحثتُ قصداً عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد الشعب"، ولا يعرف أكثر الناس أن فرنسا حين قامت بغزو الجزائر عام 1827م كان ذلك بسبب نيتها عدم سداد مديونيتها للجزائر والتي تبلغ عدة ملايين، والطمع في ثرواتها فقد كانت خزينة الجزائر تحتوي على 150 مليون فرنك!! 
وعندما تعرض المسلمون لغزو التتار الذين أبادوا الناس وهدموا المدن ونشروا الظلام بهمجيتهم، سرعان ما هضمتهم الحضارة الإسلامية وتعاليم القرآن الكريم، فدخلوا في الإسلام وعادت للمسلمين قوتهم ومجدهم، ثم جاءت الحروب الصليبية المتتابعة، فنشرت الخراب واحتلت القدس وشردت الناس ونشرت الظلم، لكن سرعان ما عادت الحياة تدب في شرايين الأمة فأعادت بناء المدارس وخاصة المدارس النظامية التي أشرف عليها الوزير السلجوقي نظام الملك، والتي واصل صلاح الدين رعايتها، حتى شكل من مخرجاتها جيل وجيش التحرير واستعادة القدس والمسجد الأقصى.
واليوم نشهد الحياة تنبض من جديد في شرايين أمة الإسلام، فالعودة للدين ظاهر والإقبال على تعاليم القرآن الكريم بارز لا يخفى، والرهان هو على عمق فهم الإسلام وصحة فهمه، فبحسب ذلك تكون سرعة عودة مجد المسلمين ونصرهم.
والإسلام والقرآن اليوم يواجهان تحدياً لصرف المسلمين عنهما من خلال اتجاهين متناقضين، هما:
اتجاه الغلو والتطرف في فهم الإسلام، واتجاه تأويل الإسلام والقرآن ليتوافق مع الحداثة والعلمانية الغربية.
والعجيب أن أعداء الإسلام والقرآن يدعمون كلا الطرفين، فرؤوس التطرف والغلو ينعمون من عدة عقود بحقوق اللجوء إلى جنة الحداثة والعلمانية في أوروبا وكندا وغيرها، كما أنهم يوظَّفون بشكل ممتاز في كثير من الأجندات الاستخبارية الدولية، فمثلاً هل انتقال آلاف المتطرفين من أوروبا لداعش في سوريا والعراق عبر المطارات كان بعيداً عن رغبات المخابرات الدولية؟
وهل يوجد عاقل يصدق أن انتقال الأموال لداعش وأمثالها عبر الدول غير مرصود؟ وبقاء سيرفرات مواقع الإرهاب والتطرف عاملة من قلب أمريكا وأوروبا برغم معرفة الجميع أن داعش تعتمد على الوسائط الإلكترونية بدرجة كبيرة جداً.
وأخيراً إعلان أمريكا أنها ستحارب داعش في المنطقة لمدة 30 عاما، بينما الجيش العراقي في عز قوته لم يصمد في معركة برية حقيقية لا في حرب تحرير الكويت ولا في حرب احتلال بغداد، وإذا زعم أحد أن داعش تنظيم عقائدي لا يهزم، فأذكره بالحرب على طالبان والقاعدة كيف نجحت إذاً؟
إن أعداء الإسلام بشتى دوافعهم ومواقعهم يجدون في فكر التطرف والغلو والإرهاب وسلوكه وسياساته وجرائمه أكبر داعم لهم في تفتيت وتعطيل قوة الإسلام والقرآن، بخلق نموذج مشوه عن الإسلام يصد المقبلين عليه بالآلاف من الناس في العالم، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، وفي نفس الوقت يقوم فكر التطرف والإرهاب بحرب داخلية تفت في عضد المسلمين وقوتهم، ويضرب مواقع قوة في المسلمين لا يمكن لغيره ضربها وهي مكانة العلماء والدعاة، فحين يهاجم الكفار في الخارج أو الخصوم في الداخل العلماء والدعاة تلتف الأمة حولهم، لكن حين يهاجم التطرف العلماء والدعاة بحجج شرعية مزورة تجد عقولا غبية وقلوباً عاطفية تقبل ذلك!
وأيضاً على الطرف المقابل نجد دعاة العلمنة الصريحة والمؤمنة ودعاة الحداثة الوقحة والمستترة يعرضون أنفسهم كبديل عقلاني لفهم الإسلام حتى ينسجم الإسلام مع العصر! ويعلن هؤلاء أن الإسلام والقرآن هما المشكلة التي تعيق المسلمين عن الاندماج في ركب الحضارة المعاصرة، وبعضهم يجبن عن التصريح بذلك فيختبئ خلف شعارات تأويل الخطاب الديني أو ترشيده أو تطويره أو ترشيقه، وهم في هذا كالنعامة حين تخفي رأسها في التراب وتظن أن لا أحد يراها! ومن مظاهر جبن هذه الشلل العلمانية والحداثية، أنهم يكثرون من التنظير وبلغة معقدة غير مفهومة وتخلو من الأمثلة على تطبيق تنظيراتهم، لأنهم يدركون تماماً أن الإفصاح عن مقصودهم الخبيث في تحريف الإسلام والقرآن وتطويعهما لقيم الحداثة والعلمنة تأسياً بالتجربة الغربية والشرقية بأمثلة واضحة وصريحة، سيجلب عليهم ضجة كبرى ويفضح حقيقتهم وسينبذهم الناس.
والعجيب أن شلة العلمانيين والحداثيين غير متفقة على منهج موحد في تأويل النص الديني، وما يقدمونه متناقض ومتعارض فيما بينهم أنفسهم، وكلهم يدعي أن هذا هو مقتضى العقل والمنطق! وتشعر حين تطالع نقاشاتهم وادعاء كل طرف فيهم امتلاك الحقيقة أنهم كنزلاء المصحات العقلية التي يزعم كل شخص فيها أنه أعقل العقلاء!
وتحظى هذه الشلل العلمانية والحداثية بدعم لا محدود من قبل كافة أعداء الإسلام والقرآن وبصور متعددة، من رعاية للفعاليات ودعم إعلامي وسياسي بل وأحياناً تتدخل السفيرات والسفراء من أجلهم!
وختاماً أقول لمعشر الغلاة والتطرف وشلة العلمنة والحداثة: الإسلام والقرآن في غني عن اقتراحاتكم وأفكاركم، وابتعدوا عن الطريق ليمضي الإسلام والقرآن في سبيلهما إن كنتم صادقين في حبكم لهما.