يشغل وباء كورونا اليوم أذهانَ البشرية جمعاء بما تسبب به من وفيات وإصابات وسرعة انتشار وعدم وجود علاج له ولا لقاح.
وهذا الفيروس الجديد هو عضو جديد في عائلة فيروسات الكورونا التاجية التي عرفتها البشرية مؤخرا )السارس، انفلونزا الطيور والخنازير، الإيبولا)، والملاحظ على هذه الفيروسات أنها ترتبط غالبا بتصرفات منافية لسلامة الإنسان ونهت عنها الشريعة الإسلامية.
فالراجح حاليا أن سبب الكورونا الجديد هو أكل لحم الخفاش في الصين، كما كان تناول القرود سببا لمرض السارس، وتناول الخنزير معلومة أضراره، والخفاش أكثر الفقهاء على تحريمه والقرود والخنازير مجمع على تحريم أكلها.
وكما أن الأمراض تحدث بسبب عدم ملاءمة الظروف لصحة الإنسان، فمَن تعرض لهواء بارد دون ملابس مناسبة فهذا مظنة المرض غالبا، فكذلك تناول أطعمة غير مناسبة أو مناسبة لكن فاسدة فهو مظنة المرض غالبا، ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم أصناف محددة من الطعام والشراب وأباحت ما سوى ذلك لقوله تعالى: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم" (الأنعام: ١١٩)، وقال تعالى: "ويحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" (الأعراف: ١٥٧).
وجاء تفصيل المحرمات بقوله سبحانه: "حُرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهلّ لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذُبح على النصب" (المائدة: ٣)، وقال جلّ جلاله: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" (المائدة: ٩٠)، وأضافت السنة النبوية تحريم أكل لحم الحمير والبغال الأهلية وسباع البهائم والطير والجلالة -وهو ما يرعى على المزابل من الدواجن والأغنام- وكل ما أمر النبي صلى الله عليه بقتله كالعقرب والحية والفأر، أو نهى عليه الصلاة والسلام عن قتله كالنمل والنحل والضفدع.
وهذه المحرمات كلها من الخبائث الضارة، وقد أثبت الطب والعلم اليوم أن هذه المحرمات وما يلحق بها من الدخان والشيشة والمخدرات هي من الخبائث والمواد الضارة بصحة الإنسان، ولكن اتّباع الهوى والشهوات والخرافات يجعل الناس تواصل تناول هذه المحرمات الخبيثة برغم فداحة مصائبها، لكن بسبب التعود على بعض المحرمات كالخمر والتدخين والمخدرات ولحم الخنزير وبسبب الأرباح الفاحشة من التجارة فيها والضرائب عليها فإن القوانين الوضعية تحابيها، ولا تكترث الدول والمجتمعات لمئات الآلاف من ضحاياها، ويبقى الفزع والهلع من الأمراض الوافدة التي تستغل أحيانا من قبل بعض الحكومات والشركات لغايات سياسية وتجارية.
وعلى غرار تسبب مخالفة الشريعة الإسلامية بأكل المحرمات بهذه الأوبئة فإن ارتكاب المحرمات في اللباس كلبس الذهب للرجال له تأثيرات صحية سلبية عليهم، وأيضا فإن فاحشة الزنا والشذوذ تسبب أمراضا خطيرة ومدمرة وآخرها الإيدز.
وبالمقابل، فإن التزام أحكام الإسلام وسننه وآدابه هو وقاية وعلاج من الآفات، فالوضوء فيه غسل اليدين والاستنشاق مما يطرد الفيروسات، والنقاب للمرأة وقاية، وعدم مصافحة واختلاط الرجال بالنساء مما يقلل انتشار الفيروسات، وآداب العطاس النبوية بتغطية الفهم مانعة من نقل العدوى، والختان للرجال يقي ويقلل من مرض الإيدز، وتجنب الأطعمة المحرمة وفواحش الزنا والشذوذ يمنع ظهور هذه الاوبئة أصلا.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن انتشار الفواحش والمنكرات علانية له ارتباط بظهور الأمراض الجديدة التي لم تكن من قبل، فقال عليه الصلاة والسلام: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا قبلهم" رواه ابن ماجة والحاكم وصحّحه الألباني.
والحديث يكشف عن معجزات من نبوءات الغيب تتعلق باستعلان الفواحش في أمم قادمة وأنها سوف تبالغ في الشكل والتكرار مما تظهر نتيجته كأمراض وأوجاع حديثة غير مسبوقة، وهذا يتحقق في عصرنا بتعدد ظهور الأمراض الجنسية التي لم تكن معروفة قديما، ويماثلها الأمراض الحديثة الناتجة عن انتهاك المحرمات في الأطعمة والأشربة كأضرار المخدرات المتنوعة بحسب تطور أنواع المخدرات.
وتسبب مخالفة الشريعة الإسلامية في الطعام والشراب واللباس والسلوك والعلاقات بأنواع من الأذى والأمراض يؤكد حقيقة عقيدة التوحيد التي أرسل بها جميع الرسل والأنبياء والتي تقوم على ركنين هما:
أولاً: جميع هذا الكون، الذي نعرفه والذي لا نعرفه، نعرفه ونشاهده مباشرة أو بالواسطة كفيروس الكورونا الجديد، أو نعرفه ولم نشاهده كالكهرباء والعقل والروح والحياة، أو لا نعرفه كما كنا لا نعرف الفايروس والذرة والكهرباء وآلاف النجوم والكواكب وأشياء كثيرة، كل ذلك هو من خلق الله عز وجل.
وثانيًا: أن هذه المخلوقات جميعا خلقت بقدرٍ ونظام متجانس، قال تعالى: "إنّا كلّ شيء خلقناه بقَدر" (القمر: ٤٩)، وتعد أحكام الشريعة الإسلامية بمثابة الميزان الصحيح والسليم لهذه العلاقات التبادلية بين الإنسان والكون، قال تعالى: "ألا له الخلق والأمر" (الأعراف: ٥٤).
وإدراك هذه الحقيقة الإيمانية وربطها بالواقع المعاصر وما تسبب به فايروس كورونا من خسائر ضخمة عجزت عنه كل دول العالم بكل علومها وآلاتها وقدراتها يفتح الباب واسعا لتأملِ عظيمِ قدرةِ الله عز وجل، وأنه سبحانه قاهرٌ لعباده بأصغر المخلوقات، وهذا يبطل التأويلات التي ذكرت في عقود سابقة للطير الأبابيل تحت ضغط الهزيمة أمام مَدافع أوربا! وأيضا قد يضيء فايروس كورونا بعض الضوء على نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم بإهلاك الله عز وجل لقوم يأجوج ومأجوج في آخر الزمان بقوله: "فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة" رواه مسلم، والنغف دود يُصيب الإبل والغنم، فبرغم قوة يأجوج ومأجوج "وأنه لا يدان لأحد بقتالهم" كما في الحديث، إلا أن الله عز وجل يقتلهم جميعا مرة واحدة بالدود، فسبحانه ما أعظمه، "وما يعلم جنود ربك إلا هو" (المدثر: ٣١).
وإدراك عظمة قوة الله عز وجل وتنوع جنوده، وأنه يهلك الجبابرة المتعاظمين والمتفاخرين بمخلوقاته الصغيرة والضعيفة يبطل دجل صنفين من البشر، الصنف الأول الذين زعموا الوصول لنهاية التاريخ باسم الليبرالية! فإذا فايروس (حقير) يهلك ملكهم! وإذا حريتهم وفرديتهم ومتعتهم سبب هلاكهم وعجزهم عن مقاومته! بينما نظام شمولي كالصين تفوق عليهم!! لنعرف خرافة هذه الشعارات "نهاية التاريخ"! وبالمقابل كانت قيادة الصين تبجحت بقوتها قبل مدة قصيرة فجاء الفايروس ومرغ قوتها في الوحل.
والصنف الثاني هم الأفاكون الذين يروجون الأكاذيب بين الناس -بمختلف أديانهم- عن قدرة الأولياء والصالحين على النفع والضر، وأن الأموات وأضرحتهم تمنح الصحة والشفاء للمرضى والمصابين! فإذا الفايروس (الحقير) يبطل كذبهم وشعوذتهم التي أكلوا بها أموال الناس بالباطل، فها هي الأضرحة والمراقد تحتاج للتعقيم والتطهير بالمواد الكيماوية! ثم تم إغلاقها لكونها أصبحت بؤرا لنشر المرض!
وها هم السدنة والكهان والشيوخ يرشون المعقمات لينجوا من الفايروس! وها هم العشرات من دجالي اليهود والنصارى والمسلمين يصابون بالكورونا، وبعضهم يلقى حتفه!
ولم تنفعهم الابتهالات للأموات ولا القرابين للقبور، وذلك أن الفايروس من مخلوقات الله كالأولياء والصالحين الذين ليس لهم قدرة على النفع والضر، بل ذلك لله عز وجل وحده، قال تعالى: "إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم" (فاطر: ١4).
وأخيرا؛ هذا الفايروس من خلق الله عز وجل وجنده، وهو نتيجة لمخالفة أمر الله عز وجل، جاء ليذكر البشرية بخالقها وضرورة عدم مصادمة سننه الشرعية والكونية، فمتى عادت البشرية إلى رشدها نالت سعادتها في الدنيا والآخرة، وهذه الحالات فيها تنبيه وتذكير للعقلاء بالحقيقة قبل انتهاء المهلة القصيرة "يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون" (الروم: ٧).