هذا هو عنوان الملتقى العلمي الثالث لجمعية الحديث الشريف، والذي عقد في الجامعة الأردنية بالتعاون مع كلية الشريعة بتاريخ 24/3/2015، وقد سبق للجمعية عقد ملتقيين علميين: الأول بعنوان "علم العلل: مشكلاته وآفاقه البحثية"، والثاني بعنوان: "ترقية الحديث الضعيف"، وأعلن رئيس الجمعية د. عبد الكريم وريكات أن الملتقى الرابع القادم سيكون بعنوان "مفهوم الحديث الصحيح".
ولهذا الملتقى أهمية كبيرة من عدة جهات، فهو من إعداد جهة علمية متخصصة في السنة النبوية والحديث الشريف، واستقدمت لذلك عددا من العلماء والباحثين المتخصصين من الأردن وخارج الأردن، ولذلك تكتسب أبحاثه وتوصياته قيمة علمية رصينة، خاصة ونحن نشهد موجة إعلامية منظمة للتطاول على السنة النبوية والحديث الشريف، تنفذ في عدد من الدول الإسلامية ويقوم بتنفيذها أشخاص لا علاقة لهم بعلوم الشريعة الإسلامية بعامة من أمثال المذيع المصري إسلام البحيري الذي تم إيقاف برنامجه المريب بأمر من الأزهر، أو من بعض الشخصيات غير المتخصصة في السنة النبوية وعلوم الحديث كالدكتور طه العلواني، الذي خصص الملتقى جلسة كاملة لتفنيد مغالطاته العلمية وتجاوزاته المنهجية على علم الحديث وعلم أصول الفقه بما يضر بسماحة الإسلام ويسره وشموليته.
ومن جوانب أهمية المؤتمر أنه عقد في رحاب الجامعة الأردنية وبتعاون مع كلية الشريعة فيها، مما يعيد لهذه المؤسسات العلمية الوطنية دورها الحقيقي في نشر المعرفة السليمة والفكر المستقيم، وعدم ترك المجتمع نهباً لأصحاب الأفكار السقيمة سواء من الجهلة من دعاة الغلو والتطرف، والذين يمارسون الجرائم والتكفير والقتل والتفجير ظلماً وعدواناً ثم ينسبون ذلك للإسلام والسنة النبوية، وهم بهذا يشوهون السنة الغراء من خلال إخلالهم بالمنهجية العلمية في التعامل معها، هذه المنهجية التي أرسيت قواعدها منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم شفوياً، وحاز شرف تدوينها كتابياً لأول مرة الإمام الشافعي في كتابة (الرسالة).
ويقابل دعاة الغلو والتطرف في تشويه السنة الغراء، دعاة الجهل والتمييع الذين لا يحرصون على تمييز كلام النبي صلى الله عليه وسلم من الروايات الضعيفة والمكذوبة، فيشيعون في الناس الخرافات والأكاذيب وينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مما ينفر أصحاب الفطر السليمة والعقول الراجحة عن الإسلام بجهلهم وحماقتهم.
وصنف ثالث هم أصحاب الأجندات المعادية للإسلام والسنة النبوية والذين يعملون وفق توصيات مراكز الدراسات الغربية ومنها توصيات دراسات مركز راند، والتي طالبت بإقصاء السنة النبوية، أو إعادة تأويلها ضمن نسق حداثي لا يصطدم بالفكر العلماني.
والجانب الأكبر في أهمية الملتقى هو موضوعه، والسنة النبوية والتعامل معها، فالسنة النبوية وحي من الله عز وجل، وفيها الخير والسعادة للبشرية، وهذا الذي لمسه العالم طيلة تاريخ الرسالة المحمدية، ولا يزال لليوم يكشف النقاب كل فترة عن أسرار وكنوز في السنة النبوية تحقق الأمن والرضى والعافية والسعادة والوقاية للبشرية في مجالها الروحي والبدني والبيئي وواقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
ولكن لأن لقوة اليوم ليست لعالم الإسلام فإن هذه الفضائل والمناقب للسنة النبوية تظهر كالنجوم في الليل، ولكنها حتما ستكون في المستقبل شمس النهار كما كانت من قبل.
توزعت أعمال الملتقى على ثلاث جلسات، الأولى تناولت محور "الضوابط المنهجية للمحدثين في فهم السنة النبوية"، شارك فيها كل من د. محمود جابر، ود. محمد الصاحب، ود. عبد الملك السعدي.
وقد بين المتحدثون في الجلسة عددا من الضوابط المهمة لفهم السنة على وجهها الصحيح بما يحقق الخير وينشر بركتها وهي:
- التحقق من ثبوت الحديث والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكم عانى المسلمون والأمة من تبعات مواقف وآراء لكلام لم يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم، برغم أن أمة الإسلام تميزت من بين سائر الأمم بوضع منهجية علمية دقيقة للتثبت من السنة النبوية، لكن داء الجهل والتقاعس عن تفعيل هذا العلم من جهة، واختراع مفاهيم باطلة في حب النبي صلى الله عليه وسلم تجاري الأمم الأخرى مثل التعلق بالشكليات كالاحتفال بيوم مولده –وهو لا يعرف بالضبط- والاهتمام بآثاره المادية كالبردة والحذاء والعصا وغالبها لا يوجد مستند تاريخي مؤكد لصحة نسبتها له، فضلاً عن عدم توفر وسائل حفظ لها، بدلاً من الحب الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم وهو امتثال أمره مما ثبت بالسند الصحيح الثابت.
- جمع ألفاظ ما صحّ من الحديث الواحد ورواياته وطرقه، للوصول لفهم متكامل وشامل وصحيح، وقد كان الاقتصار على بعض ألفاظ الحديث أو طرقه سببا لاختلاف العلماء في بعض المسائل والخطأ فيها.
- ويتمم ذلك جمع أحاديث الموضوع الواحد، لمعرفة الحكم السليم من خلال معرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص وهكذا.
- فهم الحديث في ضوء الآيات القرآنية، لأنهما من مشكاة واحدة.
- فهم الحديث في ضوء أسباب وروده ومقاصد الشريعة، مما يجنبنا الوهم والخلل.
- مراعاة فقه اللغة وأساليبها في فهم السنة النبوية، وكم سبب الجهل باللغة في فهم السنة من مصائب على المسلمين.
- مراعاة مناهج العلماء في الجمع بين النصوص الشرعية، وهو علم دقيق يحتاج إلى اطلاع واسع وخبرة، يفتقدهما كثير من الشباب وغير المختصين، ولذلك يستشكلون بعض الأحاديث بسبب جهلهم بطرق الجمع العلمية بين النصوص.
الجلسة الثانية تناولت محور "ضوابط فهم مرويات الفتن والملاحم" شارك فيها د. خالد الشرمان ود. سعيد بواعنة ود. معاذ العوايشة ود. عطا الله المعايطة.
واليوم قد كثر تداول أحاديث الفتن بين الناس بسبب الأوضاع السياسية المتشابكة، ولذلك ما لم نستحضر الضوابط السابقة سوف يدخل المسلمون في دوامة من الفوضى، فكثير من أحاديث الفتن التي تتداول بين الناس أصلاً غير ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنها من مصادر غير سليمة ولا موثوقة كما بين د. العوايشة، فالاشتغال بها عبث!
ثم إن كثيرا ممن تصدى للكتابة عن الفتن غير مؤهل وتنعكس رؤيته السياسية وحالته النفسية على شرحه وتفسيره للروايات، بل وعلى قبوله للروايات المشكوك فيها، لأنه يود إثبات تحليل ما!
وهناك خلل خطير يقع فيه كثير من الخائضين في تفسير أحاديث الفتن، وهو التعامل مع النص الصحيح الثابت في تنزيله على واقعة محددة، فهو نوع من المخاطرة ويجب عدم الجزم به، وهناك شروط وضعها العلماء لذلك، فكم أخطأ الناس في اعتبار حدث معين بأنه المقصود في الحديث الفلاني.
المحور الثالث الذي ناقشته الجلسة الثالثة كان كتاب "إشكالية التعامل مع السنة النبوية" وشارك فيها د. أمين القضاة ود. عامر صبري ود. عارف حسونة، ود. عبدالله السوالمة.
حيث تم مناقشة أطروحات الكتاب من جهة علم الحديث وعلم أصول الفقه اللذين هدمهما المؤلف دون حجة علمية، أو دليل صحيح، وذلك في أبحاث علمية دقيقة، آمل على جمعية الحديث أن تنشر هذه الأبحاث على موقعها على الإنترنت لتكون متاحة للباحثين، لأنها مناقشات علمية دقيقة يصعب تلخيصها في مقال.
وختاماً فإن العناية بالسنة النبوية ونشرها وتعليمها للناس هو مما يساعد ويعجل في قيام النهضة الإسلامية ويقطع الطريق على دعاة الغلو والتطرف والجهل والتمييع وأصحاب الأجندات المعادية للإسلام، فكل الشكر لجمعية الحديث والجامعة الأردنية وكلية الشريعة على هذا الملتقى العلمي المتميز.
منهجية التعامل مع السنة النبوية
2015/04/01
الرابط المختصر
Image