أصبح من المعتاد مع الأسف أن يكون شهر رمضان المبارك عنوان الإسفاف الإعلامي وهاوية الانحطاط الدرامي، والغريب أن ذلك لا يأتي عفويا، بل إن شركات الإنتاج ومحطات التلفزة تخطط لذلك قبل شهور طويلة وتعلن عن مشاريعها الخاصة لشهر رمضان!
فها هي الدراما الخليجية لشهر رمضان من عام ١٤٤١ ه والموافق لعام الكورونا (كوفيد ١٩) ٢٠٢٠ م تطل علينا بدراما (إنسانية) عن يهود الكويت!
وقد أحسنت السلطات الكويتية بإيقاف عرض مسلسل (أم هارون)، لكن لماذا لا تكون الرقابة مسبقة على مثل هذه الأعمال الإشكالية والتي يعلن عنها قبل الشهر الفضيل حتى نحافظ على احترام وتقدير الشهر الكريم أولا، واحترام قيم ومبادئ المجتمع والجمهور العام؟
أما الدراما السعودية فطرحت عبر مسلسل مخرج ٧ مشروعية التطبيع مع العدو الصهيوني وتدعو للتخلي عن القضية الفلسطينية كوجهة نظر، في استجابة للمخططات اليهودية بزرع الشقاق والصراع بين الشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية وجهود تهوين عقيدة الولاء والنصرة للمسجد الأقصى والمسلمين والمظلومين تحت الاحتلال اليهودي، ومحاولات بني صهيون بطمس عقيدة البراء من الكفر والشرك اليهودي والظلم والاحتلال الغاشم من عقود على الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية.
اللافت أن القائمين على هذا المسلسل من سنوات أعلنوا محاربة الصحوة الإسلامية واليوم وصلوا لترويج التطبيع ولا ندرى ما في رمضان القادم بماذا يصدمونا؟!
وعلى الضفة المصرية لا تزال تتواصل تفاهات برامج (رامز) والتي تعد وريثة برامج الفوازير البائسة والتي تتصادم بشكل تام مع غايات شهر الصيام.
وفي الأردن أصبح شهر رمضان موسما لدى البعض للتنافس في برامج هابطة تحت يافطة الفن الساخر، وهو في الحقيقة الفن الساقط، فلا فكرة محترمة ولا أسلوب مهذبا، ولا غاية إيجابية، بل هو اصرار على دفع المجتمع للغباء والسلبية والبلاهة في زمن شريف فاضل كشهر رمضان، أو زمن صعب وجاد يحتاج إلى تحفيز وتنشيط وتوعية.
أما في تونس فقد انشغل الإعلام هناك في ظل المناخ العلماني المتطرف بمحاولة تضليل الجمهور بعدم ضرورة صيام شهر رمضان للوقاية من الكورونا، وذلك من خلال حلقات حوارية مع شخصيات عامة!
وفي الجزائر هناك ضجة وجدال كبير على استخدام كلمة عامية لها دلالات سلبية في بعض مناطق الجزائر بحق السيدة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، حيث تباينت الآراء، هل قصدت الكلمة بمعناها العامي السلبي أو بالمعنى العادي في أصل الكلام! وكان الواجب على كاتب السيناريو ولجان المراقبة تبديل الكلمة بكلمة أخرى لا إشكال فيها.
أما الأخطاء العلمية والرسائل المغلوطة التي تبث عبر الداراما فهي لا تعد ولا تحصى، ومن ذلك ما جاء في مسلسل عرض بالكويت جعل نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام هو من التقمه الحوت بدلا من نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام!
أما مسلسل الاختيار المصري فقد انساق للشائعات وربط شيخ الإسلام ابن تيمية بتيارات العنف والتطرف، وهي القضية التي فندتها المؤسسات الدينية المتخصصة كدار الإفتاء المصرية في الجزء العاشر من مجموع فتاواها، والعديد من الدراسات الموضوعية مثل الكتاب المهم الذي أصدره مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان "متاهة الحاكمية: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية" للدكتور هاني نسيرة.
ومن ناحية اجتماعية انتقد عدد من المختصين بالعلاقات الأسرية تكريس عدد من المسلسلات لمشاهد العنف الأسري دون تقديم معالجة صحيحة لها، مما سيكون له آثار سلبية مؤكدة حيث أن تقليد الدراما في الجوانب السلبية أمر مؤكد، فهل هذا هو ما يهدف إليه الفن، وهل هذه هي رسالته الحقيقية؟
إن استمرار هذا النمط السيئ والمقصود والمتكرر في رمضان وفي عدد من البلاد يجعل من ذلك ظاهرة تحتاج إلى علاج حقيقي من السلطات بالدرجة الأولى لأن في ذلك اعتداء على دين ومقدسات المجتمع وتصادما مع قيمه ومبادئه وتجاوزا على القانون، مما ينبغي معه أن تكون هناك رقابة مسبقة على ما يخص شهر رمضان المبارك لتنتهي هذه المهزلة والسفاهة المتواصلة منذ سنوات.
وهذه البرامج والأجندات التي تقف خلفها ينطبق عليها قوله تعالي: " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" (البقرة: ١١-١٢).
فمتي ينتهي هذا الإفساد باسم الإصلاح؟