"من هو عدونا في إيران؟" هذا عنوان كتاب جديد للدكتور زياد الدريس، المندوب السعودي السابق بمنظمة اليونسكو العالمية، وصدر عن دار مدارك سنة 2016، وقد جمع فيه عدةَ مقالات قصيرة له حول إيران، ولخلفيته الثقافية والدبلوماسية حوت هذه الصفحات التي لم تتجاوز فعليا 75 صفحة نظرات ثاقبة وتحليلات ذكية، ولذلك جعل د. الدريس للكتاب عنوانا فرعيا "سؤال ثقافي مسيّس"، حيث دارت مقالاته على ثلاثة محاور هي: الهويات المتناقضة لإيران، والتوظيف الذكي / الخبيث للإعلام لصالح ثورتها، وحقيقة تلاعبها مع الشيطان الأكبر.
عنوان الكتاب "من هو عدونا في إيران؟" هو سؤال مطروح في أوساط الرافضين للمشروع الإيراني، فهل إيران دولة فارسية أم دولة إسلامية؟ فبينما يقطع العرب غالبا بين مرحلة ما قبل الإسلام وهي مرحلة الجاهلية، فإن النظام الإيراني يعمل على استحضار التاريخ الفارسي المضاد للإسلام! بخلاف دولة مثل مصر كان لها حضارة مخالفة للإسلام لكنها تركتها ولم تحفل بها على طريقة إيران والملالي!
يرى المؤلف أن إيران تلعب بورقة الفارسية وحضارتها وبطشها مع العرب، وتلعب بورقة الإسلام مع الغرب، وأن هذا يحيّر العرب فهم لا يعرفون هل هم يواجهون مدّ التشيع أم زحف الفارسية؟ ويترك المؤلف السؤال مفتوحا، ويضيف أن شيعة العرب حائرون: هل يقفون مع إيران بوصفها حامية للمذهب الشيعي أم يقفون معها بوصفها "فارس" المهددة للسيادة العربية؟ ولو تساءلنا عن حقيقة المحرك لحزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية والحوثيين ضد مواطنيهم هل هو النزعة الفارسية أم الطائفية الشيعية، فماذا سيكون الجواب؟
من هنا يصف الإسلاميون المشروعَ الإيراني بالمشروع الطائفي الذي يعمل على تصدير الثورة وولاية الفقيه، وأحيانا يلجؤون لوصفه بالمشروع الصفوي لدرء حساسية الأقلية الشيعية العربية بينما يفضّل الليبراليون وصفه بالمشروع الفارسي، وعلمنة الصراع معها، رغم أنهم يستخدمون مصطلحات من مثل عمائم قم وحكم الملالي. ولذلك يرى المؤلف أنه من المرفوض ما يقوم به متطرفو الشيعة العرب الذين يفضلون "الكونفيديرانية" على الكونفيديرالية الخليجية.
من مظاهر تناقض الهويات يرصد الدريس تداخل الطقوس المسيحية في مراسم التشيع، فالثالوث المسيحي (الرب والعذراء والمسيح)، يقابله -شيعيًا- علي وفاطمة والحسين، والدم الرمزي الذي هو النبيذ الذي يشربه المسيحيون يريقه الشيعة في عاشوراء، بل إن طقوس عاشوراء هي تعديل صفوي على مراسم مسيحيي القفقاس وأوربا الشرقية، وأضاف شيعةُ الهند عليها طقس المشي على الجمر تأثرا بالهندوس!
أما في محور الإعلام وتثويره فيشير المؤلف بدايةً إلى انتهازية مؤسسات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الغربية التي تغافلت عن كل جرائم وإرهاب إيران وتثير دوما الشبهات والغبار حول المملكة العربية السعودية لصالح أجندات غربية، وحديثًا نتيجة اختراقات إيرانية.
وحول كيف تم هذا الاختراق الإيراني الإعلامي، يقول د. الدريس إنه تم بتجنيد كوادر إعلامية محترفة إيرانية متعربة أولا ثم تجنيد كوادر إعلامية عربية "متأيرنة" ثانيا.
أما العلاقة مع الشيطان الأكبر فقد انتقلت من العداء إلى حالة من العلاقة المحرمة السرية، بينما العرب غافلون، ويلخّص الدريس خطوات هذا الانتقال باستخدام ورقة الثورة مع فصائل التيار اليساري العالمي، وورقة الجمهورية مع تيار اليمين الغربي، وورقة الدولة المحافظة مع المتدينين والمحافظين في العالم العربي ومناطق آسيا، وورقة الحضارة الفارسية مع الكثير من المثقفين والأكاديميين، وورقة التشيع، حيث وُظّفت هذه الأوراق على يد كوادر وكفاءات إيرانية وغير إيرانية قادرة على التغلغل في مراكز صنع القرار والتأثير على الرأي العام.
واستطاعت إيران عبر الأوراق الخمس السابقة ثلم سكاكين الإعلام الغربي ضدها، ثم استبدلتها بملاعق استثمارية مغرية للغرب بدلا من شركائه العرب المضطربين!
وينبه الدريس إلى أن تعرية سمعة إيران وبيان حقيقتها البشعة مهمة وملحّة ومطلوبة، ولكنها لا تكفي لتحسين سمعتنا، وكأن المؤلف يشير لضرورة تطوير الواقع العربي، سياسيا واقتصاديا، وانتهاج مسلك الإصلاح الحقيقي حتى يحترمنا العالم لذاتنا.
ويختم المؤلف كتابه بإعادة تدوير السؤال المركزي: كيف نستطيع مقاومة عدو لم نحدد من هو؟ وما هو؟ ويقترح للحل انتهاج منهج خفي ومعلن، أما الخفي فهو سحب البساط من زعامتها الدينية المزعومة برفع راية الإسلام الشامل وليست الراية السنية مقابل الشيعية، ولا يشرح الكاتب مقصوده بطرح الإسلام الشامل، وهل الطرح الإسلامي الذي كان سائداً في العقود الماضية من جهات كالأزهر وجماعة الإخوان التي كانت توافق طرح إيران الديني بالوحدة الإسلامية والتقارب السني الشيعي هو المقصود؟ وهل كان هذا الطرح ناجحا؟ أم أن الحساسية أو ضغط الثقافة العلمانية التي عايشها في روسيا لأخذ الدكتوراه وفي جنيف للعمل في اليونسكو هي التي جعلته يلجأ لمثل هذا الطرح الفضفاض الذي لا تتبدى معالمه، بخلاف توصيفه الواضح والدقيق والمفصل لآليات إيران في العمل والاختراق!
أما الحل المعلن عنده فهو مجابهة إيران علانيةً وبوضوح، من دون استدعاء الصراع التاريخي العربي / الفارسي، أو السني / الشيعي، بل الصراع المباشر مع إيران، الدولة التي لم تتوقف طوال أربعين سنة عن استغلال كل الشعارات والوسائل للتغلغل والاختراق في الدول المجاورة، ولعل هذا التوصيف هو ما يمارسه الآن، وبشكل ذكي ومحترف، وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
ختاما؛ أعتقد أن هذا الكتاب خطوة صحيحة نحو تعامل ذكي وبنّاء مع إيران، وخروجا من دائرة الانخداع بشعارات إيران أو دائرة شتم وسبّ إيران، دون خطة عملية واقعية سياسيا وإعلاميا، وتوجد في الكتاب تفاصيل وهوامش نختلف معها أو نرفضها، لكن الفكرة العامة سليمة وصحيحة وتحتاج إلى تطوير وبِناء، وهذه هي مهمة الباحثين الجادّين، فقد استنزفتنا كثيرا الجهود المكررة والمجزوءة لمقاومة إيران والتشيع، والباب مفتوح، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
من هو عدوّنا في إيران؟
2017/04/01
الرابط المختصر
Image