"من يطع الرسول فقد أطاع الله"

الرابط المختصر
Image
"من يطع الرسول فقد أطاع الله"

بعد ظهور الصحوة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي قام الكثير من مراكز الدراسات في الشرق والغرب بدراسة تنامي حالة التدين الإسلامي في مواصلةٍ لجهود المستشرقين الفردية قديما بجهود جماعية حديثاً، وقد تسارعت وتيرة هذه الدراسات في السنوات الأخيرة، وانتقلت من مرحلة الفحص والفهم إلى مرحلة التعامل والتفاهم لتصل حالياً لمرحلة التصدي والمنع أو التبديل والتطويع لتتوافق مع الرؤى العلمانية والحداثية والمصالح الدولية، ويعدّ مركز راند ومعهد واشنطن في طليعة هذه المراكز الأميركية المعادية للإسلام نفسه وليس للصحوة والحركات الإسلامية والإسلام السياسي فحسب.
ومن ضمن نشاطات هذه المراكز دراسة صدرت عن مركز راند بعنوان "الإسلام الديمقراطي المدني" للدكتورة شيريل بينارد، وقد أعدّت الدراسة أثناء عملها بفرع راند بقطر سنة 2003م، وقد شكّكت في دراستها بصحة القرآن الكريم وسلامته، وأضافت للدراسة ملحقا حول السنة النبوية يطعن بصحتها ويقلل من دورها وينفي حجّيتها، ودعت لتجاوزها لصالح اجتهادات عصرية منفتحة!
والتقط طرف الخيط لمهاجمة السنة النبوية د. سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز "ابن خلدون" للدراسات الإنمائية في مصر، فقام بعقد ندوة بعنوان "الإسلام والإصلاح" في القاهرة في أكتوبر 2004م بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنجز الأمريكي ومركز دراسات الإسلام والديمقراطية ومنبر الحوار الإسلامي بلندن شارك فيها عشرون شخصا، من أبرزهم محمد شحرور، الذي قدم التوصية الأبرز بالاقتصار على المرجعية القرآنية ونبذ السنة النبوية!
وعاد مركز ابن خلدون لعقد ندوة ثانية من "الإسلام والإصلاح" في مايو 2006م بدعم من السفارة الكندية ضمّت 35 مشاركا، غالبيتهم من الشخصيات العلمانية من ألدّ خصوم الإسلام، مما يجعل من اجتماعهم بمثابة اجتماع لمختصين في الطب الشعبي لبحث سبل تطوير واقع التعليم العالي!!
وأما عن السبب من التركيز على مهاجمة السنة النبوية فهو لأن السنة النبوية هي بمثابة التفسير للقرآن الكريم كما هو الحال في بيان تفاصيل أركان الإيمان والإسلام وأحكام القرآن الكريم، فهل سنفهم كيفية الصلاة والصيام إذا استغنينا عن السنة النبوية؟؟
كما أنه إذا استبعدنا السنة النبوية فإن فراغات وتفاصيل كثيرة ستظهر في حياة المسلمين، في طعامهم وشرابهم ومعاملاتهم وسلوكهم وأخلاقهم، وهي التفاصيل والفراغات التي تحرص العلمانية على أن تنتشر فيها.
فالسنة النبوية، والتي هي جزء من الوحي الرباني، تقدم للمسلم والمسلمة تفاصيل واضحة بيّنة لا يمكن تأويلها بغير حق لصالح الأهواء والوساوس الشيطانية، كما أنها تقدم الشرح والتفسير العملي الكاشف لمعنى القرآن الكريم وبكل شفافية، ومن أجل قطع الطريق بين المسلم والمسلمة والقرآن الكريم يحرص باحثو المراكز الغربية وأتباعهم من أبناء جلدتنا على إقصاء السنة النبوية، من خلال رفع شعار الاقتصار على حجية القرآن الكريم وأنه هو الوحي فقط! مما يفتح الباب لتحريف معاني القرآن الكريم أولاً، ولاحقاً لإنكار حجية القرآن الكريم وكونه وحيا ربانيا باعتباره لا يقدم تفاصيل كافية!!
ومما يكشف خبث هؤلاء وعداوتهم للقرآن الكريم والسنة النبوية أن القرآن الكريم بذاته هو الذي يقرر مرجعية السنة النبوية وأنها من الوحي الرباني، كقوله تعالى: "من يُطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا" (النساء: 80)، فالقرآن الكريم ينصّ على أن طاعة الرسول (طاعة السنة النبوية) هي طاعة لله عز وجل، وهناك آيات عديدة تؤكد حجية السنة وكونها من الوحي الرباني الواجب الاتباع.
ولأن الله عز وجل يعلم أنه سيكون هناك من يرفض السنة النبوية في المستقبل فقد قال: "ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا" يقول الإمام ابن كثير: أي: لا عليك منه، إن عليك إلا البلاغ فمَن تبعك سعد ونجا، وكان لك من الأجر نظير ما حصل له، ومن تولى عنك خاب وخسر، وليس عليك من أمره شيء".
ومنكرو السنة النبوية أخبرنا رسول الله عنهم في حديثه: "يوشك أن يقعد الرجل متكئا على أريكته، يحدّث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله" رواه ابن ماجة وصحّحه الألباني، وهذا التطابق بين السنة النبوية والآيات القرآنية يدلّ على أنهما وحي رباني من مشكاة واحدة، ولذلك يستهدفهما الأعداء بالهجوم والطعن.
ويبدو أن توصيات هذه الندوات وما تلاها من ضرورة مهاجمة السنة النبوية وإقصائها عن حياة المسلمين دخلت في طور التنفيذ حيث نشاهد اليوم وبشكل مفضوح رموزا علمانية على شاشات الفضائيات تشوّه السنة النبوية وتشكك في حجيتها وصحتها ورواتها وخاصة صحيح البخاري، أو من خلال بث أحاديث موضوعة لا صحة لها لكنها تقدم مضامين علمانية وحداثية تتقاطع مع آرائهم ومصالحهم.
ومن جهود مهاجمة السنة النبوية أيضاً الحملة المحمومة التي يقوم بها أتباع بعض الاتجاهات الدينية ضد الشيخ الألباني وجهوده في علم الحديث ودوره البارز في نشر السنة الصحيحة وتحذيره من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وعلى الرغم من أنّ الألباني عالمٌ وبشرٌ كبقية العلماء يصيب ويخطئ، إلاّ أنّ العلماء من مختلف البلاد والاتجاهات شهدوا له، وحتى المنصفون من خصومه بعلمه وفضله، لكن أن يقوم البعض اليوم -بتحريض مباشر أو غير مباشر- بحملةِ هدمٍ للألباني ولجهوده كافة فهذا في الحقيقة هدم للسنة النبوية، ذلك أن غالب نتائج الألباني في الحكم على الأحاديث يوافقه عليها أكثر المختصين في علم الحديث المعاصرين مما يؤكد موضوعيته، وأن للهجوم عليه وهدمه أجندة خفية!!
فلنحرص على تعلّم القرآن الكريم الذي يرشدنا لتعلّم واتّباع السنة النبوية، ولنحذر من الدعوات والدعايات المغرضة ضد السنة النبوية وعلمائها، والتي تهدف لمحاربة الإسلام في الحقيقة، ولو رفعت شعار تعظيم القرآن الكريم، لأنهم يعصون القرآن الكريم الذي يقول: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" (الحشر: 7).