نعم من الأخطاء الشائعة أن ميراث المرأة نصف ميراث الرجل، وسبب هذا الخطأ الجهل وضعف الثقافة الشرعية من جهة، ومن جهة أخرى كثرة الإشاعات والاتهامات الباطلة تجاه الأحكام الشرعية التي يروجها كثير من اليساريين والعلمانيين رجالاً ونساء. وقضية الميراث تعد من القضايا النموذجية التي تكشف بوضوح تدليس اليساريين والعلمانيين وتلاعبهم تجاه أحكام الإسلام، كما أنها تؤكد حاجة البشرية وليس المسلمين فحسب للأحكام الربانية التي تقيم العدل وتمنع الظلم وتسعد الناس وتطمئنهم. قضية الميراث تتجاذبها ثلاثة أطراف هي: الأحكام الشرعية المختصة بالمواريث، والعادات والتقاليد الظالمة التي تقتفي أثر الجاهلية الأولى، والهجوم العلماني على أحكام المواريث. فالعلمانيون واليساريون يهاجمون أحكام الشريعة ويتهمونها بالظلم والتخلف، رغم أن الظلم الواقع على المرأة في قضايا الميراث هو بسبب عدم تطبيق الشريعة في المواريث وسيادة الأعراف الجاهلية مثل التي تحرم المرأة من حقها بحجة منع الغرباء ويقصد بهم الأنسباء من مشاركة الأبناء في الميراث، وهذا مبنى على عرف جاهلي لا يعترف بحق الملكية للمرأة أصلاً، وهذه الأعراف لا تزول في ظل الهيمنة العلمانية وخصوصاً اليسارية في مجالات الثقافة والإعلام!! وللأسف فإن هذه الأعراف الجاهلية لا تزال تسيطر على كثير من الناس، بل وحتى ممّن هداهم الله لعمارة المساجد بالصلاة وقراءة القرآن، إذ لا يزال يصعب على بعض النفوس إعطاء النساء حقوقهن الشرعية في الميراث، وذلك من حب الدنيا وتلبيس الشيطان عليهم. نعود لبيان حقيقة نصيب المرأة في الميراث بحسب الأحكام الشرعية، في البداية ننبه على أن الشريعة حددت المستحقين للتركة بـ 12 شخصا من الفروض - وهم أول من يستحق الإرث، ويحجبون من سواهم من العصبات عند وجودهم، وهم غالبا من النساء- كالتالي: 4 رجال هم: الزوج، الأب، الأخ لأم، والجد. و 8 من النساء هن: البنت، بنت الابن، الأخت الشقيقة، الأخت لأب، الأخت لأم، الزوجة، الأم، الجدة. وكون أصناف النساء ضعف أصناف الرجال من رحمة الله عز وجل بالنساء، حين نص على حقهن ليحفظه لهن، ولم يترك ذلك لرغبات الرجال أو عدلهم وظلمهم. أما نصيب المرأة في الميراث فهو بحسب وضعها في الأسرة، ومن أجمل من كتَب في هذا الموضوع الدكتور صلاح سلطان في كتابه "امتياز المرأة على الرجل في الميراث والنفقة"، حيث قسم حالات المرأة إلى أربعة أقسام هي: 1- حالات ترث المرأة فيها نصف الرجل، وهي 4 حالات: * الأخت مع وجود أخيها "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" (النساء،11). * الأم مع وجود الأب وليس للولد المتوفى أو البنت المتوفاة، زوج أو زوجة أو أبناء "فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث" (النساء،11). * وجود الأخت الشقيقة أو لأب مع الأخ الشقيق أو لأب "وإن كانوا إخوة رجالا ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين" ( النساء 176). * ترث الزوجة نصف مايرث زوجها إذا توفي أحدهما "ولكم نصـف ما تـرك أزواجكم إن لم يكـن لهـن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن مـن بعد وصية يوصين بها أو ديـن ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصـية توصون بها أو دين"( النساء،12). 2- حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل، وهي 8 حالات: * الأم مع الأب مع وجود ولد أو ابنتين فأكثر أو بنت أحياناً. * الإخوة لأم مع الأخوات لأم دائماً "وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث" (النساء 12). * الحالة المعروفة بالمسألة المشتركة، وهي وفاة إمرأة عن زوج وأم وإخوة وأخوات لأم وأخ شقيق، فترث الأخوات لأم مثل إخوتهم الأخ لأم والأخ الشقيق. * وارث وحيد رجل أو مرأة يأخذ التركة كلها. * تتساوى تركة الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق عند وفاة امرأة عن زوج وأخ أو أخت شقيقة مثلاً. * تتساوى في حالات تركة الأخت لأم مع الأخ الشقيق، مثل وفاة زوجة عن زوج وأم وأخت لأم وأخ شقيق. * تتساوى النساء والرجال فيمن لا يحجبون نهائياً من التركة وهم، الزوج والزوجة، الابن والبنت، الأب والأم. * مذهب أهل الرحم في ميراث ذوي الأرحام – عند عدم وجود أحد من الفروض أو العصبة بالنسب - هو تساوي الرجل والمرأة فيه. 3- حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل: لا بد من معرفة أن الشريعة جعلت الحالات المحددة من التركة للمرأة أكثر من حالات الرجل، فقد فرضت الشريعة للمرأة 17 نصيبا، بينما فرضت للرجل 6 فروض فحسب، كما يلى: * الثلثان هو أكبر نصيب نص عليه القرآن الكريم وهو من نصيب النساء فقط ولا حظَّ للرجال به!! * نصف التركة يناله من الرجال الزوج عند عدم وجود فرع وارث فقط وهو نادر، لكن النساء يرثن النصف في أربع حالات هي: البنت الواحدة، بنت الابن الواحدة، الأخت الشقيقة الواحدة، الأخت لأب الواحدة. * ثلث التركة تناله الأم عند عدم وجود فرع وارث أو عدم وجود أخوين فأكثر، أو الأخوات لأم اثنتان فأكثر إذا لم يوجد أصل ولا فرع وارث، وكذلك الإخوة لأم. * سدس التركة يأخذه 5 أصناف من النساء و 3 من الرجال. * الربع يناله الزوج والزوجة. *الثمن هو نصيب للزوجة فقط. وهذا عند تنزيله على حالات تقسيم التركة يجعل كثيرا من الحالات تأخذ فيها المرأة نصيبا أكبر من الرجل، ومثال ذلك لو توفي رجل عن زوجة وأم وأختين لأم وأخوين شقيقين وترك 48 ألف دينار، فيكون نصيب الزوجة 12 ألفا، ونصيب الأم 8 ألاف، ونصيب الأختين 16 ألفا، ونصيب الأخوين 12 ألفا. أي الأخت 8 آلاف والأخ 6 آلاف. ويصعب إيراد العديد من الأمثلة الأخرى في هذا المقال. 4- حالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها نظيرها من الرجال: * خاصة الجدة حيث ترث في كثير من الأحيان، بعكس الجد. * هناك عدة حالات في تقسيم التركة لا يحصل الرجل على نصيب، لكن لو كان امرأة لورث! وبعد هذه الاستقراء يتضح أن المرأة تحصل في أكثر من 30 حالة – بحسب دراسة د. صلاح سلطان- على نصيب مماثل أو يزيد عن الرجل، لكن الدعاية الباطلة تركز فقط على 4 حالات ترث فيها المرأة نصف نصيب الرجل. وهذا النصيب للرجل في هذه الحالات لكون الشريعة أوجبت عليه نفقة المرأة أماً وزوجةً وبنتاً، بخلاف ما يرحب به العلمانيون واليساريون اليوم من رفض الإنفاق على المرأة وإجبارها على التكفل بنفقاتها. فظلم المرأة في الميراث لا يقضي عليه سوى التزام أحكام الشريعة بعامة وأحكام المواريث بخاصة، والبعد عن عوائد الجاهلية بإعطاء النساء نصيبهن من الميراث كاملاً دون نقص أو غش أو خداع، فعن زيد بن ثابت: "من عمل الجاهلية أن يرث الرجال دون النساء". ويجب على العلماء والقضاة ووسائل الإعلام حث المواطنين وتوعيتهم بحقوق الله عز وجل التي أعطاها للمرأة، وأن نصيبها ليس نصف نصيب الرجل، ولكن قد تساويه بل قد تزيد عن نصيبه.
ميراث المرأة ليس نصف ميراث الرجل!!
2014/06/01
الرابط المختصر
Image