نحو ترشيد التيار الجهادي

الرابط المختصر
Image
نحو ترشيد التيار الجهادي

نجح نظام بشار الأسد وحليفته الكبرى إيران في تشويه صورة الثورة السورية اليوم عند الغرب وبعض الشعوب العربية، وذلك حين وصمها بأنها أعمال إجرامية تقوم بها جماعات وعصابات إرهابية متطرفة تنتمي لتنظيم القاعدة، والكل يعلم أن الثورة قامت وبقيت سلمية شهورا عديدة قبل أن تستخدم السلاح دفاعاً عن نفسها، أما القاعدة فلم تظهر إلا متأخرة جداً.
ولكن ساهمت بعض العمليات والحوادث التي قام بها تنظيم القاعدة أو جبهة النصرة أو تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش)، في إثارة المخاوف والفزع من مستقبل سوريا بعد زوال بشار ونظامه المجرم، وأصبح هاجس الساسة الغربيين والعرب والإعلاميين هو كيف نمنع القاعدة من السيطرة على سوريا بدلا من البحث عن: كيف نزيل بشار ونحرر الشعب السوري؟
والعجيب أن مشكلة القاعدة والتطرف والعنف في سوريا صنعها نظام الأسد نفسه والذي احتضن هذه المجموعات سنوات طويلة واستعملها في العراق ولبنان، ونحن لم ننسَ بعد شكاوى نوري المالكي -حليف بشار اليوم- من تسهيل سوريا ودعمها للإرهاب في العراق قبل الثورة السورية!!
وساهمت السياسة العربية والغربية المناصرة للثورة في تفاقم مشكلة القاعدة بتقاعسها عن نصرة الثورة السورية بحق، في حين هب حلفاء بشار من الإيرانيين واللبنانيين والعراقيين وقبلهم الروس والصينيين إلى مساندته بالرجال والعتاد والخبراء والمال والإعلام والسياسة!
واليوم أصبحت القاعدة وانشطاراتها في الشام من أهم الأدوات التي يعول عليها النظام المجرم في إفشال الثورة السورية من خلال إثارتها للنزاعات والصدامات الدموية مع بقية الفصائل في الثورة، مما يفتح جبهات جانبية بين الثوار بدلا من مواجهة النظام، فضلاً عن إثارة الشارع السوري ضد الثوار والإسلاميين بسبب تصرفاتها المستفزة كقتل بعض الشخصيات الإغاثية والاعتداء على الناس بغير حق، بدعوى مخالفتهم لأحكام الشريعة، وفتح معارك جانبية مع دول الجوار، كما حدث مؤخراً على الحدود التركية من قصف الجيش التركي لمواقع (داعش) رداً على سقوط بعض القذائف في الأراضي التركية، وأخيراً توقف الدعم عن الثورة بحجة الخوف من وصوله للمتطرفين والإرهابيين.
ومن هنا فإن كثيرا من فصائل الثورة السورية ومؤيديها أدانوا تصرفات القاعدة علناً، مما أسقط في يد النظام وحلفائه هذه الورقة التي يبرر بها جرائمه، وحافظ على سمعة الثورة والجهاد الصحيح ضد الطغيان والظلم والعدوان.
ولما كان كثير من الشباب في الأردن وخارج الأردن يهاجر إلى سوريا ليجاهد فيها، حتى بلغ العدد من الأردن بحسب بعض تصريحات التيار الجهادي قريبا من ألف شاب، وبعضهم قد قتل في المعارك مع جيش نظام الطغيان، كان من المهم توضيح بعض الحقائق والملاحظات على مسيرة هذا التيار، من أجل ترشيده وتصحيح مساره وحتى نتجنب كثيرا من النتائج السلبية:
1- الجهاد فريضة إسلامية لا تتوقف إلى قيام الساعة، وقد تحقق بالجهاد للأمة العزة والتمكين، لكن للجهاد شروطا وواجبات لابد من دراستها والتقيد بها، فهو ليس حرباً عبثية لا أخلاق لها أو آداب، حتى اضطر بعض قادة القاعدة وتيار الغلو للتنديد بما يقع من تجاوزات جسيمة باسم الجهاد في كثير من البلاد.
2- يظن كثير من الناس أن التيار الجهادي تيار موحد ومنظم ومتسق مع نفسه، وهذا غير صحيح، لا على صعيد الواقع ولا على صعيد الأفكار.
فمنذ الجهاد الأفغاني ضد الروس كان النزاع والتفرق والتقاتل بين الفصائل المجاهدة سبب كثير من هزائمهم، وبرغم محاولات العلامة ابن باز وغيره بالإصلاح والتوفيق بينهم إلا أنهم لم يتفقوا، بل لقد سعى ابن باز بينهم حتى فتح لهم باب الكعبة فدخلوا فيها وتعاهدوا على الاتحاد والتعاون ولكن نزغ الشيطان بينهم، حتى وصل الحال بهم للتقاتل، وها نحن اليوم نشاهد الفرقة والتقاتل بين أفراد التيار الجهادي في سوريا!
أما على صعيد الأفكار فهذه الخلاف فيها على أشده بينهم، فخلاف المقدسي والزرقاوى معروف، وخلافات أبو بصير الطرطوسي مع دولة الإسلام في العراق معروفه، وخلاف أبو مصعب السوري مع أبو قتادة معلن ومشهور.
ومن هنا فيجب التفريق بين القيادات والفصائل المتطرفة وبين القيادات والفصائل الأخرى والتي تحافظ على بوصلتها باتجاه العدو الحقيقي محل الإجماع، ولا تتورط في العدوان على منافسيها أو الصدام مع الجمهور الحاضن لها، ولا تتبنى نزعات تشدد وتطرف.
3- يتفق كثير من قادة هذا التيار على وجود الكثير من التجارب الفاشلة في مسيرته، وسببها الحماس والجهل وعدم التعلم من التجارب.
ويتنج عن ذلك مصائب كبيرة بحق المجتمع وبحق الدعوة الإسلامية وبحق هؤلاء الشباب أنفسهم، ولكن لأن الشباب تدفعهم العواطف الجياشة خاصة حين يرون قتل الضعفاء والبسطاء والنساء والأطفال، وتجيشهم الخطابات الحماسية، فإنهم لا يتوقفون للبحث في تاريخ هذا المسار وتجاربه ودروسه، بل يقدِمون على تكرار التجارب الفاشلة والوقوع في الأخطاء نفسها، مما يضيع طاقتهم وشبابهم في طرق مسدودة.
انظر مثالاً لقول المقدسي: "فهم لا يكلفون أنفسهم الجلوس في حِلَق العلم أو العكوف على كتبه إِذ ليس من أولوياتهم طلب العلم الشرعي أو التبصر بواقع المسلمين، ولم يستفيدوا من خبرات أو تجارب غيرهم ممن سبقوهم في هذه الطريق ويصرّون على اجترار الأخطاء نفسها التي وقع بها أقرانهم مع أن السعيد من وُعِظَ بغيره "، ويقول أبو مصعب السوري: "أثبت الواقع أن الأعداء قد اتكؤوا بإنشاء هذه الهوة بين المجاهدين وأنصارهم ومؤيديهم في صفوف الشعب والأمة على ثغرات منهجية حقيقية موجودة في فكر الصحوة عامة وكثير من دعاتها وعلمائها، والأوساط الجهادية خاصة، وعلى عينات منحرفة اختلطت بالجهاديين خاصة نتيجة تداعيات تاريخية معاصرة، فاستخدموا جهلهم وتطرفهم ونشاطاتهم الفكرية أو العملية لتثبيت وإلصاق تلك التهم".
وهنا أنصح من يريد من الشباب المتحمس معرفة المزيد عن خلاصات بعض التجارب في تاريخ هذا التيار بمطالعة كتاب جديد صدر في الأردن بعنوان (تنبيه العقلاء إلى اختلافات التكفيرية ومخالفتهم للنصوص واتفاق العلماء في التكفير وسفك الدماء) للشيخ غالب بن أحمد الساقي، وهو من الدعاة النابهين في ترشيد ظاهرة العنف والتطرف، وقد رصد فيه عددا من الصراعات الفكرية بين رموز هذا التيار حول قضايا كبرى، ليدلل للشباب المتحمس أن ما يردده من أحكام واتهامات قاسية وشديدة بحق العلماء والحكام والمجتمع، وما قد يبنى عليها من تصرفات ومواقف، ليست أحكاماً صائبة بل هي محل خلاف في داخل التيار الجهادي نفسه، فضلاً عن العلماء من خارج التيار.
كما أورد الساقي فيه عددا من الشهادات الشخصية لرموز الجهاديين عن الأخطاء والمصائب التي تحدث منهم ومن التنظيمات الجهادية، وللأسف فإن هذه الشهادات والتجارب لا تنتشر بين الشباب حتى يستفيد منها في الوقت المناسب وليس بعد فوات الأوان ووقع الفس في الرأس كما يقولون.
وعليه فإن الواجب على الشباب المتحمس أن يتروى قليلا ويدرس التجارب الماضية ويبدأ من حيث انتهى الآخرون، لا أن يعيد تكرار مسلسل الأخطاء والفشل. 
 4- التيار الجهادي هو جزء من مجتمعاتنا، وهو جزء إيجابي وفيه خير، ولكنه يفتقد للعلم والخبرة، ولا يجد توجيهاً سليماً، بل إنه لا يجد أمامه إلا الخيار الأمني أو التشجيع على الانحلال بحسب سياسات الثقافة والإعلام في عالمنا العربي، مما يجعله يتشبث بعاطفته وحماسته لنهاية الطريق المسدود!
ولا خلاص لنا إلا بفتح مسارات سليمة وسلمية لهؤلاء الشباب حتى يصرفوا فيها طاقتهم لما ينفع الإسلام فعلاً وينهض بالأمة حقيقة.