نصرة الأقصى شرف وبركة لا تدعوها تفوتكم

الرابط المختصر
Image
نصرة الأقصى شرف وبركة لا تدعوها تفوتكم

المسجد الأقصى أحد ثلاثة مساجد في الأرض يجوز السفر من أجل الصلاة فيه، لِما لهذه المساجد الثلاثة من البركة والتعظيم، وهي التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، ومسجد الأقصى"، متفق عليه.
وذلك أن المسجد الحرام هو أول مسجد وضع في الأرض، وهو قبلة الصلاة وموضع الحج، والمسجد النبوي أخبرنا الله عز وجل أنه أُسس على التقوى، والمسجد الأقصى هو ثاني مسجد بُني في الأرض وكان قبلة للأمم السابقة وبداية القبلة في الإسلام.
وقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم شرف وفضيلة الصلاة في هذه المساجد فقال: "صلاةٌ في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه"، رواه ابن ماجه، وصحّحه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن المسجد الأقصى: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولَنِعم المصلى، وليوشكن أن لا يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا -أو قال- خير من الدنيا وما فيها"، رواه الحاكم وصحّحه الألباني.
من هنا فإن نصرة هذه المساجد وتعظيمها ورعايتها هي قمة الشرف والبركة، وإن نصرة الأقصى للتخلص من الاحتلال الصهيوني هو من أعظم الواجبات على أمة الإسلام.
لمّا احتل الصليبيون الأقصى أرسل أحد الأسرى لصلاح الدين رسالة كتب فيها:
يا أيها الملك الذي               لِمعالم الصُّلبان نَكّس
جاءت إليك ظلامة              تسعى من البيت المُقَدَّس
كل المساجد طُهرت             وإنا على شرفي أُدنّس!
ويقال إنّ هذه الأبيات كانت سبباً في سرعة حسم صلاح الدين لاحتلال الصليبين للقدس، فخاض معركة حطين واستعاد بيت المقدس بعد مقتلة عظيمة، ودخل مسجد الصخرة وبدأ بتنظيفه من القاذورات فغسله بالماء وبماء الورد والمسك الفاخر وكذلك فعل بالمسجد الأقصى حيث كان الصليبيون حوّلوه إلى زريبة للخيل، وخطب الشيخ محيي الدين محمد بن زكي الدين علي القرشي أوّل خطبة بعد تحريره قال فيها:
"يا أيها الناس أبشِروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا، لِما يسّره الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأمة الضالة وردّها إلى مقرها من الإسلام بعد ابتذالها في أيدي المشركين قريباً من مائة عام، وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، وإماطة الشرك عن طرقه بعد أن امتد عليها رواقه، واستقر فيها رسمه، ورفع قواعده بالتوحيد، فإنه بُني عليه وشيد بنيانه بالتمجيد، فإنه أسس على التقوى من بين يديه ومن خلفه، فهو موطن أبيكم إبراهيم ومعراج نبيّكم عليه الصلاة والسلام، وقبلتكم التي كنتم تصلّون إليها في ابتداء الإسلام، وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء، ومدفن الرسل ومهبط الوحي، ومنزل ينزل به الأمر والنهي، وهو أرض المحشر وصعيد المنشر، وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه المبين، وهو المسجد الأقصى الذي صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملائكة المقربين، وهو البلد الذي بعث إليه عبده ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروحه عيسى الذي أكرمه برسالته وشرّفه بنبوته، ولم يزحزحه عن رتبة عبوديته".
واليوم في عصرنا تم احتلال القدس وفلسطين على يد الاحتلال البريطاني، والذي سلّمها لليهود حتى عادت القدس سليبة وفي يد الأعداء مرتهنة.
أسرّحُ طرْفي صوب مسرى نبيكم          فـأُلفيه في طوق من الجند مُحْكَمِ
تـروجُ  وتغدو الغانيات بصحنِه           وقد  كان قبل اليوم صعبَ التقحُّمِ
كـأنـي  بـأقـصاكم يبُث لربّه               شَـكاةً  تُذيب القلبَ من كل مسلمِ
يـئـن ويبكي تحت ظل حرابهم             ألا فـاجـمعوني بالحطيم وزمزمِ
ولن يعود المسجد الأقصى والقدس وفلسطين إلا بجهد وجهاد وعمل دائم بالليل والنهار، فلا تستصغروا أي جهد في هذا الباب، فتوعية الناس والأبناء والطلاب بقضية الأقصى والقدس وفلسطين وأنها جزء من عقيدة الإسلام أمر واجب ومطلوب من الجميع.
والعمل على دعم صمود المقدسيين والفلسطينيين على أرضهم بشتى الوسائل والأساليب من أفضل مجالات نصرة الأقصى وفلسطين، ورفض واستنكار محاولات شرعنة احتلال اليهود من الواجبات الدائمة، وعلى الساسة والإعلاميين والعلماء بذل كل ما يستطيعون للإعداد السليم والصحيح لإنهاء هذا العدوان والاحتلال واستعادة الحق ومحْق الظلم، وهذا هو ميدان الشرف الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يتسابقوا فيه ليحوزوا رضى الله عز وجل أولاً والثناء الجميل في الدنيا ثانياً.
ولنحذر جميعاً من محاولات خبيثة خفية تصدّ عن نصرة الأقصى والسعي في إبطال المشروع الصهيوني بدعوى أن هذا من قضاء الله وقَدره والواجب علينا الرضى به ومحبته!
وللأسف يروّج لهذا الخطاب (عمائم) لا زالوا لا يملكون جرأة التصريح به علناً، ولكنهم يمهّدون له سراً بتحريف بعض الآيات والأحاديث عن معناها الصحيح.
نعم القضاء والقدر من أركان الإيمان التي يجب على كل مسلم أن يؤمن بها، لكن الإيمان بالقضاء والقدر ليس اعتقادا سلبيا وتواكلا واستسلاما ورضى بالهزيمة والخذلان، كلا، ليس هذا هو مفهوم الإيمان بالقضاء والقدر.
لو كان هذا هو مفهوم الرضى بالقضاء والقدر فلِم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ولم يستسلم لقوة وبطش كفار قريش؟! لِم حَفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق لمواجهة وصدّ الأحزاب عن غزو المدينة ولم يستسلم لهم؟! ولِم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حتى الجرحى بالخروج في اليوم التالي لغزوة أحد لملاحقة كفار قريش؟
والأمثلة كثيرة، الرضى بالقضاء والقدر لا يعني الاستسلام للأعداء، لأنه بهذا الميزان يصبح صلاح الدين -البطل الهمام- جانيا معتديا ساخطا على قضاء الله وقدره! هل أدركتم خطورة هذا الطرح المضلل من بعض حملة (العمائم) والذين يسعون للصدارة وقيادة المسلمين باسم العلم والإسلام!!
الرضى بالقضاء والقدر يعني الرضى بما وقع ولا يمكن تعديله، وتعديل ما يمكن تعديله، فيوم أُحد رضى النبي صلى الله عليه وسلم بما حدث من خسارة، ولكن في اليوم التالي قام بملاحقة الأعداء ليبرهن لهم على أن الخسارة جزئية، ومن هنا فالإسلام يأمر بالعلاج والتطبّب من الأمراض بالأسباب الصحية والعلاجية مع الرضى بالقضاء والقدر، وكذلك في حالة وقوع زلزال أو تصادم أو خسارة تجارية يجمع الإسلام بين علاج التبعات بالأسباب الصحيحة مع الرضى بما قضى الله عز وجل وقدّر، وهذا سبب فعالية هذه الأمة عبر التاريخ.
لكن الفهم المنحرف للقضاء والقدر وتحويله لأداة استسلام وخنوع هو أكبر أسباب تخلف المسلمين عن قيادة العالم وتمكّن الأعداء من احتلال بلادهم، ولنا في نموذج الأمير عبد القادر الجزائري أكبر عبرة من خطورة هذا الفهم المنحرف.
لقد قاوم الأمير عبد القادر الجزائري المحتلين الفرنسيين للجزائر ولم يقبل بدعايات رؤساء الطرق الصوفية العميلة لفرنسا، التي تروج للرضى بالاحتلال وأنه مراد الله عز وجل حتى هُزم بعد 17 سنة، عندها تغير فكر الأمير وقبِل طرح ومفهوم هذه الطرق الصوفية العميلة، وأخذ يمجّد فرنسا ويمنع من مقاومتها! بل لما قام ابنه بجمع بعض القبائل لمحاربة فرنسا عارضه وتبرأ منه وخذل عنه القبائل حتى خسر! ولما هُزمت فرنسا سنة (1870م) حزن لذلك وتزين بنيشانها الأكبر، إظهاراً لصداقته لها!
لعل في هذا النموذج العجيب بيان للخطورة الكبيرة لانحراف مفهوم القضاء والقدر في مواقف الإنسان تجاه الحق والتخلي عن نصرته، كما أن فيه تفريطاً بالأوطان والمقدسات، فهذا المفهوم في مآله يعني تسليم القدس وفلسطين لليهود من جهة وشكر الله على هذه النعمة! واعتبار الأعداء اليهود والصهاينة المحتلين إخوة لنا نجتمع معهم في (وحدة الوجود)! وهو قبول واستسلام بمطامع اليمين اليهودي والصهيوني باعتبار الأردن هي فلسطين والوطن البديل! هذه هي حقيقة هذا الفكر المنحرف الذي تبثّه (عمائم) في بلادنا يُراد لها أن تقود الحالة الإسلامية في المستقبل القريب!
فاحذر أن تتورط بهذا الفكر المنحرف عن نصرة الأقصى ويفوتك الشرف الرفيع والبركة العالية.