أكتب هذا المقال من القاهرة ومن مدينة الإنتاج الإعلامي بالتحديد، حيث لمست مدى نفاق النخبة العلمانية في تبنى حقوق المرأة وقضاياها، فهذه النخبة إعلاميين ومثقفين وسياسيين يعملون بكل قوة على تأجيج المشاعر العامة ضد قوات الشرطة ووزارة الداخلية بسبب جريمة سحل المواطن صابر حمادة وتعريته من قبل بعض أفراد الشرطة أمام قصر الاتحادية في الإضطرابات المتكررة هناك.
ولكن العجيب أن هذه النخبة التي تؤجج هذه المشاعر العامة ضد السلطة السياسية خاصة ضد جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي المنتسب لها، لكنهم في نفس الوقت يتجاهلون جريمة أشد بشاعة وفظاعة وحجماً وتكراراً لكنها لا تخدم أجندتهم السياسية الإنتهازية، وهي جريمة التحرش والإغتصاب الجماعي والمنظم والمتكررة من قبل متظاهرين في ميادين التحرير باستخدام الأسلحة البيضاء ومن أعداد كبيرة وبشكل علنى أمام الناس، والتي بلغت بحسب بيان المجلس القومي للمرأة أكثر من 20 حالة في يومي 25-26/1/2013، وكانت الجريمة مقصودة ومتعمدة حتى أنها طالت إمرأة في الستين من عمرها !!
وهذه الجريمة البشعة لم تهتم النخبة العلمانية بكل أطيافها ومواقعها من التنديد بها والبحث عن المجرمين المتورطين بها ولا اهتمت إدانة القائمين بها وتحديد هويتهم برغم أنها تجرى بالترافق مع مظاهراتهم وفعالياتهم التي يدعون لها في ميدان التحرير !!
ولعل من أوقح ما صدر عن هذه النخبة العلمانية المنافقة والمتجارة بحقوق المرأة أن جبهة الإنقاذ المعارضة للرئيس د.محمد مرسي أصدرت بيان حملت الرئيس مرسى ووزير داخليته المسئولية السياسية والجنائية عن الإخفاق فى حماية هؤلاء المغتصبات من اعتداءات مليشيات العنف والبلطجة، وقال بيان الجبهة إن هذه الاعتداءات تأتي "بهدف قهر ارادة المرأة وإخماد صوتها (صوت الثورة) وانتهاك كرامتها وحقها فى التظاهر السلمى والتعبير عن الرأى" !!
وهذا البيان نموذج صارخ للنفاق السياسي الذي تمارسه هذه النخبة العلمانية، فهؤلاء الضحايا تعرضن للاغتصاب في فعالياتكم ومن قبل جيرانكم/ شركائكم في الاعتصامات والتظاهرات، وتم هذا تحت بصركم وسمعكم ولم تتدخلوا لمنعه وإيقافه وفضح المجرمين المتورطين به، وقد كانت "قوة العمل ضد التحرش" وهي مجموعات تطوعية تهدف للتصدي للتحرش قد أدانت في بيانها بخصوص هذه الجرائم المروعة قد أدانت موقف القوى الثورية والأحزاب والحركات الداعية للمسيرات والفعاليات السياسية، واتهمتها بأنها لم تؤد واجبها وتتحمل مسؤوليتها في تأمين الميدان ومحاولة حماية المشاركات في الثورة من مثل هذه الاعتداءات المتكررة.
ويتجلى هذا النفاق الإنتهازي بخصوص حقوق المرأة بين المقارنة للمواقف الباهتة لإدانة هذه الجريمة بحق اكثر من 20 من النساء بالموقف من جريمة سحل رجل وتعرية رجل واحد، ولكن الفارق بين الجريمتين أن المتورط بالجريمة الأكبر هو شركاء وجيران النخبة العلمانية بينما الجريمة الأقل تورط بها أفراد من قوات الشرطة، ولهذا نجد أن هذه النخبة العلمانية المنافقة شنت حملة إعلامية شعواء إبان حكم المجلس العسكري قبل نحو عام ضد قوات الشرطة أيضاً بسبب جريمة قيام أفراد من قوات الشرطة بسحل وتعرية فتاة في احدى مظاهرات ميدان التحرير، وكذلك موقفهم الصاخب تعرض بعض المعتصمات لكشف إجباري على عذريتهن من جانب الشرطة العسكرية.
ولذلك نجد برنامج "الحياة اليوم"-على قناة الحياة الفضائية- والذي أشعل الشارع المصري بتكرار عرض جريمة سحل صابر، لم يهتم بتبنى قضية ضحايا التحرش والإغتصاب الذي تعرضت له 20 من النساء في ميدان التحرير من قبل البلطجية المتظاهرين هناك، وبدلاً من ذلك قام بعرض مشهد جر فتاة من شعرها كانت في سيارة أمن مركزي على يد أحد قوات الأمن !! وهذا كله لأنه يصب في الجندة المغرضة للنخبة العلمانية التي رسبت وسقطت في الانتخابات المتعددة البرلمانية والرئاسية واستفتاء الدستور فتريد إسقاط العملية السياسية من خلال إلهاب الشارع بدلاً من الإستعداد للجولة الجديدة من الانتخابات البرلمانية، بتحريض الناس على الرئيس وتحميله كل جرائم وزارة الداخلية والتي لا تزال الدولة العميقة تتحكم بها، ولذلك لا يزال شرفاء الشرطة منبوذون منها، كما أن مرسي للآن لم يتمكن من تثبيت حق ضباط الشرطة بحرية تربية اللحية على غرار كثير من الدول في العالم.
وقد انتقد هذا النفاق الإنتهازي من النخبة الإعلامية العلمانية الكاتب الصحفي وائل قنديل في مقاله بجريدة "الشروق"، وقد نقل عن مديرة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، أن عمليات الاغتصاب تتم بطريقة ممنهجة.
وهذا النفاق الإنتهازي يكشف حقيقة مزاعم هذه النخبة من أن الدستور الجديد الذي أقر لا يضمن حقوق المرأة، بينما الواقع يقول أن المرأة لا كرامة لها ولا حقوق في مظاهرات وفعاليات هذه النخبة العلمانية، حيث يندر أن تخلوا فعالية لهم من حالات تحرش بالفتيات والنساء، بينما تغيب هذه الجريمة عن الفعاليات التي تدعوا لها الأحزاب والتجمعات الإسلامية.
والعجيب أن حملة لواء حقوق المرأة خرسوا هذه المرة ليس في مصر فقط بل في المنطقة العربية كلها، فلو قارنا المقالات والتحليلات والمدخلات التي قامت بها كتيبة النفاق العلماني بخصوص الاعتداء الطالبانى على احدى الفتيات قبل عدة أشهر لعرفنا حجم الإنتهازية المقيتة التي تتبناها هذه الكتيبة المنافقة، أو تعليقاتهم واستنكارهم لحادثة التحرش والاغتصاب الجماعى التي تعرضت لها فتاة هندية مؤخراً.
ورغم أن هذه الكتيبة المنافقة تشغل الرأي العام بقضايا التحرش وجرائم الشرف وختان النساء وزواج الفتيات ومؤخراً أثاروا الزواج من اللاجئات السوريات، فإنهم يتجاهلون الجرائم الحقيقية التي عانت منها النساء على يد حلفائهم.
فالاغتصاب المنظم من بلطجية التظاهرات العلمانية في مصر لا تستدعى التدخل والإعتراض، وكذلك الإغتصاب الممنهج من قبل شبيحة النظام السوري، وأيضاً اغتصاب السجينات العراقيات من قبل قوات وميلشيات الحكم الطائفي بالعراق بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي، او ما تتعرض له المسلمات في بورما من قبل الميلشيات البوذية والشيوعية هناك، كل هذا يلفت نظر هذه الكتيبة العلمانية المنافقة، وهذا الموقف المنافق والانتهازي يتماهي مع الجريمة البشعة التي تمت تحت سمع العالم وبصره ولم يقتص من الجناة فيها ولم يبحث عن حق الضحايا المسكينات ألا وهي جريمة اغتصاب عشرات الآلاف من البوسنيات المسلمات على يد القوات الصربية المجرمة، فتباً لهذه النخبة العلمانية في الداخل والخارج المنافقة والمتاجرة بحقوق النساء لمصالحهم وأهوائهم.
نفاق النخبة العلمانية تجاه حقوق المرأة
2014/08/01
الرابط المختصر
Image