هكذا سرق اليهود حائط البراق من المسجد الأقصى

الرابط المختصر
Image
هكذا سرق اليهود حائط البراق من المسجد الأقصى

الاحتلال اليهودي لفلسطين هو أصل البلاء والشر لما يعانيه الشعب الفلسطيني من ظلم واضطهاد، والاحتلال اليهودي كذلك هو أصل العدوان على الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة الإسلامية بتدنيس مقدساتهم في القدس والمسجد الأقصى.
لذلك لن تنتهي قضية فلسطين والأمة الإسلامية إلا حين يزول هذا الاحتلال البغيض والظالم بالكلية وليس عبر المسكنات والمهدئات، على غرار ما يهرف به نتنياهو اليوم من التهدئة في القدس، أو عبر تفاهمات ومفاوضات برعاية غربية تقوم على مساواة الضحية بالجلاد، ولا تلتزم بالعدل والحق، بل تلتزم فقط بالحرص على بقاء دولة الاحتلال وازدهارها على حساب أصحاب الحق والأرض والمقدسات.
إن هذا الوضع المائل والحال الجائر لن يدوما، ولابد من يوم يعود الحق فيه إلى أصحابه كما هي سنة الحياة، وقبل هذا هناك الوعد الرباني بعدم دوام أي احتلال للقدس والمسجد الأقصى، وأن بيت المقدس ستكون ساحة الانتصارات الإسلامية القادمة، وستشهد أحداثا جساما يقودها المهدي المنتظر، والمسيح عيسى عليه الصلاة والسلام.
إن ما يجري اليوم في القدس من محاولة اليهود بالاستيلاء على بعض ساحات المسجد الأقصى وفرض التقسيم الزماني والمكاني، ليس تصرفاً فردياً ولا حدثا عابرا، بل هو سياسة رسمية تتبناها دولة يهود بشكل مقصود وممنهج وعبر خطوات متدرجة من عدة سنوات.
وهذه السياسة تأسست عليها أحلامهم ودولتهم وصرح بها زعاماتهم من عقود طويلة، فهذا هيرتزل أبو المشروع الصهيوني يعلن نيته بهدم الأقصى بقوله: "إذا حصلنا على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها"، وأما بن غوريون أول رئيس لدولة الاحتلال فيقول: "لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل"، ويقول بيغن: "لقد ذهبتُ إلى لبنان –يقصد غزو لبنان- من أجل إحضار خشب الأرز لبناء الهيكل"، وحمامة السلام رابين قال: "لقد كنت أحلم دوماً أن أكون شريكاً في العودة إلى القدس وإعادة حائط المبكى للسيطرة اليهودية"، أما نتنياهو فقد أهدى رئيس الكنسية اليونانية مجسما للقدس من الفضة أزيل فيه المسجد الأقصى ووضع بدلاً منه الهيكل المزعوم!
فإزالة المسجد الأقصى غاية مشتركة لكل قادة اليهود -علمانييهم ومتدينيهم-، ومن هنا وجب تذكير الأجيال الشابة بغدر اليهود وخبثهم وعدوانهم الذي نتج عنه سرقة حائط البراق من المسجد الأقصى والذي كان بمثابة نقطة انطلاق لسرقة أجزاء أخرى من المسجد الأقصى بحجج وذرائع شتى.
حائط البراق أو الحائط الغربي هو جزء من السور الغربي للمسجد الأقصى يقع بين باب المغاربة والمدرسة التكنزية، طوله 47م وارتفاعه 18م، وسمي بحائط البراق لأنه يعتقد أنه مكان الحلقة التي ربط فيها النبي صلى الله عليه وسلم دابة البراق التي ركبها ليلة أسري به "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" (الإسراء: 1)، وبذلك تكون قدسية هذا الجدار مضاعفة لكونه جزءا من المسجد الأقصى المبارك في كل الديانات، ولأنه مكان له تعلق بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومنذ فتح بيت المقدس على يد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15هـ وحتى القرن العاشر الهجري لم يكن لليهود علاقة أو اهتمام بحائط البراق، بل كان بعض اليهود يتجمعون حتى عام (1519م) قريباً من السور الشرقي للمسجد الأقصى، قرب بوابة الرحمة، ولم يكن حائط البراق يشكل لهم شيئا.
في ذلك الزمن كان حائط البراق مجاورا تماماً لحارة المغاربة، ولا يفصله عنها إلا ممر/ زقاق ضيق وغير نافذ، وحارة المغاربة وبوابة المغاربة سميت بهذا لأن سكانها كانوا من أهل المغرب الذين شاركوا صلاح الدين الأيوبي فتح بيت المقدس، فقد طلب صلاح الدين من سلطان المغرب يعقوب المنصور المشاركة في قتال الصليبيين، فزوده بأسطول كبير، ففلسطين مسؤولية إسلامية منذ اللحظة الأولى، فجيوش الصحابة حاربت من أجلها، والفاروق جاء من المدينة ماشياً وراكباً لاستلام مفاتيحها، وصلاح الدين الكردي عاش من أجل تحريرها، وشعوب الإسلام شاركت في إنقاذها، واليوم كل المسلمين يفدونها بأرواحهم وينصرونها بدمائهم.
وبعد فتح بيت المقدس أسكنهم صلاح الدين بجوار حائط البراق، ومن ثم قام ولد صلاح الدين علي الملك الأفضل وأوقف على المغاربة أوقافا كثيرة لترسيخ بقائهم في القدس، ومن تلك الأوقاف زقاق حائط البراق، وكانت مساحة أوقافهم 45 ألف متر مربع، وكانت تضم 4 جوامع والمدرسة الأفضلية وعددا من الزوايا والتكايا بخلاف الدور والمنازل.
لكن بعد قيام محاكم الكنيسة الإرهابية في الأندلس والتي عرفت باسم محاكم التفتيش ضد المسلمين واليهود، هرب كثير من اليهود من تلك المجازر، ولما عرف العثمانيين بالتسامح والقبول بالآخر، فقد سمحوا لليهود الأندلسيين بالهجرة للدولة العثمانية ولكن منعوهم من السكن في فلسطين وخاصة القدس، وصدر فرمان من الدولة العثمانية سنة 924 هـ بمنع اليهود حتى من السكن في سيناء لأنها بوابة دخول لفلسطين.
في البداية طلب هؤلاء اليهود السماح لهم بزيارة بيت المقدس، وقامت طائفة المارانو اليهودية الأندلسية بتحويل مكان زيارة اليهود للحائط الغربي وخاصة عند حائط البراق وذلك سنة 1520م.
ثم في خطوة لاحقة طلبوا أن يسمح لهم بالتجمع عند حائط البراق، وفعلاً سمح السلطان سليم لليهود سنة 1566م بالتجمع عند حائط البراق، ثم بعد 60 سنة تقريباً أشارت بعض الكتابات لوجود صلوات يهودية هناك! فهكذا هم اليهود يبدؤون بطلبات صغيرة قد تبدو لا قيمة لها، وسرعان ما تصبح قضية كبيرة وسرعان ما يتجاوزون الحدود والاتفاقات!
أحست الدولة العثمانية مع دخولها في مرحلة الضعف بتجاوزات اليهود ومحاولتهم السكن في القدس وفلسطين، فأصدرت عدة فرمانات (قوانين) بمنع اليهود من السكن في القدس وفلسطين، ولكن اليهود كانوا لا يكفون عن مخالفة التعليمات.
وبدأ عدد اليهود يتزايد حتى بلغ 2000 يهودي في سنة 1800م، وتساهل معهم مسلمو القدس وسمحوا لهم بالمرور والوقوف عند زقاق حائط البراق.
وفي مرحلة حكم محمد علي باشا للقدس 1831 - 1840م قام اليهود بطلب التوسع في قيام عباداتهم المزعومة المخترعة والسماح لهم برفع الصوت، وهي عبادات لم تذكر في كتبهم قبل عام 1520م - ولذلك تعارض بعض الجماعات اليهودية مثل ناطورى كارتا هذه الصلوات عن حائط البراق وتقاطعها - وطلب اليهو أيضاً شراء الأراضي والعقارات القريبة من الحائط وتبليط الحائط! لكن الطلب رفض.
وكادوا -بضغط من أوروبا- أن يحصلوا على منحهم حق السكن وشراء الأراضي والتجارة في عموم فلسطين، ولولا زوال ملكه عن الشام لكان اليهود قد حققوا كثيرا من مخططاتهم مبكرا في فلسطين والقدس. وأيضاً استطاع اليهود التفاهم مع ولده إبراهيم باشا على دفع مبلغ (300) جنيه إنجليزي لناظر وقف المغاربة أبو مدين مقابل السماح لهم بالاقتراب من الحائط والبكاء عنده! وهكذا هم اليهود يطبقون سياسة الخطوة خطوة!
وبعد عودة حكم العثمانيين للقدس حاولوا منع بقاء اليهود فيها، ولكن كانت الدولة قد بلغت حدا كبيرا من الضعف، وكان محمد علي قد رسخ وجود القناصل الأوربيين في القدس، والذين أصبحوا يتلاعبون في قضية اليهود لمصالحهم الذاتية، فأصدرت الدولة فرمانا بالسماح لليهود بزيارة القدس لمدة ثلاثة شهور فقط، مع تسليم جوازهم اليهودي الأحمر –والذي أصبح لون الجواز الدبلوماسي عالميا- حتى تضبط زيارات اليهود، ولما تلاعب اليهود في بيان يهوديتهم، اشترطت الدولة العثمانية تحديد دين صاحب الجواز فيه حتى تمنع تسلل اليهود للقدس، ومن هنا تأتي خطورة المطالبات بشطب الديانة من الوثائق الرسمية لما تسببه من تسلل خطير للأعداء والمخالفين وتسهل مخالفة كثير من القوانين والأحكام الشرعية.
ولم ييأس اليهود من محاولة سرقة حائط البراق، ففي عام 1850م حاول أحد الحاخامات شراء حائط البراق نفسه! كما حاول البارون روتشيلد شراء حي المغاربة سنة 1887م، مما يكشف عن طبيعتهم المادية وعدم تقديرهم لمقدسات الآخرين، ويكشف عن عادتهم بتلاعبهم بمقدساتهم بيعاً ونهباً!
وفي زمن الاحتلال البريطاني حاولوا رشوة الحاج أمين الحسيني مفتي القدس بنصف مليون جنيه إسترليني، لكنه رفض وقام بإصلاح الجدار وترميمه، وكرروا الرشوة على الشيخ سعيد العلمي بمليون جنيه لكنه رفض أيضاً.
ولكنهم من خلال التفاهم السابق مع إبراهيم باشا وتواطؤ الاحتلال البريطاني، أصبحوا يتمادون في تصرفاتهم، فأصبحوا يحضرون كراسي للجلوس وينصبون ستائر ومظلات لهم، فاشتكى عليهم ناظر الوقف عند البريطانيين سنة 1911م، والذين أمروا بمنع اليهود من فعل ذلك، لكن اليهود بقوا يخرقون ذلك كل مدة.
ومع صدور وعد بلفور تمادى اليهود في تجاوزاتهم، حتى جاءت سنة 1928م حيث حاولوا أن يضعوا في ذلك الزقاق الضيق مصابيح وخزانة وحصرا وستائر، في مقدمة للاستيلاء على المكان، ومن ثم التوسع كما هي سياستهم لليوم في احتلال منازل المقدسيين في البلدة القديمة بالسرقة والغدر والخيانة.
فتداعى الفلسطينيون والعالم الإسلامي لعقد المؤتمر الإسلامي الأول في القدس سنة 1928م لمناقشة الوضع المتردي في فلسطين، ولكن الضعف كان أقوى من الفعل!
وفي عام 1929م أصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض الذي نصّ على ملكية المسلمين لحائط البراق من قديم ويبقى القديم على قدمه، لكنه أعطى اليهود حق المرور للحائط في كل وقت والقيام بعباداتهم المخترعة وحدد ما يحق لليهود جلبه من أدوات، ورفض اليهود في المؤتمر الصهيوني السادس عشر ذلك وأعلنوا عن نيتهم إعادة بناء الهيكل! وفعلاً قام اليهود بمظاهرات عنيفة وهم يحملون العلم اليهودي الذي وضعوه على حائط البراق وهم يهتفون "الحائط حائطنا".
وبعد سلسلة اعتداءات يهودية ومظاهرات عدوانية على المسلمين والأقصى، تفجرت ثورة البراق في 16/8/1929م، والتي استمرت أسبوعين كاملين وعمّت أرجاء فلسطين واستشهد فيها 116 من المسلمين وقتل من اليهود 132، وكعادة الغرب الغازي والمحتل قامت القوات البريطانية بحماية اليهود ومهاجمة المسلمين، وأصدرت مئات أحكام الإعدام بحقهم، بينما لم يصدر حكم الإعدام إلا على يهودي واحد قتل إمام مسجد وعائلته، ثم صدر عليه حكم مخفف بالسجن عدة سنوات، بينما نفذ حكم الإعدام بعدد من الأبطال من تلاميذ الشيخ المجاهد عز الدين القسام، وهم: فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير، والذين خلدت ذكرهم القصيدة الشهيرة التي مطلعها: مِن سجن عكا وطلعت جنازة.
وعقب هذه الثورة قامت حكومة بريطانيا بإرسال لجنة تحقيق قامت بعقد 23 جلسة استماع عرض فيها المسلمون 26 وثيقة، وخلصت اللجنة إلى أن حائط البراق والرصيف والزقاق هو من حق المسلمين، ورفعت توصية اللجنة إلى عصبة الأمم التي قامت في عام 1930م بالاعتراف أن حائط البراق رصيف يعود ملكيته للمسلمين فقط، ولكن اليهود لا يقيمون لهذه القرارات الدولية اعتبارا لأنهم يعتبرون أنفسهم فوق القوانين وهذا ديدنهم مع العديد من القرارات الدولية.
وحين سقطت القدس بيد اليهود في عام 1967م، قام بعض الضباط المظليين اليهود باقتحام حائط البراق مع حاخام ورفعوا العلم اليهودي عليه ونفخوا في بوقهم لأول مرة!
وبعد أربعة أيام من احتلال القدس جاءت جرافات اليهود وهدمت حارة المغاربة بالكامل وسوّته بالأرض، وأزالت ما فيه من منشآت تاريخية تعود لزمن صلاح الدين الأيوبي والتي تتكون من 34 منزلا و4 مساجد ومدرسة وكثيرا من الأوقاف وشردت أهل الحي وهم 135 أسرة، فهذه الساحة أمام حائط البراق التي نشاهدها اليوم هي في الحقيقة ساحة مسروقة من حارة المغاربة التي دمرها اليهود، ولذلك يجب أن يعلم العالم كله أن سياسات اليهود هي التي علمت داعش هدم الآثار وتشريد السكان وعدم احترام الآخرين والقرارات الدولية.
ولم تتوقف سرقة حائط البراق إلى هذا الحد، بل في عام 1984م قامت لجنة القانون والقضاء بالكنيست بسلب سلطة حائط البراق من دائرة الأوقاف الإسلامية. وفي عام 2006 افتتح اليهود على يسار حائط البراق مباشرة كنيسا يهوديا داخل المسجد الأقصى ويقع تحت المدرسة التنكزية التي استولوا عليها سنة 1969م، مما يكشف للمغلفين أن أطماع اليهود في المسجد الأقصى لا حد لها، وأنهم على استعداد لمواصلة السعي لهذه الغاية عقود طويلة باستخدام سياسة الخطوة خطوة والخداع والرشوة والبطش والقوة.