لقد عانت أمتنا كثيراً من أفكار وسلوك تنظيم القاعدة وأصدقائه والتي تقوم على الغلو في التكفير والإمعان في القتل والتفجير، ولقد بذل العلماء والدعاة الكثير من الجهد والوقت لتصحيح ومعالجة هذا الخلل عند الشباب المتحمس والذي ينساق خلف الشعارات البراقة والأفكار الثورية التي تدغدغ مشاعر البطولة والتضحية لديهم.
وعقب الثورات العربية والتي أطاحت بعدد من الأنظمة الطاغية في مدة محدودة وبتكاتف شعبي عام وبأقل قدر من الخسائر، سقط فكر القاعدة ومنهجها الصدامى في الشارع العربي والإسلامي.
وعقب الثورات العربية شاركت كثير من التيارات الإسلامية بمسيرة العمل السياسي كطريق للإصلاح والبناء ومحاربة حالة الفساد السياسي والاقتصادى، ورغم كل ما عانوه في عصور الكبت والاضطهاد وحملات التشويه الإعلامية الداخلية والخارجية إلا أن النتائج جاءت في صالحهم، مما أزعج كثيراً من المخالفين من بقايا العهود السابقة والمنافسين الليبراليين واليساريين.
ولمحاولة إفراغ هذا الفوز من مضمونه أصبحت (اللعبة الديمقراطية) لا قوانين ثابتة لها بل "كلما أبلوا بلاءً حسناً، أعيدت كتابة قواعد اللعبة لاستبعادهم" كما رصد ذلك د. عمرو حمزاوي – الفائز مؤخراً بمقعد في البرلمان المصري – في كتابه (الإسلاميون في البرلمانات العربية، بالإشتراك مع وناثان ج. براون، ص 74)، والذي أصدره في عام 2010.
والذي كتبه حمزاوى بصفته باحثاً في مركز كارنيغي، يعاد تطبيقه أيضاً في زمن الثورات العربية وكأن شيئاً لم يتغير، فبعد أن حسم الشعب المصري خياره في إجراء الانتخابات البرلمانية قبل كتابة الدستور وإقرار المادة الثانية المتعلقة بالشريعة الإسلامية حاول د. يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء إفراغ قرار أغلبية الشعب المصري عبر محاولة الالتفاف على المادة الثانية، والدعوة لمبادئ فوق دستورية، وحين فشل في محاولته قام وريثه في نيابة رئيس الوزراء د. علي السلمي بمواصلة المحاولة عبر فرض وثيقة إلزامية استباقاً لنتائج الانتخابات، وحين فشلت محاولته أيضاً، تم محاولة نزع صلاحيات مجلس النواب من قِبل المجلس العسكري عبر تصريحات لبعض أعضائه، مثل تصريح اللواء شاهين بعدم قدرة البرلمان المنتخب على تشكيل الحكومة القادمة وإنهاء حكومة الجنزورى، ومن ثم تصريح اللواء الملا بعدم صلاحية البرلمان لتشكيل لجنة وضع الدستور، وكان المجلس العسكري من قبل قد ماطل كثيراً في تحديد موعد تسليم السلطة للمدنيين، وبعد ضغط وإلحاح شعبي شديد أعلن عن تسليمه السلطة في منتصف سنة 2012.
كما أن تصريحات الملياردير نجيب ساويرس المتتابعة بتمني التدخل الأجنبي وانقلاب الجيش على الانتخابات دون محاسبة أو إنكار تدخل القلق في قلوب الكثيرين من حقيقة اللعبة الديمقراطية الجارية.
هذا السلوك السياسي من قبل النخب العلمانية (يحيى الجمل، علي السلمي، نجيب ساويرس) والمجلس العسكري يعد أفضل هدية لتنظيم وفكر القاعدة والذي يكاد يضمحل، فحقيقة هذه السياسات أن الديمقراطية ليس فيها مكان للإسلاميين مهما حاولوا التعاون والانفتاح على شركائهم في البلاد، وأن الإسلاميين لا مكان لهم في اللعبة السياسية مهما منحتهم الشعوب من غالبية وأصوات.
واللافت للنظر أن هذه السياسات لا تجد من ينكرها من الليبراليين واليساريين بقوة ووضوح فإن أقرت ولم يبطلها الإسلاميون مرت وأقرت وأقرت أعينهم، وإذا رفضها الإسلاميون قالوا رفضناها معكم!
ولذلك على هؤلاء الساسة أن يحددوا موقفهم: هل هم يرغبون بترسيخ منهج الإصلاح السياسي والتزام قواعد اللعبة الديمقراطية العادلة؟ أم البقاء في المنطقة الرمادية وتأجيج العواطف باتجاه تأييد فكر القاعدة الذي يحتكم للقنابل بدلاً من الانتخابات؟
ولذلك فالمُطالب اليوم بتوضيح مواقفه هو التيار العلماني بشقيه الليبرالي واليساري: هل تقبلون بنتائج الصناديق؟ وهل تقبلون بوصول إسلامي لكرسي الرئاسة؟ وهل ستحترمون إرادة الشعب وتكفون عن طلب التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية؟
الإجابات الواضحة والصريحة عن هذه الأسئلة هي التي ستنزع الفتيل من اشتعال موجة جديدة من فكر العنف والتكفير في بلادنا.
وإلا كان ما يتردد في أكثر من بلد من أن وجود تيار التطرف والعنف ضرورة سياسية لبقاء الحال على ما هو عليه حقيقة ثابتة على طريقة أطباء سجون جمال عبد الناصر الذين كانوا يعاينون المعتقلين لتقدير حجم التعذيب الإضافى الذي بوسعهم تحمله وكان شعارهم " قوت لا يموت " !! وهو ما يطبق اليوم من خلال إفراغ فوز الإسلاميين من محتواه عند كل مكسب يحققونه، لبث حالة عامة من الإحباط في صفوفهم وصرفهم عن خيار المشاركة السلمية وإشعال جذوة التطرف في نفوس بعضهم مما يعيد إنتاج حالة الفزاعة الإعلامية ويبدد مكتسبات الثورات العربية الحالمة بالإستقرار في ظل الكرامة والعدالة والإزدهار.
وهو الأمر الذي يتكرر في العراق وسوريا واليمن، فأصبحت شماعة القاعدة حاضرة دوماً كحجة لإستبعاد السنة في العراق من قبل المالكي باتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي – المرتد عند القاعدة بسبب مشاركته في الحكم – المطارد اليوم بتهم دعم الإرهاب !!
ويقتل الآلاف من الشعب السوري على يد نظام الأسد بحجة محاولة القضاء على عصابات مسلحة متشددة !! وتوظف لذلك تصريحات عمر بكري – الذي انقذه حزب الله من السجن قبل شهور – بإرسال انتحاريين من القاعدة لسوريا أوبيتزا مفخخة لمجلس الشعب السوري، والتي سرعان ما نفاها.
وفي اليمن لا تكاد تنتهى حكاية للقاعدة هناك حتى يتم ظهور أخرى في رسالة من النظام أو بقاياه لمن يهمهم الأمر أن القاعدة ستكون البديل عنه !!
وفي النهاية هل القاعدة أصبحت ضرورة لبقاء العلمانيين الذين لن تمنحهم صناديق الانتخاب الشرعية، والمستبدين الذين يأبون تجربة الإستفتاء الشعبي على بقائهم في المشهد ؟؟
هل وجود القاعدة ضروري للبعض ؟؟
2014/07/01
الرابط المختصر
Image