"وإن كان مكرُهم لتزول منه الجبال"

الرابط المختصر
Image
"وإن كان مكرُهم لتزول منه الجبال"

قال تعالى: "وقد مكروا مكرَهم وعند الله مكرُهم وإن كان مكرهم لِتزول منه الجبال" (إبراهيم: 46)، وقد ذكر المفسرون أنها تتعلق بقصة لأحد الطغاة، حيث جاء بنسرَين كبيرين أجاعهما أياماً، ثم ربط في أقدامهما تابوتا جلس فيه وصاحبٌ له ثم رفع بيده عصا على رأسها قطعة لحم، فطارا وارتفعا في الجو يلاحقان قطعة اللحم، فارتفعا حتى غابت عنهما رؤية الأرض والجبال، فهذا معنى (لتزول منه الجبال) أي تزول رؤية الجبال لارتفاعهما في الجو! ثم خفض العصا حتى هبطا على الأرض.
ومعنى الآية الإجمالي والذي هو المقصود الأعظم من الآية كما يقول العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره: "أي: ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق وبمن جاء به -من عِظمه- لتزول الجبال الراسيات بسببه عن أماكنها، أي: { مكروا مكرا كبارا } لا يقادر قدره ولكن الله رد كيدهم في نحورهم".
والمكر والكيد للمؤمنين من قبل الأعداء الكفار أمر ثابت ومستقر ومتكرر واجهته كل الرسل والأنبياء وأممهم "وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا" (الأنعام: 112).
وهذا المكر والكيد من الكفار للمؤمنين سببه الحقد والظلم والكره للإيمان بالله عز وجل، وليس لأن المؤمنين ظلموهم أو اعتدوا عليهم "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" (البروج: 8).
ومن صور المكر والكيد الكبار والذي تزول منه الجبال اليوم لأهل الإيمان والإسلام ما يسمى بصفقة القرن أو تسميتها الجديدة فرصة القرن! وهي في حقيقتها مكر وكيد للمؤمنين تريد منهم التخلي التام عن حقوقهم في أرض فلسطين دون مبرر، والتفريط بمقدساتهم الإسلامية دون حق.
فليس لأهل فلسطين ولا بقية المسلمين علاقة بجرائم هتلر النازي وهو الأوربي المسيحي، ولم يكن المسلمون عبر تاريخهم هم من اضطهد اليهود ونفذ فيهم المذابح الدموية أو حصرهم في "الجيتو" سواء في أوربا أو روسيا وغيرها من بلاد العالم، بل كانت بلاد الإسلام هي ملجأ اليهود من ظلم الأمم لهم، كما كانت بلاد الإسلام مهرباً لهم من عقوبات الأمم لهم على جرائمهم وطباعهم الخشنة.
وصفقة القرن الخاسرة تحوي في طياتها الكثير من المكائد والمكر، فواضعوها يزعمون أنها فرصة سلام أخيرة من طرف محايد، وهي في حقيقتها فرض أمر واقع على يد يهودي يتلحف بالعلم الأمريكي.
ويزعمون أنها ستجلب الازدهار للمنطقة عموماً والفلسطينيين خصوصاً، بينما ما يتكشف منها كل لحظة أنها تسعى لتوريط المنطقة والمعتدى عليهم من أهل فلسطين والعرب بتحمل قروض ربوية وتقديم هبات مالية دون أن يتحمل اليهود المعتدون أو الطرف الوسيط الأمريكي الزاعم أنه على الحياد أي مسؤولية!
ومن كيدهم عدم إلزام اليهود المعتدين بأي التزام سياسي، فلا يطالب اليهود بتطبيق ما قصروا فيه مما وقعوا عليه من معاهدات واتفاقيات سابقة، وأيضا رفض صفقة اليهودي كوشنير إلزام اليهود بالمبادرة العربية، ثم يدعي اليهودي أن هذه فرصة السلام للقرن!
لقد عرف تاريخ أمتنا الكثير من المكائد والمؤامرات ولكن غالبها مضى وانقضى وسار الحق في سبيله، نعم دفعت الأمة أثماناً غالية بسبب تلك المكائد والمؤامرات، وهكذا سيكون الحال هذه المرة.
من الأمور الإيجابية في مواجهة مؤامرة القرن أن هناك رفض عام لها بين شعوب الأمة الإسلامية، كما أن الدول والقادة في تصريحاتهم في اجتماع البحرين وقبله يرفضون تمرير هذه الصفقة والمؤامرة وفصلها عن المسار السياسي الذي يحفظ لأهل فلسطين حقوقهم، نعم قد لا تكون هناك قدرة على مقاومة الصفقة وإبطالها بشكل واضح وصريح بسبب الضعف الذي تعيشه أمتنا وبسبب ما تعانيه الأمة من تحديات وتهديدات التنظيمات والدول الإرهابية والطائفية مما عطل كثيرا من طاقاتها وبدّل كثيرا من أولوياتها. 
والعقل والمنطق يقولان إن تكامل الموقف الشعبي والرسمي هو الخطوة الصحيحة والمطلوبة الآن لإبطال مؤامرة القرن، بدلا من التراشق بالاتهامات الظالمة والمزاودات الفارغة والحملات الإعلامية الفاجرة، والتي لا تخدم إلا أنصار مؤامرة القرن من اليهود وأتباعهم العملاء في أمتنا، فهل نحكّم العقل والمنطق؟؟