"والذي أوحينا إليكَ من الكتاب هو الحق مصدّقاً لما بين يديه"

الرابط المختصر
Image
"والذي أوحينا إليكَ من الكتاب هو الحق مصدّقاً لما بين يديه"

في هذه المرحلة التي تتكاثف فيها حملات الهجوم والتشويه والتحريف للإسلام من جهات عدة لا بد من تكرار التواصي بالحق والصبر على ذلك للنجاة من الخسارة، لقوله سبحانه وتعالى: "والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" (العصر: 1-3).
وإذا كانت جهود تنصير المسلمين منذ القرون الماضية قد فشلت وبقي المسلمون مسلمين، واستبدلت بنشر العلمانية بمختلف توجهاتها اليسارية والماركسية والليبرالية وغيرها، والتي أيضاً فشلت في تحجيم قوة الإسلام، فتم تجربة بث فرق وطوائف منحلة بين المسلمين كالقاديانية/الأحمدية والبهائية والقرآنيين وغيرها، وأيضاً فشلت هذه المحاولة، ولجأوا إلى دعم بعض الجماعات والطرق التي تمت استمالتها لصالح أعداء الأمة كما حدث مع الطرقية في الجزائر والسودان وغيرهم، وخابت مساعيهم، فعاد الماركسيون والليبراليون لاحقاً لاعتماد سياسة تحريف الإسلام وتبديل مفاهيمه بدلاً من مصادمته ومحاربته، كما تكشف مجريات الواقع اليوم عبر المقالات والمحاضرات والمؤتمرات والفضائيات والجامعات.
ومن هذه المفاهيم المركزية التي يحاربها خصوم الإسلام -بمختلف مشاربهم- مفهوم قيام الإسلام وعقيدة التوحيد والشريعة الإسلامية على الحق المطلق، وأن ما يعارض ذلك هو الباطل بعينه، مهما تنوعت أشكاله وصوره، وقد تكرر بيان مفهوم ارتباط الإسلام والدين مع الحق في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والتي منها قوله جل وعلا: "والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه" (فاطر: 31)، وقوله تعالى: "ومَن يبْتغِ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" (آل عمران: 85)، وقوله تعالى: "فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه" (البقرة: 213).
ولذلك كان من أسماء الله عز وجل الحق كما في قوله تعالى: "ذلك بأن الله هو الحق" (الحج: 62)، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام لقيام الليل: "اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت قَيَّامُ السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت رب السماوات والأرض، ومن فيهن أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت، وأسررت وأعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت"، رواه مسلم.
وتتركز هذه المحاولات البائسة لتحريف هذا المفهوم القرآني بمزاعم من قبيل (نسبية الحقيقة، لا توجد حقيقة مطلقة، تعدد الحق) وهو مفهوم مركزي في الحضارة الغربية المادية، والرد على هذه المزاعم يمكن إجماله كما بيّن ذلك الأستاذ بسطامي سعيد في كتابه (مفهوم تجديد الدين) بقوله: "إذا كان المقصود أن الإنسان لا يصل إلى حقيقة، وكل ما عنده من حقائق لا يمكن القطع والجزم بها، ولا يمكن الاتفاق حولها، فأول ما يواجه هذا القول من نقد أن يُسأل: ما الدليل على أن هذا القول صادق؟ فإذا قُدمت الأدلة على صدقه وأثبتت أنه حقيقة، فهو اعتراف بأن لدينا على الأقل حقيقة نطمئن إليها، وهو اعتراف ينقض ما قُدمت الأدلة لإثباته، وإذا كان القول بأن الحقيقة نسبية أمر نسبي أيضاً ولا يمكن القطع والجزم به، فكيف يؤخذ به؟ ثم كيف يفسر من يقول إن الحقيقة نسبية ذلك القدر المشترك من الحقائق بين أفراد النوع البشري على اختلاف بيئاتهم وظروفهم وعصورهم ؟!".
من جهة أخرى هذا المفهوم بنسبية الحقيقية ينقض الإيمان والإسلام تماماً، لأن الشك بوجود الله عز وجل واستحقاقه للطاعة المطلقة أو الشك بنبوّة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أو الشك بأي خبر من أخبار القرآن الكريم أو الشك بأي جزء من مقتضيات الإيمان بالغيب هو عين الكفر ونقض الإيمان الذي يقوم على التصديق التام واليقين الجازم.
واليقين التام بأن الإسلام والقرآن وعقيدة التوحيد هي الحق الثابت ليست دعوى لا دليل عليها بل إن الأدلة عليها أكثر من أن تحصر، فمنها ثبوت مصداقية الوحي الرباني الخاتم والمتمثل بالقرآن الكريم، وهي الحقيقة التي أقر بها المختصون المنصفون من كل دين، ومنها تكامل عقائد وأحكام وأخبار الإسلام والقرآن مع الكون، ومنها اشتمال الإسلام والقرآن على كل فضيلة، وخلوهما من كل نقص، ويمكن أن نفصل ذلك بالنقاط التالية:
الإسلام والقرآن والسنة وعقيدة التوحيد تصرح بأن دين كل الرسل والأنبياء واحد، هو الإسلام، ولذلك يعتبر الإيمان بكل الرسل والأنبياء ركنا من أركان الإيمان.
وأحكام وعبادات الإسلام جاءت على أكْمل وجه إذ اجتمعت فيها مصالح البشر الدينية والدنيوية، بخلاف غيره، فحرم أكل كل مضر وأبيح كل نافع، واشتملت عباداته على منافع مالية وصحية واجتماعية للبشرية، وخلت كل أحكامه وعباداته من تعارض مع مصلحة للناس بخلاف غيره من الأديان، والتي فيها تضييع للأموال بتقديمها لغير الفقراء من الدجالين والنصابين، أو ترغب بعبادة وتناول ما يضر كمن يعبد الفئران ويقدس روث البقر أو يشرب الدم.
والإسلام والقرآن والسنة تدعو لمكارم الأخلاق كلها وتنهى عن الفواحش والمنكرات جميعاً ومع جميع الناس، بخلاف بعض الأديان الوضعية أو المحرفة والأفكار والفلسفات التي تبيح بعض الفواحش أو تقصر الأخلاق الفاضلة على منتسبيها.
والإسلام والقرآن والسنة تدعو لتكريم العقل ولا تناقضه أو تغلو فيه، بخلاف الأديان والفلسفات الأخرى التي تناقض العقل أو تزدريه أو تغلو به فوق حقه مما يدخلها في تناقضات داخلية، ومع بعضها البعض برغم زعمها أنها عقلانية!
والإسلام والقرآن والسنة جاءت بالعدل والحق في المعاملات والحقوق المالية والاجتماعية، فأباحت التجارة وحرمت الربا الذي أهلك البشرية، وفصّلت أحكام الميراث بالقسطاس، وهو الأمر الذي شهد له العقلاء من غير المسلمين.
والإسلام والقرآن والسنة لا تفرق بين البشر بحسب أجناسهم وترفض العنصرية والعصبية، وترفض العداء بين الذكر والأنثى كما هو حال الحضارة المعاصرة أو تفضيل جنس على آخر كما كان في الجاهلية الماضية.
والإسلام والقرآن والسنة تأمر بالعدل وحماية الضعفاء ونصرة المظلوم مع البشرية كلها، ولذلك شهد تاريخ الإسلام حمايته للمخالفين له من كل دين.
ختاماً؛ فإن التذكير بأن الإسلام هو الحق الثابت والتام من أوجب الواجبات في هذا الزمان، وإن تربية ناشئتنا على هذه الحقيقة القرآنية هي من أولى الأولويات لتحصينهم من محاولات تحريف الإسلام والإيمان التي لا حدود لها، ولكن بشّرنا ربنا سبحانه وتعالى فقال: "إن الذين كفروا يُنفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون" (الأنفال: 36).