"وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"

الرابط المختصر
Image
"وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"

تعرضت أمتنا الإسلامية منذ مطلع القرن 21 لعدوان بربري بحجة الرد على الإرهاب الذي قام بهجوم 11/9 في نيويورك، فهاجمت أمريكا أفغانستان والعراق وأسقطت حكم طالبان وصدام حسين، وشهدت الدولتان حالة من العدوان الوحشي والبربري الذي طال كل الشعب وليس الإرهابيين فقط، ولا حتى أعضاء السلطة الحاكمة، بل تم هدم الدولة ومؤسساتها وقتل آلاف الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال بدون مبرر أو ذنب جنوه، ثم تبع ذلك تسلل إيران للعراق خاصة وتحريض الميلشيات الشيعية ضد المواطنين السنة فساموهم سوء العذاب بحجة محاربة تنظيم القاعدة، وتعرض العراق لحالة بشعة من التطهير الطائفي الشيعي ضد السنة.
هذا الوضع من استهداف واستضعاف وانتهاك حقوق السنة في العراق ساهم في تصاعد روح التطرف والغضب عند كثير من شباب السنة في نتيجة متوقعة ومستهدفة غالبا بتحويل السنة لإرهابيين دوليين ليسهل القضاء عليهم بشكل مشروع أمام العالم والنظام الدولي من قبل الأمريكان والإيرانيين!
وفعلا تكونت داعش في سجون الأمريكان وشيعة العراق ثم تم إمدادهم بخريجي سجون بشار الأسد، وظهر لنا مارد داعش الذي انتسب للسنة، وجلب غضب العالم عليه وعلى الإسلام، ثم كانت ثمرة داعش هي تدمير مناطق السنة وقتل مجاهديهم وسلب سلاحهم وبعد ذلك تسليم مناطق السنة للحشد الشيعي في العراق أو الميلشيات والجيش السوري في سوريا! أما في العالم فتم تشويه صورة الإسلام وإشعال روح الغضب ضد الإسلام فشهدنا الكثير من الاعتداءات على المسلمين ومؤسساتهم ومساجدهم في الغرب بحجة رفض داعش!
ولا تزال القوى الطائفية بقيادة إيران تواصل إرهابها وطائفيتها ضد الأبرياء في سوريا وغيرها، وبرغم حالة الهدنة المنشودة في سوريا بقيادة الروس والأتراك إلاّ أنهم يواصلون عدوانهم على منطقة بردى والغوطة!
وبرغم كل العدوان الروسي والإيراني والطائفي على المسلمين فلم تنجح عمليات إرهاب داعش إلا ضد تركيا والسعودية والأردن والدول الأوروبية المتعاطفة مع الشعب السوري وثورته!
والآن يبدو أن أمتنا الإسلامية في الداخل تدلف لمرحلة جديدة من المكر والخداع أو الغفلة وسوء تقدير العواقب، قد تدخلها مرة أخرى في دوامة التيه والخلافات والصراعات الداخلية مما يعيق مسيرتها للتعافي من جراحها وأزماتها ويعرقل جهودها في الوصول لبر الأمان والاستقرار والازدهار.
فباسم محاربة التطرف والإرهاب نشهد حملة إعلامية مسعورة تهاجم الإسلام بذاته وتهاجم رموز الإسلام من الجهات الرسمية والشعبية، وتخوّن الجماعات والجمعيات والمؤسسات والشخصيات الإسلامية، وتتنوع وسائل هذه الحملة فتشمل المقالات والكاريكاتير وبرامج التوك شو والمسلسلات والأفلام والمقاطع القصيرة، وكل هذا باسم محاربة داعش والتطرف وجرائمهما الإرهابية.
والعجيب أن الذي يقف خلف هذه الحملة الشعواء هم محامو الشيطان دوما، كلما وقعت جريمة من جهات مشبوهة تجدهم يرفعون حجة أن هذه حالة فردية ولا يصلح التعميم! ويتحججون بحرية التعبير والحريات الشخصية! وحجة ضرورة القبول بالآخر! وحجة الحفاظ على التعددية والتعايش السلمي! ولكن كل هذه الحجج لا مكان لها إذا كان الخصم هو الإسلام أو المسلمون.
ويتوازى مع الحملة الإعلامية هجمة شرسة على المناهج التعليمية في العديد من الدول العربية والإسلامية بحجة أن هذه المناهج تفرخ الإرهاب والتطرف، في رجع صدى لدعوة الكاتب الأمريكي اليهودي توماس فريدمان سنة 2005 في صحيفة نيورك تايمز: "إن الحرب الحقيقية في المنطقة الإسلامية هي في المدارس، ولذلك يجب أن نفرغ بسرعة من الحملات العسكرية، لنعود مسلحين بالكتب لا بالدبابات لتكوين جيل إسلامي يقبل سياساتنا كما يحب شطائرنا".
واليوم يتحالف اليساريون الغلاة والليبراليون المتوحشون لتغيير المناهج والعبث بها بحجة محاربة الإرهاب والتطرف فيها، بينما هذه فرية لم تثبت علمياً؟
فتونس ذات المناهج العلمانية من أكثر الدول المصدرة للدواعش؟ ومن أوربا ذات المناهج العلمانية جاء عشرات الآلاف من الدواعش؟ ومن المفارقات في آخر عملية إرهابية لداعش في الرياض بالسعودية في 7/1/2017 كانت المواجهة بين الإرهابي الداعشي المبتعث للدراسة في نيوزلندا وبين الشرطي خريج المناهج السعودية والتي انتهت بقتل الداعشي النيوزلندى التعليم!
وإن بقاء حالة الإرهاب في مساحة هامشية وشاذة من مجتمعاتنا كما أكدت حالة الرفض الشعبي العامة في الأردن لإرهاب داعش في عملية الكرك يثبت زيف هذا الاتهام العلماني الداعشي للمناهج ولعموم الشعب أنهم يحتوون في داخلهم على داعشية!
وقد كشفت مطالبة علمانيي المغرب بشطب تعليم الدين الإسلامي من المناهج وتعليم العلمانية بدلا منها عن الغاية التي يريد هؤلاء الوصول إليها وهي حرب الإسلام نفسه، وهذا مقدار متفق عليه بين غلاة اليسار والليبراليين.
وإذا كانت الحملة الإعلامية والهجمة على المناهج تنفذ من خارج السلطة، فإن السلطات اتخذت بعض الإجراءات والقرارات التي تتقاطع مع هذا التوجه العدواني التعميمي تجاه الإسلام والمسلمين وليس داعش والمتطرفين.
فشهدنا تضييقات على خطب الجمعة تنوعت بين اعتماد خطب موحدة أسبوعية في الأردن، إلى وضع خطب جاهزة لخمس سنوات قادمة في مصر! وهذه القرارات هي بمثابة هدية لداعش بتوجيه جمهور المساجد لتلقي الخطبة من خارج المسجد، فالخطبة الموحدة لا روح لها ولا قيمة لها، وهل تمكنت داعش وأمثالها من اجتذاب الشباب لغلوها وتطرفها إلا بسبب ضعف وتقليدية الخطاب الديني الذي تم تأميمه أو السيطرة عليه من البيروقراطية الرسمية.
وبالأمس جاءت الأخبار من المغرب بمنع بيع ولبس النقاب، بعد أن فشلت محاولة منع النقاب في جامعة القاهرة وشهد الاعلام المصري مساجلات ضخمة حول النقاب، في حالة جديدة من التخبط ودفع المجتمع لحالة من الصراع  الداخلى بدلاً من التوحد ضد التطرف الداعشي.
إن جر المجتمعات الإسلامية لمواجهة ضخمة مع دواعش العلمانية واليسار والليبرالية هو تقريبا تكرار لتجربة إنتاج التطرف في العراق من خلال القمع والإرهاب الذي تم في السجون، لكنه الآن يتم تنفيذه على مستوى الشعوب بعامة، وكأنه نسخة منقحة من استراتيجية وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس "الفوضى الخلاقة" التي طرحتها عام 2005.
وهذا الاستفزاز يتم ضمن مساق ضاغط من الألم النفسي تجاه كوارث الأشقاء في بلاد متعددة وضغط الغضب من تواصل العدوان اليهودي ضد أهل القدس وعموم أهل فلسطين من حصار واغتيال وتهجير. وأيضا ضغط الأحوال الاقتصادية السيئة التي تسير نحو مزيد من السوء واعتماد سياسات جباية من جيوب الفقراء فقط، بينما يواصل الملأ التنعم بالثروات عبر منظومات الفساد والتي يتم تخدير الشارع وتنفيسه عبر بعض التسريبات والتضحية بصغار الفاسدين.
إن استفزاز المجتمعات الإسلامية في دينها وشعائرها ورموزها هي خطوة في غاية الخطورة والكارثية يجب التيقظ لها مبكراً من قبل السلطات حمايةً للأمن الوطني وصيانة للسلم المجتمعي، ويجب على العقلاء من غير الإسلاميين الوقوف بحزم ضد تهييج الشارع واستفزازه في ضرب مقدساته ومهاجمة عقيدته وعباداته، لأن الانفجار سيكون مدمرا للجميع ولن يكسب منه أحد.
وبالمقابل؛ على قادة العمل الإسلامي التيقظ والحذر لما يكاد للأمة الإسلامية، فإن حالة الصحوة الدينية -على ما فيها من ضعف وخلل- تزعج الأعداء، كما أن تحسن حالة الأمة الإسلامية على صعيد التعليم والتجارة والصحة والتقدم الذي وصلته الآن وهو أفضل بكثير من حالها أيام الاستعمار والاحتلال، أيضا يشكل تواصله خطرا للأعداء، ولنا في نهضة ماليزيا وتركيا الاقتصادية والتنمية نموذج على انزعاج الأعداء منها فتم استهداف اقتصاد ماليزيا سنة 1997 وحاليا يتم استهداف الاقتصاد التركي بضرب قيمة الليرة التركية.
ولذلك إن محاولة جر المجتمعات الإسلامية للعنف والتطرف والإرهاب عبر استهداف دينه وعقيدته تحتاج من عموم التيار الإسلامي إلى الوعي به وبخطره وأنه فخ تساق الأمة له لتدمر كل منجزاتها كما فعلت داعش في المناطق التي سيطرت عليها، حيث هدمت الجسور وفجرت محطات توليد الغاز والكهرباء ولم تبقِ مدرسة ولا مسجدا إلا جعلته هدفا للقصف!
يجب على قادة العمل الإسلامي محاربة التطرف والغلو الذي تنادي به جماعات التطرف كداعش والقاعدة وغيرها لأنه دفاع عن الإسلام نفسه ورفض لتحريفه وتزويره وتشويهه وجعله دينا تكفيريا وتدميريا بدلا من حقيقته أنه دين الرحمة والسلام وعقاب الظالم المعتدي وليس التفجير الأعمى المنفلت.
ولذلك على قادة العمل الإسلامي اليوم التنبه لأولوية محاربة فكر وخطاب العنف والتطرف والذي يحظى بمعاملة تفضيلية عبر بقائه حياً قويا على شبكة الإنترنت في العالم!
وعلى قادة العمل الإسلامي "التواصي بالحق" وهو القرآن الكريم وما أرشد له من عقيدة وشريعة والدعوة إليه بين الناس والرد على المعتدين عليه من الجهلاء والعملاء سواء كانوا من دواعش الغلاة في الدين أو في العلمانية.
ويجب على قادة العمل الإسلامي تكثيف جهودهم الدعوية والتوعوية والثقافية لتكون هي المبادرة لتفنيد شبهات دواعش البندقية أو القلم و"الكرفتة" وطرح الخطاب الإسلامي الحقيقي والصحيح الذي تنتظره البشرية المعذبة والقلقة اليوم.
ويجب على قادة العمل الإسلامي المسارعة لتوعية أنصارهم وأتباعهم بهذه الخديعة التي يساقون لها عبر إقصائهم من الإعلام والسياسة وأجهزة الدولة وأن المقصود إغضابهم وإفقادهم اتزانهم وجرهم للتطرف والتكفير ومن ثم التفجير، ليصبح ذبحهم مشروعاً ومطلبا وطنياً.
ويجب على قادة العمل الإسلامي "التواصي بالصبر" فإننا غالبا ندخل لمرحلة فيها ظلم وإجحاف، فعلينا بالصبر على مرارة الحق الذي نؤمن به ولو ظلمنا أهلنا وإخواننا من المخدوعين بدعايات حرب الإرهاب.
ويجب على قادة العمل الإسلامي ترسيخ منهج السلمية والصبر على الأذى بين أتباعهم وعموم الناس، وتهيئة الجموع والشارع لهذه المرحلة، حتى ننصر ديننا ونحافظ على مقدرات أمتنا ولو تعرضنا لخسارة ما في أيدينا.
ويجب على قادة العمل الإسلامي البحث عن مسارات جديدة لإيصال الحق للعقلاء في السلطة والنخبة، وبيان خطأ وخطورة هذا النهج في معاداة الدين والمتدينين، والصبر على تكرار هذه المحاولات، مع تجنب الأخطاء التي وقع فيها العمل الإسلامي في المرحلة السابقة في علاقاته مع السلطات والنخب.
ويجب على قادة العمل الإسلامي التركيز على ابتكار واعتماد أساليب سليمة جديدة في بيان مواقفهم ورفضهم للعدوان على دينهم وأوطانهم بما يجنبهم الصدام أو تنامي حالات الغلو والتطرف.
إن شعار المرحلة القادمة لعله أن يكون "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، وإلا نجح دواعش الكرفتة بجر أمتنا لفخ الغلو والتطرف فندمر بأيدينا ما أنجزناه طيلة العقود الماضية، ونشرعن العدوان الدولي على ما تبقى من قوة أمتنا.
ولنكن على يقين أن هذه مرحلة وستمضي كما مضت من قبلها أزمات وتحديات ولكن الانتصار الحقيقي فيها هو الثبات على الحق مهما اشتدت الكربة والصبر على الألم مهما تصاعد، والحفاظ على مكتسبات أمتنا من الصحوة الإسلامية والعمرانية والاقتصادية، حتى نواصل المسير بعد انقشاع الغمّة من حيث وصلنا، لا من نقطة الصفر الذي يراد أن يوصلونا إليها.