وحدة المسلمين في العودة للكتاب والسنة

الرابط المختصر
Image
وحدة المسلمين في العودة للكتاب والسنة

شهدت أمتنا مرحلة انحطاط وتخلف شملت أغلب مناحي الحياة ولا نزال نعيش تبعاتها، ومن جوانب هذا الانحطاط التنازع في الدين، بل في عمود الإسلام: الصلاة، فصارت الصلاة التي من غاياتها توحيد المسلمين في صف واحد لا يفرق بينهم منصب أو غنى أو قوة أو جمال، أصبحت الصلاة تكرس تفريق صف المسلمين!! وتحت دعوى نصرة الدين!!
حدث ذلك حين تنكّب المسلمون عن طريق الحق المتمثل بالتمسك بالوحي الرباني المعصوم بالكتاب والسنة الصحيحة وتعصبوا بدلاً من ذلك لأقوال الفقهاء والعلماء غير المعصومين، ومن ثم تلاعب الشيطان والهوى بهم حتى تعصبوا لزلات العلماء وهفواتهم!!
يروى الشيخ علي الطنطاوي في ذكرياته ما شاهده في صباه عن تفرق المصلين في صلاتهم في المسجد الواحد فيقول: "أما التراويح في الأموي فكانت ونحن صغار عجباً من العجب: أربعة أئمة من أتباع المذاهب الأربعة يصلون في وقت واحد، ووراء كل إمام مبلغ من أصحاب الحناجر القوية والأصوات الندية، فتختلط أصواتهم، فيسمع المقتدي بتكبيرة الانتقال من غير إمامه فيسجد وإمامه لا يزال، حتى جاء مدير الأوقاف نسيت الآن اسمه، ولكن الله لا ينسى له فعله، فوحد الجماعات، وجعل الإمامة كل ليلة لإمام، وهذا الذي لا يرضى غيره الإسلام.
وأنت إذا دخلت الأموي من بابه الشرقي، وهو أقدم الأبواب، وجدت المحراب المالكي، وهو المحراب الأصلي للمسجد، وكان يسمى محراب الصحابة، .... وفي سنة 617هـ نصب محراب الحنابلة في الرواق الثالث الغربي، ... ثم رفع في حدود سنة 730هـ وعوضوا عنه بالمحراب الغربي، جنب باب الزيادة، وهو الباقي إلى اليوم، أما محراب الشافعية فأقيم سنة 728 بأمر تنكز باني المسجد المعروف في دمشق.
فصارت المحاريب أربعة: محراب الخطيب وهو الكبير وإلى جنبه المنبر وهو للحنفية، ومحراب الشافعية وهو الذي يليه من جهة الغرب، ومحراب المالكية وهو في أقصى الشرق من جدار القبلة، ومحراب الحنابلة وهو في أقصى الغرب.
وكانوا قبل سنة 694 يصلون الفروض الخمسة في وقت واحد، ثم رسم للحنابلة أن يصلوا قبل الإمام الكبير، وفي سنة 819 انتقل الإمام الأول إلى محراب الشافيعة، ثم استقرت الحال على أن أول من يصلي إمام الكلاسة وهي مدرسة شمالي الأموي، ... والوضع اليوم على أن يصلي إمام الشافعية أولاً ثم الحنفي ثم المالكي ثم الحنبلي، ... وهذا كله مخالف للسنة، ومفرق للجماعة، ومن المحدثات في الإسلام، والصحيح أن المساجد التي لها إمام راتب لا يجوز أن تتكرر فيها الجماعات، وهذا مذهب الحنفية".
وليس هذا حال المسجد الأموي فقط بل إن هذا الحال من التنازع بين المسلمين من أتباع المذاهب وصل للحرم المكي، فقد كان يؤم المسلمين في المسجد الحرام قبل العهد السعودي أربعة أئمة يمثل كل واحد منهم مذهبا من المذاهب الفقهية الأربعة وهم إمام الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة. وكان لكل واحد من الأئمة مقام يصلي فيه، وقد وصف ابن جبير ما شاهده هناك للمصلين نتيجة تعدد الأئمة، من اضطراب صلاة بعض المصلين بسبب السهو والغفلة لاجتماع التكبير فيها من كل جهة فربما ركع المالكي بركوع الشافعي أو الحنفي، أو سلّم أحدهم بغير سلام إمامه وقد استمرت هذا الحال إلى سنة 1343هـ حينما أبطلها الملك عبد العزيز وأمر باجتماع الناس في صلاة الجماعة على إمام واحد.
وكل مسلم صادق مهما كان مذهبه حين يشارك أو يشاهد اليوم وحدة المصلين في الحرم يحس بعظمة وخشوع ورهبة وإجلال لا مثيل له، من تجمع هذه الملايين المتنوعة الألوان واللغات والأجناس خلف إمام واحد دون طمع في مال أو منصب أو خوف من تهديد وعقاب، بل إن هذا المنظر العظيم لهيئة المصلين في الحرم كانت سببا في إسلام كثير من غير المسلمين لأنهم رأوا فيه تجسيدا لقيم يتوقون لها من المساواة والتعايش والاندماج دون مطامع مادية أو مكاسب شخصية.
لم يكن من الممكن حدوث هذه الوحدة والاجتماع على إمام واحد في الصلاة لولا جهود كثير من المصلحين الصادقين من العلماء والمسؤلين المخلصين لأمتهم، فقد عملوا على حرب المفاهيم الدخيلة على الإسلام من التعصب لاجتهاد الأئمة المخالف للكتاب والسنة– وهم مأجورين أجر واحد - ، أو جعل العلم والاجتهاد محصوراً بالأئمة الأربعة فقط، أو التعصب الأعمى للمذهب الذي يعطل عقل المقلد، والدعوة لنبذ الخرافات والبدع الدخيلة.
وقام هؤلاء المصلحون بإحياء مفاهيم الإسلام الحقيقية من التمسك بالوحي الرباني وهو الكتاب والسنة الصحيحة وإتباع اجتهادات الأئمة الموافقة للوحي والاجتهاد في حوادث العصر واحترام المذاهب وأئمتها دون تقديسهم أو معاداة أتباع المذاهب الأخرى.
ولا نزال لليوم ننعم بأثر هذه الجهود الإصلاحية التي أفرزت الدعوة للفقه المقارن و البحث عن مقاصد الشريعة والحث على الاجتهاد في نوازل العصر الحاضر، وحررت المسلمين من كثير من العادات والمألوفات غير الشرعية.
إن جهود هؤلاء العلماء المصلحين في دعوة أتباع المذاهب للتخلص من عصبياتهم الضيقة والاستسلام لأوامر القرآن والسنة الصحيحة هي التي أفلحت في توحيد مذاهب المسلمين الفقهية على عمود الإسلام الصلاة، وهذا المنهج منهج العودة للقرآن والسنة هو الذي سينجح في توحيد كلمة المسلمين في قضاياهم الخلافية الأخرى إذا صدقوا في الانقياد للكتاب والسنة الصحيحة.