إن العلاقة بين الإنسان عموما، والمؤمن خصوصا، والشيطان علاقة عداوة، فالشيطان منذ اللحظة الأولى لخلق الله عز وجل للإنسان عاداه وحسَده وحقد عليه لما رأى تكريم الله له بخلقه بيديه ونفخ الروح فيه وأمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام.
فأبى الشيطان السجود لآدم وعصى أمر الله عز وجل، فطرده الله عز وجل من الجنة، فزاد حقده وحسده على آدم وبنيه، قال تعالى: "إذ قال ربك للملائكة إنّي خالقٌ بشراً من طين * فإذا سويتُه ونفخت فيه من روحي فقَعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجدَ لما خلقتُ بيدي أستكبرتَ أم كنتَ من العالين *قال أنا خيرٌ منه خلقتَني من نار وخلقتَه من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم *وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظَرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبِعزّتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحقُّ والحقَّ أقول * لأملأنّ جهنم منك وممّن تبعك منهم أجمعين" (سورة ص: 71-85).
وبسبب هذه العداوة من الشيطان لآدم وبنيه سعى خلفه ووسوس له بمخالفة أمر الله عز وجل حتى أخرجه من الجنة، قال تعالى: "فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" (الأعراف: 20-21). ومن ثم كانت نتيجة معصية آدم للرحمن واتباع وسوسة الشيطان "قال اهبطوا بعضُكم لبعضٍ عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين" (الأعراف: 24).
ومن مكر الشيطان وخبثه في العداوة للإنسان أنه يتدرج وينوع وسوسته ومكره، ولذلك حذرنا الله تعالى في القرآن الكريم من كيد الشيطان ومكره في أربع آيات، فقال تعالى:
"ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" (البقرة: 168).
"يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" (البقرة: 208).
"كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" (الأنعام: 142).
"يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر" (النور: 21).
ففي الآيتين الأولى والثالثة نجد أن التحذير الإلهى جاء في سياق ذكر الطعام، وللشيطان في وسوسته حول الطعام خطوات متدرجة ومتنوعة، فقد يزين للبعض الإكثار منه ليشغلهم به عن أداء الطاعات مِن الصلوات وغيرها، أو يزيّن لهم أصنافا محرمة منها، كما نشاهد اليوم من انتشار التدخين والأرجيلة وما يرتبط بهما لاحقا من الخمر والمخدرات، فقد ثبت بالدراسات العلمية والأمنية أن التدخين خطوة لازمة لمن وصل للمخدرات والخمر!
ومن خطوات الشيطان حول شهوة الطعام تسهيل سبل اكتساب المال الحرام للحصول على الطعام الراقي بنوعه أو مكانه، فكم كان السعي للعيش الرغيد في الفنادق والمطاعم والمتنزهات، أو العكس بالخوف من الفقر والجوع، سببا لقبول الرشوة والغش والسرقة وخيانة الأمانة وأكل الربا بالقروض أو البطاقات المصرفية!
كما أن مِن خطوات الشيطان حول الطعام تحريم بعض الحلال بحجة الورع والزهد، وهو في الحقيقة اعتراض على حكم الله ورحمته للعباد "قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" (الأعراف: 32).
المهم أن خطوات الشيطان تتنوع وتتعدد وتتعاظم وتبدأ بمعاصٍ صغيرة ثم تكبر لتصل للكبائر والشرك أحياناً، ومن هنا جاء النهي عن أصل اتباع خطوات الشيطان من البداية، والوقاية خير من العلاج كما هو مقرر عند العقلاء.
وفي الآية الثانية جاء النهي عن اتباع خطوات الشيطان في سياق الأمر باتّباع كافة شرائع الإسلام، وتجنب وساوس الشيطان حولها، فمثلاً الحجاب تتنوع خطوات الشيطان حوله من تزيين التبرج والتهتك، إلى إنكار فرضية الحجاب، إلى تزوير وتزييف الحجاب بصور متعددة: فمرة يحرف مفهوم الحجاب أنه تغطية الشعر فقط فنجد كثيرا من الشابات يغطين شعورهن لكنهن يظهرن كل مفاتنهن باللباس الضيق والملفت والعطر والمكياج! أو تجد الواحدة منهن متجلببة أو تلبس عباءة لكنها ضيقة وقصيرة ومزينة لا تحجب الفتنة عنها وبها! أو ما تجده بين الموظفين والموظفات من كسر للحواجز بالمزح والضحك والأكل المشترك مع الحجاب المزيف أمام جموع المراجعين أو في المكاتب المغلقة، وباتباع خطوات الشيطان فقدَ الحجاب حقيقته أو شروطه أو كماله عند كثير من المسلمات، بل حتى لدى بعض الملتزمات في مراكز تحفيظ القرآن الكريم.
وفي الآية الرابعة جاء النهي عن اتباع خطوات الشيطان في سياق ذم الفواحش، إذ لا يكتفي الشيطان من المسلم والمسلمة ارتكاب الفواحش، بل يحثهما على الاستزادة منها ويحثهما على ما بعدها، وهذا واضح في حال كثير من الشباب والشابات حين يسير في طريق الشيطان فتجد أنه قد يقع في معصية وانحراف، وبعد مدة تجد ذلك تمددا لمعصية وانحراف أكبر، وهكذا حتى يصل / وتصل لمرحلة ترك الصلاة والحجاب والسير نحو انحراف أكبر، وهكذا.
من هنا كان الأمر الرباني بالحذر من خطوات الشيطان والتنبه لمآل هذه الخطوات البسيطة وأنها قد تصل بصاحبها للكفر والشرك وارتكاب الكبائر ودخول نار جهنم وهو يظن أن الأمر بسيط، ولو استعرض كلٌ منا ما يعرفه من حالات الانحراف أو الإدمان سيجد أن ذلك بدأ بخطوة صغيرة هنا أو هناك، لكنها دمرت مستقبل شاب -أو شابة- فضاعت دراسته وساءت أخلاقه وتضررت أسرته الكبيرة أو الصغيرة، فقد يفقد زوجته وأبناءه أو يكون سبباً لتعاسة أمه وأبيه، وهكذا، فالانحراف والدمار يبدآن بخطوة اتباعا للشيطان.
وحتى على مستوى الأمم والجماعات، فها نحن نرى تأثير الربا والزنا والخمر والمخدرات والظلم والشرك والإلحاد على مسيرة شعوب ودول عظيمة، فاقتصادها يتضعضع وصحة أبنائها في تراجع، وتماسك مجتمعاتها يكاد يتفتت، والأمن يكاد يعدم، والانتحار فيها يتضاعف، هو الأمراض النفسية.
إن التمسك بالقرآن الكريم والسنة النبوية وما جاء فيهما من أوامر ونواهٍ هو العصمة من الزلل ومن فخاخ الشيطان المتنوعة والمخادعة، وقد لخص الإمام ابن قيم الجوزية خطوات الشيطان في ستة محاور، من الأخطر للأقل خطورة، هي:
1- الكفر بالله عز وجل، وفي زماننا أصبح للشيطان أتباع كثر في الكفر بالله تعالى من خلال اتباع الفلسفات المادية والفلسفات الإلحادية التي تنكر عالم الغيب ووجود الله، ومع انفتاح عصر العولمة وتفوق "الميديا" خدع بعض أبنائنا بذلك فظهر عبدة الشيطان والإيمو والملحدون.
2- البدعة، فمن لم يقبل الكفر حاول الشيطان أن يزجه في البدعة كبدعة الخوارج الدواعش أو الشيعة الدواعش أو غيرها من المناهج المنحرفة في فهم الدين بتفريط أو إفراط.
3-ارتكاب الكبائر، ومن نجا من الكفر والدعوة ركز الشيطان أن يوقعه في الكبائر من الذنوب، وهؤلاء يكونون أكثر عدداً، وإلا فهذه الملاهي الليلية والخمّارات العلنية والسرية مَن روادها في بلاد المسلمين؟ وهذه الحفلات الخاصة والعامة وما يُرتكب فيها من فواحش وفجور، وهذه البرامج الإعلامية التي تروج للمنكرات وتقيم لها المسابقات إن لم تكن تسير خلف خطوات إبليس الرجيم فخلف من تسير؟
4- الوقوع في صغائر الذنوب، وذلك بالتهوين منها والوسوسة بعدم قيمتها، بينما نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: إياكم ومحقّرات الذنوب، ثم ضرب لذلك مثلا بقوم نزلوا بفلاة من الأرض فأعوزهم الحطب فجعل هذا يجيء بعود وهذا بعود حتى جمعوا حطبا كثيرا فأوقدوا نارا وأنضجوا خبزتهم، فكذلك فإن محقرات الذنوب تجتمع على العبد وهو يستهين بشأنها حتى تهلكه. رواه أحمد وحسّنه الحافظ ابن حجر.
5- دعاه للتوسع في المباحات من النوم والطعام والرياضة وما شابه ذلك، ليصرفه عن فعل الطاعات والحسنات، فالشيطان يحرص على قطع الطريق عليك لطاعة الله ودخول الجنة، فمن ضاع وقته بالمباح لم تكتب له حسنات وضاعت عليه الأجور العظيمة.
6- تزيين الأعمال المرجوحة المفضولة من الطاعات، فمن نجا من هذه الفخاخ والخطوات السابقة سعى معه الشيطان ليصرفه عن فعل الطاعات الأكثر نفعاً له وللناس، ويتجسد هذا في تضييع كثير من الطيبين جهودهم في أبواب نفعها قليل لهم وللناس.
فبدلا من تعلم الدين والعمل به على بصيرة، ينشغل كثير من الناس بتبادل مسجات وسائل التواصل الاجتماعى بما فيها من غث وسمين فينشرون أحاديث مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم! أو أدعية مخترعة منحولة بدلاً من أدعيته النبوية الصحيحة الثابتة.
أو ينشغل بعضهم بتزيين المساجد والمصاحف عن نشر العلم بدعم الكتب النافعة والمحاضرات القيمة وحِلق التعليم والذكر الصحيحة.
هذه هي محاور مكائد الشيطان وخطواته، فمن تنبّه لها وعمل بمقتضاها نجا بإذن الله من عدوه الأبدي الذي حذره منه رب العزة في كتابه الكريم، وبقي علينا أن نتيقظ لأن الشيطان الذي يعادينا لا يقتصر على شياطين الجن، بل بعضهم من شياطين الإنس لقوله تعالى: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورا" (الأنعام: 112)، وشياطين الإنس هم الذين يدعون للكفر والشرك والفواحش من الساسة والإعلاميين والفنانين ومدّعى التدين ومَن لفّ لفّهم، فاحذرهم فإنهم العدو المبين.
"ولا تتّبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين"
2017/08/01
الرابط المختصر
Image