هذا التحذير الرباني يجب استحضاره دوما لتجنب العاقبة السيئة من الفشل والهزيمة والتشتت والاندثار بسبب التنازع والخصام، وهو ينطبق على الدول والمجتمعات والقبائل والجماعات والأسر والأفراد.
ويتضاعف وجوب التزام مضمون هذا التحذير الرباني في هذه اللحظة الزمنية التي تشهد تكاتف مطامع الأعداء بتفتيت ما تبقى من قوة أو مجتمعات أو دول في أمتنا.
ففي الأردن وفلسطين تتصاعد مخاطر التوسع اليهودي والصهيوني باسم ضم المستوطنات، ويساعد على ذلك انشغال الناس هنا والعالم بجائحة "كورونا" من جهة وابتعاد العرب أو إعراضهم عن ذلك لقضايا أخرى، وانشغال أمريكا خصوصا وأوروبا بمشاكلهم الداخلية من نزعات عنصرية وانتخابات رئاسية وتداعيات اقتصادية.
وبرغم هذا الخطر الوجودي العظيم الذي يهدد الأردن وفلسطين ينشغل البعض بقضايا أخرى تثير النزاع والخلاف كتراشق الحكومة والمعارضة بمحاربة الفساد والمفسدين فتكثر الشائعات والأقاويل وتضيع الحقيقة ولا يتم محاربة الفساد ولا ينتج عن ذلك إلا مشاكل إضافية من احتقانات وشقاقات واعتقالات! بعد أشهر قليلة من التفاف المجتمع حول سياسة الحكومة بالحظر والغلق لمواجهة "كورونا".
وفي ظل فقدان السيطرة تدريجيا على المسجد الأقصى بحسب تصريح الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، وفي ظل فرض نتنياهو إقامة الدولة اليهودية بحكم الأمر الواقع، فإن السلطة الفلسطينية مشغولة بإقرار قانون الأسرة الذي يصادم ثوابت الشريعة الإسلامية ويقر الزنا والشذوذ مما يزيد في تفتيت المجتمع الفلسطيني وصراعاته!
وهذا الحال ليس فريدا، فالعديد من دولنا ومجتمعاتنا وجماعاتنا يواجه حالات غريبة من بث الفرقة والنزاع لأسباب مفتعلة، وللأسف أن هذه النزاعات -بسبب وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي- أصبحت تصيب بشؤمها الكثير من الناس وتغرس فيهم الحقد والعداوة والبغضاء بشكل رهيب!
لقد تحول التنافس السياسي والصراع الحزبي إلى ما يشبه الحروب الأهلية في بعض الدول والمجتمعات، وأصبحت هناك عداوات حقيقية بين بعض الشعوب والشعوب الأخرى بعد أن كانت الخلافات السياسية تنحصر في السلطات والحكومات!
بل لقد وصل الأمر لإعادة محاكمة التاريخ السابق قبل مئات السنين ولعنه وشتمه والتبرؤ منه بسبب خصومة سياسية اليوم وقد تكون مفتعلة!
والأعجب من هذا كله أنه بينما تشيع اليوم صرخات بعض الناس بوجود عداوات قومية تاريخية ممتدة ليومنا بين قوميات المسلمين العرب والترك والفرس، وصرخات المطالبة باستئصال بعض معارضيهم وخاصة ممن يصمونهم بتهمة الإسلام السياسي! فإن هؤلاء هم أنفسهم دعاة قبول الآخر والتعايش السلمي مع الشواذ والملحدين في الداخل والمحتلين والغزاة كإسرائيل من الخارج!
أما على الصعيد الديني فللأسف أن الجهود التي بذلت لمحاربة الغلو والتكفير والعنف الذي مارسته القاعدة وداعش، يتم اليوم هدمها عبر بعض الأنظمة والمحسوبين على الإعلام والعلم الشرعي من أنصارها الذين يأخذهم الحماس لتكفير خصومهم السياسيين أو تعميم عبارات تؤدي للتكفير على دول ورؤساء وجماعات!!
وهذ الحال المنحرف كله يتفاقم مع تورط جميع الفرقاء في مستنقع الكذب والتزوير ونشر الشائعات، وبالطبع يرافق ذلك الاجتزاء المخل وإخراج المواقف والتصريحات عن سياقها وعدم العدل والإنصاف في إدانة الخصم بفعل أو قول يتم تبرير مثله لمن هو في طرفنا وصفنا!
والمَخرج من هذا كله على مستوى الأفراد والجماعات والقبائل والمجتمعات والدول هو بالتزام أمر الله عز وجل "وأطيعوا الله ورسولَه ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبَ ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" (الأنفال: ٤٦).
فطاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم في كل شؤوننا هي العاصم لنا من التنازع، وهي المفترض أن تكون الحاجز لجميع الفرقاء عن الكذب والتزوير والتحريف فضلا عن الظلم والعدوان والبغي، وهي المفترض -إذا التزمنا بها- أن تكون الدافع لنا للتعاون والتعاضد على تحقيق الخير لأنفسنا وأوطاننا، وبذلك تتحقق لنا الوحدة وتقوى ريحنا ويثبت ذلك الخير لنا ويدوم بالصبر على طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والعاقل منا من يلتزم بطاعة الله عز وجل ورسوله فيتثبت من صحة ودقة الأخبار أولا، وينزل على رأي أهل العلم المختصين المنصفين فيها ثانيا، ولا يتورط في الاتهامات والخصومات وتعميمها على المجتمعات والشعوب بالظلم والعدوان ثالثا، ويكون دوما من دعاة الخير والتعاون ورد الشر والظلم عن أي طرف كان، وبذلك ينجو الواحد منا عند ربه ويخدم وطنه وأمته على الحقيقة، وفّقنا الله جميعا لذلك.