حكاية جماعات العنف في مصر من الإنحراف الى فكر الخوارج "نسخة غير ملونة "

الرابط المختصر
Image

مقدمة

تفاقمت ظاهرة الغلو والتطرف والإرهاب في واقعنا المعاصر لتصبح من أكبر التحديات التي تشهدها أمتنا اليوم بعد أن كانت ردة فعل ساذجة، وهذه طبيعة الضلال والانحراف، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالبدع تكون في أولها شبراً، ثم تكثر في الأتباع، حتى تصير أذرعاً، وأميالاً، وفراسخ"([1])، وهذا واقع في تطور فكر جماعات العنف عبر عدة عقود حيث أصبح تكفير غالبية المسلمين هو معتقدها بعد أن كان الدفاع عن المسلمين هو مبرر تشكيلها!

لقد تطورت هذه الجماعات لتصبح جماعات منظمة وقوية، وتسببت بالكثير الكثير من الكوارث للإسلام والمسلمين، وأصبحت أيضا أداة في أيدي القوى الدولية والإقليمية، التي آوت قياداتها سنوات طويلة ولا تزال، واستغلتهم ووظفتهم لتنفيذ بعض مخططاتها، كما أن وجود هذه الجماعات وما ارتكبته من جرائم كان السبب لكثير من الغزو والاحتلال والتدمير من الخارج والداخل لعدد من الدول الإسلامية، وتم الاحتجاج بمحاربة الإرهاب من الخارج والداخل للتضييق على الإسلام والمسلمين، مما يساهم بدوره في توسيع دائرة الغلو والتطرف والإرهاب بتوفير مبررات للغضب والتهور من جهة، ويكرّس حالة الجهل بإقصاء ومحاصرة أهل العلم والعمل الإسلامي الصحيح.

إن ظاهرة الغلو والتطرف والإرهاب هي حالة متكررة في التاريخ الإسلامي كما أخبر عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنهم: "كلما خرج لهم قرن قطع - أكثر من عشرين مرة - حتى يخرج في عِراضهم[2] الدجال" رواه ابن ماجه وصححه الألباني، حيث تبدأ بذرة الغلو والتطرف بالجهل بالإسلام والتهور لتنمو بشكل مدمّر بدعم وتحريض من أعداء الإسلام، بدايةً من ابن سبأ الذي بتحريضه للجهلة من الغوغاء تم قتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه.

لقد أضرّ التهاون في علاج ظاهرة الغلو المعاصرة بشكل سليم وشامل بالمصالح الإسلامية بشكل ضخم جدًا، ولعل من أبرز هذه الأضرار التي يراها الجميع اليوم قيام الغلاة والدواعش الخوارج وإخوانهم بقتل الثوار في ظهورهم في سوريا والعراق واليمن وغيرها.

نعم، تم تضخيم الغلو والتطرف والإرهاب المنسوب للإسلام عالميا من قبل أعداء الأمة الإسلامية في الداخل والخارج، وتم التغاضي عن جرائم الإرهاب اليهودي والنصراني والبوذي والشيوعي والعلماني والشيعي، لكن للأسف فإن الغلو والتطرف والإرهاب المنسوب للإسلام أصبح أداة لهؤلاء المجرمين لضرب الإسلام والمسلمين السنّة، فبوصلة هؤلاء المتطرفين هي أولوية حرب المرتدين - وهم في اعتقادهم جمهور المسلمين - على حرب الكفار، ومن أمثلة ذلك إعلان الغلاة أن محاربة الدول والحركات الإسلامية مقدمة على محاربة اليهود والنصارى! وهو يشابه تماما شعار الخميني "الطريق للقدس يمر ببغداد"، والذي طوّر في عهد خليفته خامنئي من أن الطريق للقدس يمر أولاً ببغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وبقية العواصم العربية!

ومن اللافت للنظر أن غالب الدراسات عن هذه الجماعات صدرت عن خصوم الإسلام  نفسه لا خصوم الغلو والتطرف وسعت لإدانة الإسلام ذاته من خلال الزعم بأن منهج هذه الجماعات وسلوكها هو حقيقة الإسلام، كما هو الحال في كتابات اليساريين والعلمانيين والإعلاميين العرب وأيضا غالب الدراسات الاستشراقية والغربية، بينما الكتابات الإسلامية قليلة وضعيفة غالبا، وبعضها يركّز على البعد الشرعي بإبراز انحراف هذه الجماعات وتغفل البحث عن السياق التاريخي والسياسي الذي ظهرت فيه، وتغفل عن التوظيف الأمني لها من قبل القوى السياسية والأمنية المحلية والإقليمية والدولية. 

في هذا البحث أتناول العوامل التاريخية والسياسية والأمنية والثقافية لظهور جماعات الغلو والعنف والقتال ومن ثم مسار تطورها التاريخي ومسار تطور انحرافها الفكري ونتائجها الكارثية على الإسلام والمسلمين، مع التنبيه على الثغرات التي تضخمت وتفاقمت من خلالها هذه الظاهرة السلبية، وذلك في مصر إطارًا مكانيًا وسيكون الإطار الزمني الذي نتناوله في هذه الدراسة هو المدة الواقعة عقب انتهاء حقبة الاحتلال الأجنبي وقيام الدول العربية (المستقلة) والتي لم تلبِّ طموحات شعوبها، وتصادمت مع هوية الجماهير مما ولّد مناخا مأزوما، وظهرت فيه ردات فعل عنيفة، عُرفت بجماعات الجهاد، ولذلك استعرضت الدراسة جماعات العنف المصرية بين عامي 1958 - 2013، ولم أتمكن من بحث جماعات العنف التي نشأت بعد عام 2013 أو كانت في سيناء على وجه الخصوص لقلة توافر المصادر لدي، وإن كانت في خطوطها العامة لن تخرج عما سبقها من مجموعات وجماعات وتجارب. 

وتناولت الدراسة ما يلي:

  • مقدمة.
  • خلفية تاريخية.
  • جماعة الجهاد، تنظيم نبيل البرعي سنة 1958.
  • تنظيم الكلية الفنية العسكرية، صالح سرية، 1974.
  • جماعة المسلمين، شكري مصطفى.
  • عملية اغتيال السادات:

     - تنظيم محمد عبد السلام فرج.

     - تنظيم سالم الرحال.

     - الجماعة الإسلامية.

  • الجماعة الإسلامية بين العنف والمراجعات.
  • تطور تنظيم الجهاد للذوبان في تنظيم القاعدة.
  • تنظيم الشوقيين وتنظيم الناجين من النار.
  • نظرة تحليلية لواقع تنظيمات العنف وسماتها وأخطائها وتكرارها في التجارب اللاحقة في مناطق شتى من العالم.

وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يكون في هذه الدراسة نفع وخير لشباب الإسلام تبصرهم بتجارب مرة وخاطئة ليتجنبوها وحتى أساهم في ازدهار مسيرة الدعوة الإسلامية السليمة وسعي أمتنا نحو التقدم والقوة والرفعة باتباع منهج الأنبياء بالدعوة لتوحيد الله عز وجل وتحكيم شرعه في الأرض بالحكمة والعلم والوعي والجهاد الصحيح.

أسامة شحادة

عمان – الأردن

ربيع الآخر 1441 – كانون الثاني 2019

 

([1]) - مجموع الفتاوى، 8/425.

[2] -  عراضهم: أي في فتنتهم فيخدعهم ويتبعونه، وفي رواية (في أعراضهم) أي في جيشهم الكبير.