العيد .. اختبار صدق محبة الله ورسوله

الرابط المختصر
Image
العيد .. اختبار صدق محبة الله ورسوله

عزيزي القارئ الكريم: تقبل الله طاعتك وجعل عيدك مباركا، وأعاده عليك بالمسرّات دوما، فمن المعلوم في شريعة الإسلام أن العيد عيدان، الفطر والأضحى فقط، ومن الأخطاء الشائعة تسمية غيرهما من الأيام عيد، فعن أنس بن مالك قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: "كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى"، رواه أبو داود والنسائي وصحّحه الألباني.
ومعنى العيد هو ما يعود من الاجتماع على وجه معتاد، إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم.
وقال ابن عابدين: "سُمّي العيد بهذا الاسم؛ لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان، أي: أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل يوم منها: الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر. وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي، وغير ذلك، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور".
وعيدا الفطر والأضحى هما من مظاهر الدين وشعيرة من شعائره المعظمة التي لها حكم ومعان عظيمة وجليلة، فالعيد في الإسلام ينطلق في البداية من شكر الله والفرح بتوفيقه على إتمام عبادته، فعيد الفطر يكون بعد إنجاز صيام وقيام شهر رمضان المبارك، وعيد الأضحى يكون بعد تمام الوقوف بعرفة والطاعة في العشر من ذي الحجة.
ولذلك يبدأ العيد في الإسلام بصلاة العيد والاجتماع لها، وفي العيد يكبّر المسلمون عقب الصلوات المفروضة، وفي العيد صلة للأرحام وذبح الأضاحي وتوزيعها على الأصدقاء والفقراء، وشرعت زكاة الفطر قبل العيد مباشرة لرعاية الفقراء والمساكين.
وفي العيد يحث الإسلام على لبس أجمل الثياب وإظهار الفرح والسرور والتوسعة على الأهل والأبناء وتفقّد الجيران والمعارف، ويكون فيه اللهو المباح، ولذلك يحرُم صوم يوم عيد الفطر، كما يحرم صيام أيام عيد الأضحى الأربعة لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب" رواه مسلم، ويستثنى من ذلك من حجّ ولم يمكنه ذبح الهدي.
فالعيد إذن شعيرة وطاعة وعبادة يتقرب بها المسلم والمسلمة والمؤمن والمؤمنة بها إلى ربهم، وليست كأعياد الأمم الأخرى التي قد تكون أعيادها دنيوية أو موسمية لغايات مادية، ومن هنا كان فهم السلف للعيد فهماً دقيقاً وعالياً، انظر لقول الحسن البصري: كل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد، وكل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد.
 إخواني: ليس العيد لمن لبس الجديد، ولكن العيد لمن اتقى وخاف يوم الوعيد. ليس العيد لمن تجمّل باللباس والمركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب.
ولذلك فإنّ مَن صام رمضان وقامه أو حج لله عز وجل أو اجتهد في الطاعة في العشر من ذي الحجة، كيف يليق به أن يعصي الله عز وجل ويخالف أمر رسوله الكريم في أيام العيد المباركة؟
كيف يليق بمسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة يحبون الله عز وجل ويحبون رسوله ويقرأون قوله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" (آل عمران: 31)، ثم في العيد يتساهلون ويقعون في كثير من المخالفات الشرعية؟
إن العيد هو اختبار كاشف لحقيقة المحبة القلبية ومقدارها لله عز وجل وللنبي صلى الله عليه وسلم، ومقدار غلبة الهوى على نفوسنا، ومن هذه المخالفات في العيد:
1- زيارة المقابر في يومي العيدين: فكيف يصح لمسلم أو مسلمة أن يقلبا أيام الفرح والسرور ليومٍ لزيارة المقابر؟ لماذا لم يزورا المقابر قبل العيد أو بعده؟ وكيف يدّعيان حب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قد نهى عن اتخاذ القبور عيداً، وزيارتها في العيد جزء من ذلك؟
وللأسف فغالب هذه الزيارات لا تكون للعظة والعبرة، فتجد النساء متبرجات ومشغولات بتوزيع الحلوى! والرجال يدخنون ويتحدثون! فلا استفادوا من زيارة القبور لحسن العمل ولا أحسنوا أصلاً بزيارة الموتى يوم العيد. 
2- تضييع الجماعة والنوم عن الصلوات: وللأسف أن العيد والذي هو فرحٌ بطاعة الله بالصيام والقيام والحج يصبح سبباً لتأخير الصلاة أو تفويت صلاة الجماعة أو صلاة فجر العيد وصلاة العيد بسبب السهر في الأسواق أو الزيارات والرحلات، وهذا منكر كبير حذر الله عز وجل ورسوله منه، قال تعالى: "فويلٌ للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون" (الماعون: 4-5) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
3- تبرج النساء واختلاطهن ومزاحمتهن للرجال: وذلك في الأسواق ومصلى العيد والحدائق والمتنزهات والتجمعات العائلية، وهذه كلها منكرات، فالمسلمة والمؤمنة التي كانت صائمة وقائمة وحاجّة وذاكرة لربها كيف تتساهل في حجابها فتخرج متبرجة بزينة وعطر أو بحجاب مزيف والله عز وجل يقول: "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" (الأحزاب: 33)، والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر النساء فيقول: "صنفان من أهل النار لم أرَهما بعد ... ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه مسلم.
فهل يُحتفل بطاعة الله بالعيد بمعصيته بالتبرج والزينة والاختلاط ومصافحة الرجال للنساء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحل له" صحّحه الألباني.
وكذلك دخول الغرباء والأنسباء على النساء في العيد دون وجود محرم من الأخطاء الشائعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت" متفق عليه، والحمو هو قريب الزوج.
4- استقبال العيد بالغناء والرقص والمنكرات، بدعوى إظهار الفرح والسرور: فالعيد يوم طاعة وصلاة وتكبير وذكر لله عز وجل، فكيف يحوّل إلى يوم للمنكرات والفواحش من الأغاني الماجنة والنساء العاريات!
ألم يحذرنا المصطفي صلوات الله عليه من مثل هذه الأحوال بقوله: "ليكوننّ من أمتي أقوام يستحلّون الحِر والحرير والخمر والمعازف" رواه البخاري، والحِر هو الزنا، والمعازف هي الأغاني وآلات الطرب.
ومر أحد الصالحين بقوم يلهون ويغنّون يوم العيد فقال لهم: إن كنتم أحسنتم في رمضان فليس هذا شكر الإحسان، وإن كنتم أسأتم فما هكذا يفعل من أساء مع الرحمن!!
5- الإسراف والتبذير حتى لو كان في أمور مباحة: فالإسراف والتبذير طبع الشياطين لقوله تعالى: "إن المبذّرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لِربّه كفورا" (الإسراء: 27)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كُل ما شئت والْبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة" رواه البخاري، والمخيلة الكبر.
فلا بد لنا ونحن نحتفل بشعيرة العيد أن نتجنب السرف والتبذير في الطعام والشراب والهدايا، ولعل من أبرز مظاهر الإسراف والتبذير شرب الأرجيلة التي تحارب الصحة وتجلب المرض والمضرة وتحرق الدنانير بلا فائدة، ويتعاظم الجرم والإثم حين نورّث هذه المعصية والآفة لأبنائنا، لأننا نجمع بذلك مع معصية التبذير معصية إضاعة الأمانة وسوء التربية لأولادنا.
هذه أهم الاختبارات التي يتعرض لها المسلم والمسلمة والمؤمن والمؤمنة في يوم العيد، فهل ينتصرون على شيطانهم وهواهم، فيعظّمون أمر الله عز وجل وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، ويتجنبون هذه المعاصي والآثام، ويكونون لبنة خير وإصلاح في مجتمعنا؟
إن اتباع أوامر الشريعة في يوم العيد وغيره يجلب الخير والبركة والسعادة للناس، فالعيد يوم فرح وليس يوم حزن وزيارة مقابر وهذا يُخرج الناس من تناقضهم الداخلي وخاصة الأطفال الذين يريدون الفرح وبين الكبار الذين يمنعونهم من ذلك بغير حق!
والعيد يوم طاعة وصلاة وذكر ولهو مباح يحافظ على الأرواح والأعراض وليس يوم زينة وتبرج واتباع لشياطين الجن والإنس وطرب ومجون وانحلال كما هو معروف من حال الحفلات والمهرجانات.
والعيد يوم فرح وسرور وليس يوم إسراف وتبذير قد يخرج فيه البعض مديونا كئيبا حتى أصبح البعض يحمل همّ العيد بدلاً من أن يفرح فيه، وذلك بسبب المظاهر الاستهلاكية الوافدة والعادات السيئة التي فرضتها العولمة.
ولنتذكر كلمة الحسن البصري: إنما العيد لمن غُفرت له الذنوب، وكل عام وأنتم بخير.