خواطر من تركيا

الرابط المختصر
Image
خواطر من تركيا

عيب" هكذا صرخ المترجم التركي حين تقافز الأردنيون لالتقاط صور قصر "مهند ونور"، "عيب، أنا شرحت لكم عن قلعة السلطان محمد الفاتح، وقصر دولما بهشة وغيرهما، ولم أجد منكم مثل هذا الاهتمام"!!   قد يكون السبب وراء هذا السلوك هو ضعف المعرفة التاريخية لدى العرب بتاريخ تركيا أو دولة الخلافة العثمانية، أو قد يكون السبب هو تفاهة الاهتمامات لدى قطاعات واسعة في مجتمعاتنا المعاصرة. الغالب على سلوك مكاتب السياحة العربية وشريكاتها التركية هو التركيز على البعد الترفيهي، بعكس مكاتب السياحة الأجنبية التي تولي الجانب التاريخي والمعرفي اهتماماً أكبر، ومما يدلل على غياب الجانب التاريخي والثقافي في السياحة العربية عدم وجود خريطة سياحية لتركيا أو اسطنبول باللغة العربية، فهل تقوم بلدية اسطنبول بذلك خاصة وأنه تم مؤخراً جعل العربية إحدى المواد الاختيارية في الثانوية التركية!! ومن دلائل ضعف الجانب التاريخي والثقافي في السياحة العربية قلة أو ندرة الأدلة السياحيين العرب عن تركيا، وغياب التحفيز للسياح لزيارة المتاحف والمعالم التاريخية في إعلانات مكاتب السياحة. ولذلك فالقسم الأكبر من السياح العرب، وضمن برامج المكاتب السياحية، يكتفي بمشاهدة قصر دولما بهشة وقصر توب كابي وكنيسة آيا صوفيا من الخارج وذلك لتوفير 30 دولار ثمن التذكرة وكلفة المترجم!! وغالباً لا يقوم السائح العربي بأي زيارة ثانية لهذه المعالم، بعكس السياح الأجانب الذين تمتلئ به ردهات هذه الأماكن وغيرها من المتاحف التي تزخر بها مدينة اسطنبول، هذه المتاحف التي لاتحتوى على لوحات تعريفية باللغة العربية لخلوها من السياح العرب المتكدسين في المقاهي والمولات. من يزور قصور ومساجد العثمانيين يلمس مدى عظمة هذه الدولة الإسلامية التي سادت العالم لعدة قرون بالإسلام، والتي هي أكبر دليل على عظمة هذا الدين، فالعثمانيون هم قبائل تركية مسلمة من البدو الرحل كانت تسكن تركستان، ونزحت إلى آسيا الوسطى، وانضمت لدولة السلاجقة حتى ضعفت واندثرت، فتسلمت راية الدفاع عن الإسلام، وهذا هو التطبيق الإسلامي العملي لوحدة البشرية وتكافئها، وهو ما يحلم به كثير من العرب اليوم أن يصبحوا كالولايات المتحدة تستقطب الكفاءات من مختلف الأجناس والأعراق وتفتح لهم المجال للعمل والإقامة واكتساب الجنسية، ونسوا أو تناسوا أن هذه الوحدة والمساواة هي من الأسس التي قام عليها دين الإسلام، فقد ساوى الإسلام بين صناديد قريش وعبيد مكة إذا أسلموا، وجعل بلالاً الحبشي وصهيباً الرومي وسلمان الفارسي في مرتبة واحدة مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في الأحكام الشرعية والتكاليف الإلهية. وعلى هذا سار المسلمون عبر تاريخهم فقد أتيح لجميع المسلمين، على اختلاف أصولهم وأجناسهم وألوانهم وألسنتهم، خدمة الإسلام ودولته بأفرادهم أو جماعاتهم، حتى جاء الاستعمار الأوربي فحطم هذه الوحدة المشرقة وزرع الدولة القطرية التي بدل أن تكون عامل قوة للمجموع أضحت عامل ضعف وللأسف، وفي الوقت الذي تتوجه فيه أوربا لنبذ الدولة القطرية تحت راية الاتحاد الأوروبي نعمل بكل قوة لتفتيت ما تفتت فأصبحت فلسطين ضفة وغزة، والعراق مهدد بالتقسيم، والسودان معلق كالذبيحة بانتظار قرار يبين كيفية تقطيعه ولا حول ولا قوة إلا بالله. عند زيارة قصور ومتاحف العثمانيين ترى مجد المسلمين بما أنتجوه من صناعة مدنية وعسكرية، وما أبدعوه على صعيد العمران الذي يدل على ذوق رفيع وعلوم راقية وإدارة منتجة، يكفي أن تعلم أن قلعة السلطان محمد الفاتح بنيت على خليج البسفور في أربعة أشهر! والحديث عن أثار العثمانيين يطول ويطول، ولكن أحسنت بلدية اسطنبول بإنشاء حديقة "مينا ترك" وهي حديقة تقع على رأس خليج القرن الذهبي وتحتوى على مجسمات لكل آثار ومعالم تركيا، ومزودة بأجهزة ناطقة تتكلم العربية وتقدم نبذة عن تاريخها كما يوجد كتاب تعريفي لكل محتويات الحديقة ويتوفر بالعربية أيضاً. ومن أكثر ما لفت نظري في هذه المجسمات هو مجسمات المدارس والمعاهد التي أنشاها السلاجقة والعثمانيين من قرون ودهشت من ضخامة حجمها وتعدد طوابقها، وقد كان لخريجي هذه المدارس من علماء وفنيين وعسكرين وساسة مبدعين دور هام في قوة الدولة العثمانية. من صفحات المجد المغيبة عن أجيالنا في تاريخ الدولة العثمانية أن الأسطول البحري الفرنسي بقيادة الأمير فرانسوا دبو بوربون وضع تحت إمرة الأسطول البحري العثماني بقيادة خير الدين بربروسة  بأمر من ملك فرنسا، ومثلها كثير!! لعل من أفضل الكتب التي كتبت عن عن تاريخ تركيا كتاب: "الدولة العثمانية عوامل النهوض والسقوط" للدكتور علي الصلابي، لكنه لو زود ببعض الخرائط لكانت فائدته أكبر، وكتاب "الدولة العثمانية المجهولة: 303 سؤال وجواب" للدكتور أحمد آق كوندز والدكتور سعيد أوزتورك، ونشرهُ وقف البحوث العثمانية، وهو كتاب قيم للغاية لاعتماده على الوثائق العثمانية في الإجابة عن 303 سؤال اختيرت من 5000 سؤال عن الدولة العثمانية، شملت التاريخ السياسي للدولة العثمانية والجوانب القانونية والاقتصادية في عصر كل سلطان، وتناولت الحياة الاجتماعية العثمانية وخاصة ما عرف "بالحريم"، وتعرضت لطبيعة النظام الحقوقي والقانوني العثماني والتشكيلات الإدارية للدولة العثمانية، أما القسم الرابع فخصص للناحية الاقتصادية والقوانين المالية فيها.   يشهد سكان اسطنبول على اختلاف مواقفهم لرجب أردوغان بأنه قدم الكثير من الإصلاحات للمدينة، ولذلك نجح من قيادة حزب التنمية والعدالة للفوز برئاسة الحكومة، وهذا يثبت أن التغيير ممكن في البلاد الإسلامية إذا توفرت الإرادة الواعية والقيادة الذكية، ولذلك من الغريب أن العديد من الإسلاميين في العالم العربي يحتفى بإنجازات أردوغان وسياساته وتصريحاته في الوقت الذي يتخندق فيه فكريا في خندق نجم الدين أربكان، الذي لم يستطع أردوغان من النجاح إلا بالخروج والانشقاق عن عباءته!! مما يشغل بال بعض المتابعين لنجاحات ومسيرة أردوغان - مع وجود بعض التحفظات على مساره – هو: ماذا بعد مرحلة أردوغان الذي أصدر قراراً بمنع من يتجاوز الستين من عمره من البقاء في منصبه؟ وهل هيأ الحزب قيادات شابة تتمتع بالكفاءة والنزاهة والسمعة الواسعة لتواصل المسيرة، أم أننا لا نزال نمارس التفوق الفردي حتى في مؤسساتنا الجماعية!! مما لا يراكم النجاحات لتبلغ خط النهاية المنشود؟!