غزة الفاضحة والمبشرة

الرابط المختصر
Image
غزة الفاضحة والمبشرة

العدوان الإسرائيلي الجديد على غزة في رمضان 1435هـ هو جريمة وحشية جديدة تضاف لسجل اليهود والإسرائيليين المعاصرين، هؤلاء الوحوش الذين يجسدون في كل يوم أبشع الأكاذيب التي حرفوها في التوراة، وحولوه من كتاب إلهي لهداية البشر إلى وصفات إجرامية عنصرية، ويقود ذلك زعماؤهم السياسيين العنصريين وحاخاماتهم وأحزابهم الدينية المتطرفة والإرهابية. فالجريمة الوحشية والغادرة بحق الفتى المقدسي محمد أبو خضير والذي أرغم على شرب البنزين ثم صب عليه وأحرق حياً من المشاركين بهذه الجريمة أحد حاخاماتهم، بينما حاخام مستوطنة «كريات أربع» في مدينة الخليل دوف ليئور والذي يعد واحدا من أهم حاخامات الصهيونية الدينية في إسرائيل فقد أرسل فتوى إلى وزير الحرب الإسرائيلي تحث وتبيح لجيش الاحتلال قتل المدنيين الفلسطينيين وتفجير المناطق المأهولة بالسكان في قطاع غزة، وتهجيرهم، كما تبيح الفتوى منع الإمدادات والمؤن والكهرباء عن غزة كلها، وحذر الحاخام من أي نزعة تجاه الفلسطينيين. وهذا تجسيد لحقيقة العداء اليهودي لكل البشرية بناء على عقائدهم الدينية العنصرية، والتي تجعل من الناس بهائم خلقت لخدمتهم، وأنهم هم شعب الله المختار، وقد بلغ من عدوان اليهود أنهم يكذّبون الأنبياء ويقتلونهم، كما قال تعالى: "ويقتلون النبيين بغير حق" (آل عمران: 21)، وقال تعالى: "لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون" (المائدة: 70). ولذلك لا نتوقع من اليهود إلا العدوان والغدر والخسة، ولن يجدي معهم إلا القوة والجهاد، وعندها تتنزل الرحمة عليهم، لأن المسلمين سيمنعونهم من أذية أنفسهم بأذية الناس، ولأن المسلمين لن يعاملوهم بالظلم برغم جرائمهم، فالتاريخ يشهد أن المسلمين حين انتصروا على اليهود بعد غدرهم المتكرر، لم يعاقبوا إلا المجرمين منهم، ورحموا الصغار والنساء والأطفال، ولم يكن لليهود مكان آمن في العالم إلا في بلاد المسلمين، والتاريخ يشهد أن كل كوارث اليهود – بسبب جرائمهم وخسة طباعهم- حدثت لهم مرارا من غير المسلمين في القديم والحديث، أليست كنائس وملوك أوربا هم الذين نصبوا لهم محاكم التفتيش، أو قياصرة روسيا، أو هتلر زعيم ألمانيا الذي طارهم ونكل بهم!! وهذا العدوان الإسرائيلي الوحشي والذي لا يحترم قانونا دوليا أو عرفا في العلاقات الدولية حيث تقصف مناطق المدنيين ومدارس الأونروا وطواقم الإسعاف والدفاع المدني، دون اعتبار لأحد، وهذا كله فضح الكثيرين في الداخل والخارج. فأما الدول العربية فأحسنهم حالاً ساهم في علاج المصابين فقط، أما أن يكون هناك موقف جاد لوقف العدوان فهذا يبدو ليس في أجندتهم، أما قيادة مصر فلا تزال تواصل الحصار الظالم لغزة، ولا تجد من العرب من يقول لها كفى !! أما الغرب (المتحضر) وخاصة أمريكا فهي تجلب لنفسها المزيد من العداء الشعبي العربي وتأجيج نوازع الإرهاب تجاهها خاصة مع تزويدها لإسرائيل بالسلاح، بينما تزود العرب بأرباع وأثلاث تصريحات باردة وسمجة. أما محور الممانعة والمقاومة المزيف بقيادة إيران وأذنابها والذي للمرة الثانية يقف متفرجاً على قصف غزة، كما سبق أن تفرج محور الممانعة على صواريخ إسرائيل تدك دمشق مرارا دون أن يرف لهم جفن.          في حين أن محور الممانعة لا يكل ولا يمل من قتل الشعب السوري بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة طيلة ثلاث سنوات، فكيف يظن عاقل أن هؤلاء سينصرون غزة من صواريخ وعدوان إسرائيل؟ إن غزة تؤكد من جديد فضح هؤلاء الطائفيين الذين لم يتفرجوا على قصف غزة مرتين فقط، بل ولغت أيديهم مرار في الدم الفلسطيني في تل الزعتر والمخيمات الفلسطينية اللبنانية وفي مخيم اليرموك بدمشق وفي حي البلديات في بغداد، والسبب أنهم فلسطينيون سنة فحسب. أما الخلافة المزعومة من قبل خوارج العصر، فقد فضحتها غزة وأظهرت حقيقتها لبعض المخدوعين من العاطفيين والمندفعين وراء كل شعار براق، فقد صدم الصادقين من هؤلاء حين رأوا أنصار الخلافة يصرحون أن حرب حماس مقدم على حرب اليهود، وأن توصيف اتباع داعش للعدوان على غزة، بأنه صراع بين كفار ومرتدين !! وهناك فريق أخر ينادى بالاستسلام لليهود وعدم التفكير في مقاومتهم، بحجة الضعف وميل موازين القوى، وهذا المنطق هو ما يسعد الطغاة وما يجعل الظلم والعدوان يرسخ ويتوسع بلا خوف، وهذه الكائنات المسخ من العلمانيين والمتدينين، فقدوا كل ذرة كرامة واحترام عند الناس.  إذا كانت غزة قد فضحت هؤلاء وغيرهم، فإن غزة أيضاً تقدم للأمة بشارة عظيمة بمستقبل زاهر يحمل في طياته الكرامة والعزة وإعلاء كلمة الحق في خطوة أو خطوات لتحقق الوعد النبوي بعلو الإسلام على كل الأرض، يحكم القرآن والسنة الأرض فيتحقق العدل والرحمة في دنيا الناس كما عاشت البشرية من قبل في ظل الإسلام. إذا كانت هزيمة العرب عام 1967 قد فجرت ظهور الصحوة الإسلامية، والتي عمت أقطار الأرض، ورأينا من بركاتها وخيراتها الكثير الكثير، فإن صمود أهل غزة وفلسطين والشام والعراق في وجه العدوان والطغاة، فسيفجر إن شاء الله نصراً وتمكيناً وفتحاً مبيناً. فتلك الصحوة قدمت للمسلمين الكثير الكثير من الإنجازات العظيمة ومنها: - النهضة العلمية الشرعية المستندة للكتاب والسنة وفهم سلف الأمة بعدما تفشى الجهل وأظلمت المساجد من دروس العلم، وشاعت الخرافة والشرك في أوساط المسلمين - الإقبال الواسع من الشباب والشابات على التزام العقيدة والشريعة الإسلامية، بعدما راجت الأفكار الإلحادية والماركسية والعلمانية. - التجربة الماليزية على يد مهاتير محمد، التي بدلت من حالها ورفعت من شأنها. - التجربة التركية بقيادة أردوغان، حيث أعاد لتركيا شيئاً من أمجادها العثمانية. - ثورات الربيع العربي السلمية والتي دكت أركان الطغيان، وأثبت حيوية الأمة ويقظتها. - صمود غزة، بل إبهارها العالم في حسن إدارة مواردها الشحيحة لبناء قوة ردع وهجوم، ضد جيش من أعتى الجيوش، فضلاً عن بناء شخصية الغزاوية بناءً تتحطم عليه عنجهية العدوان الإسرائيلي. ولكن هذا لا يعنى عدم وجود ثغرات وأخطاء في مسيرة الصحوة الإسلامية، وقد كشفتها غزة، ومنها: - انخداع بعض الجماعات الإسلامية بالثورة الخمينية وشعارات التقريب، وتهوينهم من الضلالات العقدية في أفكارهم والطائفية والدموية في سياساتهم وأطماعهم، وقد فضحتهم غزة ومن قبلها الثورة السورية والعراقية. - عدم الجهر والعلانية من بعض العلماء والجماعات في صد الغلو بكل أشكاله ومستوياته، بحجة أنهم في معركة مع الكفار أو الأنظمة الجاهلية، حتى ابتلينا بداعش وأخواتها، والذين لم يسلم من شرهم أحد قريب أو بعيد. - التسامح مع نابتة تتغطى بالعلم والمنهج السلفي، أجندتها تنحصر بافتعال خلافات وصراعات في الوسط الإسلامي بكافة مستوياته، والدفاع بالحق والباطل عن الأنظمة الحاكمة، بشرط ألا يكون النظام إسلامي! هذه أخطاء وثغرات وقعت فيها الصحوة الإسلامية في المرحلة الماضية، واليوم عليها تصحيح هذه الأخطاء، وعليها الاهتمام بقضايا جديدة وهامة، حتى نستثمر بشارة غزة للمستقبل، منها: - لا خلاف على وجود سياسة فاعلة تعمل على تجريف الوعي عند الجيل الصاعد تعليمياً وتربوياً وإعلامياً، ولذلك على الصحوة الإسلامية اليوم وضع وتفعيل استراتيجية لبث الوعي وترسيخه وتنميته في الناس، يعوض الفراغ الحاصل في الواقع، والذي يفرز العنف الجامعي، ومظاهر الاستهلاك التي تستنزف اقتصاد الأسرة والدولة في كماليات ومواد مدمرة كالمخدرات. - يجب التركيز أكثر على توسيع دائرة الاتفاق بين فصائل العمل الإسلامي ومختلف الجهات الأخرى الرسمية والمعارضة، بشرط أن يكون الاتفاق على نقطة محقة بذاتها، فالاتفاق لمجرد الاتفاق ما عاد يجدي، ورفض نقطة حق جزئية لرفضنا الجهة التي تتبناها أيضاً مسلك غير مقبول. - تجديد دماء قادة العمل الإسلامي بكفاءات أصبح أكثر من ضرورة، وهو البوابة للحصول على نتائج أكثر إيجابية للجهود الضخمة التي تبذلها الصحوة، والتي تضيع بسبب تكلس فكر وحركة كثير من القيادات الإسلامية، إما لجهل وضعف مواكبة علمية، أو بسبب تقدم السن وضعف حركة البدن والعقل. وأخيراً غزة انتصرت حتى لو نجحوا في تفريغ شروط المقاومة لوقف القتال، وهي الحقيقة التي يجب أن ننطلق منها للمستقبل المشرق بإذن الله عز وجل.