غزة محطة في صراع الحق والباطل

الرابط المختصر
Image
غزة محطة في صراع الحق والباطل

من البداية وبكل وضوح إن موقف النظام العربي من ما يجرى في غزة موقف بائس ومدان، وهو مسؤول عن بؤسه وهزاله، مع وجود عوامل أخرى ساعدت على بلوغه هذا المستوى المنخفض! إن ما يجرى في غزة من "محرقة" ما هو إلا جولة ومحطة من محطات الصراع بين الحق والباطل، هذا الصراع الذي هو التفسير الحقيقي لحركة التاريخ البشري، وليس ما يروجه الماديون من أن صراع الطبقات أو سواه هو محرك التاريخ! وهذا الصراع بين الحق والباطل ممتد من بداية تاريخ البشرية وسيظل ما دامت البشرية تسكن الأرض حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وتتنوع مجالات ودوافع هذا الصراع بين الحق والباطل، من بين صراع بين الشيطان والإنسان، أو صراع بين بني الإنسان، وتارة يكون الحسد دافعه كفعل أحد ابني آدم، أو يكون دافعه الكبر والطغيان كحال مخالفي الرسل والأنبياء في سائر الأمم، أو يكون دافعه وسوسة الشيطان وتزينه لبعض أوليائه من أنهم فوق البشر وأفضل منهم كصنيع اليهود أو النازيين والعنصريين. و"محرقة" غزة التي نعيشها اليوم هي نموذج لهذا الصراع بين الحق المتمثل في أهلها الذين ما عرفوا وطناً سواها، ولا يطالبون سوى بحقهم في العيش الكريم على رباها، وبين الباطل المتمثل في كيان غريب تسلل بدعم من المحتل، ولم يترك وسيلة قذرة إلا مارسها ليقيم له وجود على أرض لا يربطه بها سوى أساطير شيطانية نتجت من تحريف وتزوير لرسالة نبوية كريمة!! إن فهم حقيقة الصراع بين الحق والباطل على أرض فلسطين، هو الخطوة الأولى لنصرة الحق ولذلك من الخطورة بمكان ما يقوم به بعض الناس من محاولة تبرئة العقيدة اليهودية من أي دور في الصراع والاعتداء على فلسطين وأهلها برفع شعارات براقة ومصطلحات مزخرفة مثل "اليهود جماعة وظيفية"، فإن هذا الفهم لهو فهم قاصر إن لم يكن فهم مضلل عمداً وقصداً !! والخطوة الثانية في طريق نصرة الحق هو التعامل الصحيح مع الصراع بين الحق والباطل بإتباع الحق وعدم الاعتداء حتى مع الباطل نفسه، كما في وصية أبي بكر الصديق خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لجنده "لا تغرقن نخلا، ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ، ولا النساء، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له".   والصراع بين الحق والباطل نتيجته محسومة " قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" ولكن هذا مقيد بمجيء الحق بالحق، فكم من حقوق ضاعت بسبب أن أصحابها ما قاموا بما يجب من الحق فيها، إما بتقصير أصلاً بالمطالبة بالحق أو خلل في طريقة التوصل للحق إما بالتهاون والتفريط – كحال بعض الأنظمة اليوم- أو التهور والاندفاع – كحال بعض فصائل المقاومة -. وكثيراً ما تضيع الحقوق بسبب عدم التعلم من دروس وعبر وتجارب الصراع السابقة بين الحق والباطل، فساحة الصراع بين الحق والباطل اليوم لا تنحصر بغزة بل لعلها تشمل كافة مناطق المسلمين، إما بالاحتلال والغزو المباشر كفلسطين والعراق والشيشان والصومال وغيرها من الجروح النازفة، أو بالبؤر الملتهبة من ظلم شركاء الوطن مسلمين كانوا أو غير مسلمين كحال سنة إيران أو الأكراد أو أهل باكستان وتونس وتايلند والصين وأمثالهم كثير، أو عبر صراع الأفكار والمبادئ الذي يستهدف قيم وعقيدة التوحيد الإسلامية في غالب بلاد المسلمين والذي يقوده اليساريين المتلفعين برايات رأسمالية للتمويه!! ومما يلفت النظر في الصراع بين الحق والباطل في غزة اليوم، أن أهل الحق منقسمين على أنفسهم وهذا سبب مهم في عدم حصول المطلوب من نصرة الحق؛ كما أن وجود فرق بين الشعارات والهتافات التي تحبها وتصدقها الجماهير وبين ممارسات القيادة العملية حيث تتسم بعقلانية وحكمة أكبر من الشعارات والهتافات، مما يجعل الفجوة بين مطالب الجماهير والواقع تتسع كما تتسع فجوة الخلاف بين الجماهير وقادة الطرف الآخر، رغم أن سياسات قادة الطرفين – بعيداً عن المهرجانات الخطابية – لا تختلف كثيراً في الحقيقة وإن اختلفت الجهات التي تكسب منها!! إن المساحة المسكوت عنها في ممارسة طرفي الحق من العقلانية وعدم التهور والهدنة غير المعلنة من فصائل المقاومة من جهة، والتحركات العملية وحتى العسكرية لقوى السلام والتفاوض يجب أن تكون هي القاسم المشترك الذي تجتمع عليه جبهة الحق في صراعها مع الباطل في غزة. إن إراقة الدماء هو الطريق للنصر، لكن الجريمة الكبرى هو تضييع هذه الدماء عن أن تعبد طريق نصرة الحق لتعبر طريق نصرة الذات مهما تغطت بشعارات براقة وجذابة، النصرة الحقيقية لدماء غزة هو سلوك الطريق القويم من عدم تضييع الحقوق بالتخاذل أو التهور، ولنشق لنا طريقاً أخر يجمع نقاط الخير والصدق عند كل أطراف مركب الحق – مع وجود عناصر فاسدة لا يرجى منها فائدة هنا أو هناك-.