(1) قلّما يخلو يوم من اتصال أو لقاء أُسأل فيه عن انتصار السلفيين في الانتخابات المصرية، هذا الانتصار المفاجئ والمخالف للتوقعات بحسبهم، لكنني كنت أوضح لهم أن خطأ صورتهم الذهنية عن الواقع السلفي في مصر هو سبب هذه المفاجأة والدهشة، وأن هذا التقدم للسلفيين في مصر شيء متوقع لمن يعرف الواقع السلفي في مصر ويعرف تاريخه. وفي هذا المقال إشارات سريعة لتاريخ السلفية وواقعها في مصر، علّها تصحح الصورة الذهنية السلبية عن السلفية في مصر في عيون الكثيرين من المراقبين والمتابعين: * السلفية دخلت مصر مع الصحابة الكرام الذين فتحوا هذا البلد سنة 21هـ، إذ السلفية هي الإتزام بفهم وتطبيق السلف (الصحابة) للدين، فالسلفية في مصر قديمة قِدم الإسلام نفسه وليست أمراً طارئا، كما حدث في بلاد أخرى دخلها الإسلام عن طريق بعض المسلمين من اتجاهات غير سلفية سواء كانوا دعاة أو تجاراً. * لقد عرفتْ مصر عدداً من كبار أئمة السلفية الذين تتلمذوا على الصحابة الذين سكنوا مصر في مرحلة التابعين وتابعي التابعين وهو العهد الذي شهد ظهور تيارات إسلامية جديدة لم تلتزم بفهم وتطبيق السلف (الصحابة)، منهم الإمام الليث بن سعد (ت 175هـ)، والذي قال فيه الشافعي: (الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به). ومنهم الإمام الشافعي الذي دخل مصر سنة 204هـ، وغيرهم كثير من التابعين وتابعيهم. * أهم متن في العقيدة عند السلفيين في العالم هو لإمام سلفي مصري هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة المعروف بالطحاوي، من طحا، قرية بصعيد مصر، ت 321هـ ومتنه معروف بالعقيدة الطحاوية. * لقد عاش شيخ الإسلام ابن تيمية عدة سنوات من عمره ( 705هـ- 712هـ) في مصر متنقلا بين القاهرة والإسكندرية حيث كان يُسجن حيناً ويفرج عنه حيناً آخر بحسب قوة أعدائه، وكان في سجنه وإقامته يؤلف بعض كتبه ويدرّس طلابه ومحبيه، وقد جمع بدر الدين الحنبلي البعلي (ت 771هـ) فتاوى ابن تيمية في مصر في كتاب سماه (الفتاوى المصرية) وقام شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية الشيخ عبدالمجيد سليم بتحقيق الكتاب. * في سنة 1233هـ وبعد استيلاء إبراهيم باشا على مدينة الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الثانية، قام بأسر عدد من آل سعود وإرسالهم إلى مصر، حيث كان ثلاثة منهم من أولاد الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وهم عبد الله وإبراهيم وعلي، وكان معهم عبد الرحمن بن حسين آل الشيخ، وكان مع عبدالله ابنه عبد الرحمن (1219-1274هـ) الذي عاش هناك وأخذ يتزود من طلب العلم على أبيه وأعمامه وعلى بعض مشايخ الأزهر في جميع العلوم حتى أصبح شيخ رواق الحنابلة في الجامع الأزهر. * لقد كان لجهود العلامة محمد رشيد رضا ومجلته المنار التي أسسها دور هام في تشكيل الوعي الإسلامي السلفي ليس في مصر فحسب بل في العالم الإسلامي كله، ومن تلك الجهود "مدرسة الدعوة والإرشاد" (تأسست سنة 1912م) التي كان أحد المعلمين فيها العلامة حامد الفقي مؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية، وكان الشيخ محمد عبد الظاهر أبو السمح، أحد مؤسسي جماعة أنصار السنة أحد طلابها. هذه إشارات تاريخية سريعة على تجذر السلفية في مصر وأنها ليست طارئة وحديثة كما يحاول البعض أن يصورها على أنها موجة حديثة متأثرة بعمل المصريين في الخليج وخاصة السعودية بعد الطفرة البترولية، وهؤلاء يتجاهلون حقيقة تاريخية هامة جداً وهي أن عدداً من الرموز السلفية المصرية الكبيرة سافر إلى السعودية مبكراً وساهم في تأسيس وبناء الدولة السعودية ونشر الدعوة السلفية في السعودية والعالم. فمؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية العلاّمة حامد الفقي سافر بعد تأسيس الجماعة سنة 1926م إلى السعودية، وذلك في عام 1928م وأشرف على تأسيس مجلة الإصلاح الحجازية وأصبح المشرف عليها. أما الشيخ عبدالرزاق عفيفي، الرئيس الثاني لأنصار السنة، فانتدبه الملك عبدالعزيز آل سعود للتدريس في السعودية سنة 1948م ومن ثم أشرف على إنشاء كليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض وتولى إدارة المعهد العالي للقضاء وأصبح عضوا بهيئة كبار العلماء. وعين الشيخ عبد الرحمن الوكيل، الرئيس الثالث للجماعة، أستاذاً للعقيدة بقسم الدراسات العليا بكلية الشريعة بمكة المكرمة، وذلك بعد أن كان نائبه الشيخ خليل هراس قد سبقه هناك بالتدريس بكلية الشريعة بمكة المكرمة وتأسيس قسم العقيدة للدراسات العليا. أما الشيخ محمد عبد الظاهر أبو السمح، أحد مؤسسي جماعة أنصار السنة، فقد طلبه الملك عبد العزيز ليكون إماماً وخطيباً ومدرساً بالمسجد الحرام في مكة المكرمة، ومن ثم يؤسس مدرسة دار الحديث ويتولى إدارتها. (2) تحدثنا في الأسبوع الماضي عن تاريخ الدعوة السلفية في مصر في إشارات تاريخية سريعة. ونواصل الحديث اليوم عن شخصية سلفية محورية في تاريخ السلفية في مصر وأول مؤسسة سلفية رسمية في مصر. أما الشخصية فهو العلامة محب الدين الخطيب الذي غادر دمشق حين دخلها الفرنسيون عام 1920م إلى مصر، حيث درس في مدرسة الدعوة والإرشاد التي أسسها الشيخ محمد رشيد رضا، وعمل في تحرير جريدة الأهرام لمدة خمس سنوات، ومن ثم أسس المكتبة السلفيّة ومطبعتها، حيث قام بطباعة الكتب السلفيّة، ونشر كثيراً منها، وأصدر مجلة الزهراء سنة 1924م، واستمرّت تصدر خمس سنوات، ثمّ أسس جريدة الفتح سنة 1926م واستمرت حتى سنة 1948م، ثمّ تولّى تحرير مجلة الأزهر ست سنوات (1952م- 1958م) لما تولّى مشيخة الأزهر الشّريف صديقه السيّد محمد الخضر حسين، وساهم في إنشاء جمعية الشبان المسلمين في القاهرة سنة 1927م وكان عضوا بمجلس إدارتها، وكان الخطيب مدير تحرير أول جريدة تصدر للإخوان المسلمين رغم كبر سنه إلا أنه كان يرغب بدعم الشاب حسن البنا في مشروعه، حيث لم يكن يملك البنا لإصدار المجلة إلا جنيهين فقط فتكفل الخطيب بطباعة المجلة في مطبعته واسترد الثمن من عائدات البيع!! وبعد هذه الجولة السريعة في الجهود الفردية لأعلام الدعوة السلفية في مصر، ننتقل للحديث عن أول مؤسسة سلفية جماعية عرفتها مصر وهي جماعة أنصار السنة المحمدية والتي تأسست سنة 1926م على يد العلامة حامد الفقي (1892م-1959م) منطلقة من مسجد الهدارة قرب قصر عابدين بالقاهرة، وبذلك يكون تأسيس أنصار السنة المحمدية قد سبق تأسيس جماعة الإخوان التي تأسست سنة 1928م. أدرك الفقي من خلال عمله في مجلة المنار ومدرسة الدعوة والإرشاد اللتين أسسهما رشيد رضا ومن خلال تجربته الشخصية بإيقافه عن الخطابة بسبب وشاية مغرضة ضرورة تكوين جماعة تحمل الدعوة السلفية لأن الجهود الفردية تموت بموت أصحابها. ولذلك شاور عدداً من العلماء السلفيين في الأزهر بشأن تأسيس الجماعة مثل الشيخ المحقق محمد محيي الدين عبدالحميد والشيخ عبدالمجيد سليم، وبعد إقرار نظام الجماعة سرعان ما أصبح لها فروع عدة في مصر، تبلغ اليوم في مصر 150 فرع. وقام بعض دعاة أنصار السنة المصريين وبعض الطلبة الوافدين أو المقيمين في مصر بنقل الفكرة إلى بلدانهم فتأسست جماعة أنصار السنة المحمدية بشكل مستقل عن مصر في السودان (1939م) وأرتيريا (1940م) والصومال وليبيريا (1989م). وأنصار السنة المحمدية هي هيئة ثقافية اجتماعية تعنى بنشر الدعوة الإسلامية والعلم الشرعي وتقديم المساعدات للمحتاجين، وذلك بجهود تطوعية شعبية ويقوم عليها مجموعة من العلماء، ورئيس الجماعة اليوم هو فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله شاكر. ولقد ساهمت الجمعية بجهود ضخمة جداً في نشر الوعي الشرعي الصحيح بين الشباب ولذلك لم تتورط الجماعة طوال تاريخها الطويل ولا قاعدتها الضخمة في فتن التطرف والإرهاب بل كان لها جهود قوية في علاج هذه الآفات عبر صفحات مجلتها التوحيد ومحاضرات وجهود علمائها ورموزها، وكان للمعاهد العلمية التابعة للجماعة دور بناء في تحصين الشباب ومحاصرة هذه الظاهرة ما نتج عنه فيما بعد مراجعات الجماعة الإسلامية وحركة الجهاد. لقد اختارت الجماعة تركيز جهودها في هذين المجالين للحاجة الماسة لهما فلا غنى للمجتمع المصري عن حياة القلب بالتوحيد والسنة فركزت على نشر التوحيد والسنة الصحيحة وحرب الشرك والخرافة التي كانت تتغلغل بين المصريين، ولم تهمل حياة الأبدان فأقامت العيادات الصحية والمشاريع الإنتاجية وحملات الإغاثة للفقراء والمساكين والتي استفاد منها آلاف المصريين. وهذه الجهود الضخمة التي أنفقت فيها مئات الملايين لم يكن خلفها طمع بالحصول على دور سياسي مستقبلي، بسبب عدم تطلع الجماعة لمثل هذا الدور وهو ما استمر عليه دور الجماعة بعد الثورة حيث لم تشارك في العمل السياسي وبقيت في مجالها العلمي والاجتماعي. لا سيما وأن الأوضاع في مصر طيلة العقود الماضية لم تكن تدفع بإمكانية مشاركة الإسلاميين صراحة بالمجال السياسي. ولكن هذا لا يعنى عدم اهتمام الجماعة بالشأن العام بل إن تاريخ ومواقف الجماعة يؤكدان متابعتها للشأن العام وبيان وجهة نظرها في ما يجرى، وقد وثق كثير من هذه المواقف عادل السيد في كتابه "الحاكمية والسياسة الشرعية"، ومن ذلك تأسيس مجلس شورى العلماء برئاسة الشيخ عبدالله شاكر رئيس الجماعة لمواكبة الأحداث الجارية في مصر بعد الثورة. وشهد تاريخ جماعة أنصار السنة المحمدية في سنة 1967م قيام جمال عبد الناصر بدمج جماعة أنصار السنة السلفية مع الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة التي أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي سنة 1912م، وتعيين الفريق عبدالرحمن أمين رئيساً للجمعية الشرعية وذلك ضمن سياسة عبدالناصر في ضرب التيار الإسلامي عموماً والإخوان خصوصاً. والشيخ السبكي وجمعيته ينتمون إلى المدرسة الأشعرية ولكن بسبب الاحتكاك بين أنصار السنة والجمعية الشرعية تحولت الجمعية الشرعية إلى المنهج السلفي بدرجة كبيرة جداً، وفي عام 1971م سُمح لجماعة أنصار السنة بالعمل الرسمي المستقل من جديد وهو ما يعد التأسيس الثاني لها وبرئاسة محمد رشاد الشافعي. تفرع عن جماعة أنصار السنة المحمدية بعض المؤسسات الدعوية السلفية في مصر مثل: * المركز الإسـلامي لدعاة التوحيد والسنة، والذي تأسس سنة 1968م على يد الدكتور محمد جميل غازي والذي كان نائب رئيس الجماعة في عهد الشيخ الشافعي، وأصبح المركز جمعية مستقلة، لها جهود متميزة على صعيد العلم الشرعي والإعانة الاجتماعية والصحية للفقراء، ومقرها في القاهرة بمسجد العزيز بالله. * جماعة دعوة الحق الإسلامية، تأسست بالقاهرة سنة 1975م على يد الدكتور سيد رزق الطويل عميد كلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، الذي كان من علماء أنصار السنة جماعة ولكن بسبب بعض الخلافات العلمية مع علماء في الجماعة انفصل وأسس جماعة دعوة الحق، ولها مجلة الهدي النبوي، التي تعد استمراراً لمجلة الهدي النبوي التي كانت تصدرها جماعة أنصار السنة منذ نشأتها. وجماعة دعوة الحق أيضا تنشط في المجال الشرعي والاجتماعي ولها جهود مشكورة في هذا المجال. ومما ينبغى ذكره أنه رغم تعدد وجهات النظر وتعدد الأطر التنظيمية الرسمية إلا أن هناك تعاونا وثيقا بين هذه المؤسسات السلفية، فيما بينها ومع بقية التجمعات السلفية الأخرى وسائر الحركات الإسلامية في مصر. (3) حديثنا اليوم هو عن الدعوة السلفية في الإسكندرية والتي تعد مرجعية وحاضنة حزب النور السلفي والذي حصل على ما يقارب من 25 % من مقاعد البرلمان المصري مؤخراً (بالتحالف مع حزب الأصالة وحزب البناء والتنمية، لكن غالب المقاعد لحزب النور). وهنا يجب أن نفرق بين الدعوة السلفية في مصر والتي تضم كافة التوجهات السلفية التي تلتقي على الأسس السلفية وهي التوحيد والاتباع وبين الدعوة السلفية بالإسكندرية والتي هي جماعة مخصوصة ولها كيانها التنظيمي الخاص بها ولها آراء خاصة بها في بعض القضايا دون بقية المكونات السلفية في مصر. تكونت الدعوة السلفية بالإسكندرية من مجموعة من الطلاب الجامعيين (بين عامي 72- 1977) الذين تأثروا بجهود جماعة أنصار السنة المحمدية بالإسكندرية، وحين دخلوا إلى الجامعات في زمن السادات الذي سمح بالعمل الإسلامي كانوا في طليعة ما عرف بـ "الجماعة الإسلامية" في الجامعات التي كانت تعج بالنشاط الطلابي اليساري. وهم يعتبرون أنفسهم امتداداً لجهود مؤسسي جماعة أنصار السنة المحمدية كالشيخ حامد الفقي، والعلامة أحمد شاكر، والشيخ عبدالعزيز النجدي أحد العلماء السلفيين الذين سكنوا الإسكندرية. وحين خرج الإخوان من السجون في السبعينيات من القرن الماضي انقسمت الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية والتي كانت توجهاتها سلفية إلى ثلاثة تيارات: فبعضهم انضم إلى جماعة الإخوان مثل عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح وإبراهيم زعفراني ومحمد حبيب، وقسم ثانٍ تبنى خيار العنف واحتفظ بالاسم "الجماعة الإسلامية" مثل كرم زهدي وناجح إبراهيم وعصام عبد الماجد، في حين استمر البعض على الخط السلفي مثل: محمد إسماعيل المقدم، وأحمد فريد، وسعيد عبد العظيم، ومحمد عبد الفتاح، وياسر برهامي وأحمد حطيبة، وأسسوا ما عرف بالمدرسة السلفية عام 1977م والتي تحولت لاسم الدعوة السلفية عام 1984م. وأسست الدعوة السلفية في عام 1986 "معهد الفرقان لإعداد الدعاة" لتكوين الشباب وتربيتهم التربية السلفية وقد كان منهج المعهد أقوى من مناهج الأزهر وقد سُلم للأوقاف سنة 1994 لكنه أغلق لعجز الأوقاف عن إدارته، وقد تخرج من المعهد الكثير من الدعاة الذين انتشروا في عدد من المحافظات ونشروا الدعوة السلفية في مصر، وهو ما ظهرت نتائجه في القدرة على سرعة تكوين حزب النور وتجميع الطاقات والكفاءات وتقديم مرشحين في غالب الدوائر الانتخابية، والحصول على نسبة مذهلة والفوز في وقت قصير جداً كانت أبرز نتائج الانتخابات المصرية الأخيرة. وكان للدعوة السلفية بالإسكندرية مجلة شهرية تنطق باسمها تسمى "صوت الدعوة" أوقفتها السلطات نهائيا سنة 1994م بعد أن تعرضت لضغوطات كثيرة أثرت على انتظام صدورها. ولم يقتصر نشاط الدعوة على العمل العلمي الشرعي بل كان لها نشاط اجتماعي من خلال لجنة الزكاة التي كانت ترعى الفقراء والأيتام في مناطق الإسكندرية المختلفة. ولإدارة هذا العمل الكبير تم إنشاء هيئة عامة سنة 1984م تتكون من الدعاة البارزين الذين تم انتخابهم من قبل أفراد الدعوة السلفية، والتي بدورها - وعبر الاقتراع السري المباشر - اختارت مجلس إدارة ورئيساً لقب بـ "القيم"، وضم المجلس الشيخ "محمد عبد الفتاح أبو إدريس" قيمًا، والشيخ "ياسر برهامي" نائبًا، وعضوية كل من: الشيخ محمد إسماعيل، والشيخ أحمد فريد، والشيخ أحمد حطيبة، والشيخ سعيد عبد العظيم، والشيخ علي حاتم. وقد اعتمدت الأغلبية في اتخاذ القرارات وعند التساوي يرجح الطرف الذي فيه "القيِّم". وقد أجبرت السلطات الأمنية الدعوة على حل هذه الهيئة عام 1994 بعد حملة اعتقالات واسعة لرموزها وكوادرها، وهذا التضييق على الجماعة مع عدم جدوى العمل السياسى العام في حقبة مبارك هو سبب عزوف الجماعة عن المشاركة في اللعبة السياسية البرلمانية آنذاك. وبعد ثورة 25 يناير 2011، قامت "الدعوة السلفية" بالإسكندرية بتأسيس جمعية "الدعاة" (رفضت وزارة التضامن الاجتماعي قبول اسم جمعية الدعوة السلفية) لتنظيم هيكل الدعوة الإداري والذي أصبح يتكون من: مجلس أمناء يضم الشيوخ المؤسسين للجماعة، وهم: الشيخ محمد إسماعيل المقدم، الشيخ محمد عبد الفتاح (أبو إدريس)، الشيخ أحمد فريد، الشيخ سعيد عبد العظيم، الشيخ ياسر برهامي، الشيخ أحمد حطيبة، مهمته تقويم العمل من الناحية الفكرية. وكذلك مجلس شورى مكون من 203 أعضاء روعي في تشكيله التوزيع الجغرافي للمناطق التي للدعوة وجود فيها، وتمثيل الأنشطة النوعية، والشرائح العمرية، والشرائح الفنية. واختير الدكتور محمد يسري إبراهيم رئيسا له. وانتخب مجلس الشورى، مجلس إدارة جديداً للجمعية يتكون من: الرئيس العام وهو الشيخ أبو إدريس، والشيخ ياسر برهامي نائبًا أولا، والشيخ سعيد عبد العظيم نائبًا ثانيًا، إضافة إلى 12 عضوا آخرين. من هذا الاستعراض التاريخي السريع ندرك سبب انفصال هؤلاء الدعاة عن العمل من داخل جماعة أنصار السنة المحمدية، فهؤلاء الدعاة كانوا شبابا ذوي طاقة وحيوية في الوقت الذي كانت أنصار السنة قد سمح لها للتو بالعودة سنة 1971م – بعد ضمهم للجمعية الشرعية- كما أن القائمين على أنصار السنة بالإسكندرية كانوا غير قادرين على مجاراة شباب متحمس ومن خلفية أكاديمية، إلا أن بعض شيوخ أنصار السنة مثل الشيخ محمد صفوت نور الدين – والذي أصبح رئيس الجماعة لاحقاً – كان على علاقة طيبة بهم لما كان يتمتع به سعة أفق وقدرة على تفهم وجهة نظرهم، كما أن التباين في بعض وجهات النظر ساهم في تمايز الجماعتين. تتميز الدعوة السلفية بالإسكندرية بعدة ميزات وهو ما ينطبق على حزب النور الذي انبثق من قاعدتها الشعبية، منها: 1- غلبة الروح الشبابية على الدعوة قيادة وأفراداً، فأكبر شيوخها يبلغ عمره 60 سنة وهو الشيخ محمد إسماعيل المقدم، ورئيس حزب النور عماد عبد الغفور في منتصف الخمسينات، وكذلك سائر شيوخ الدعوة السلفية ورموزها وأيضاً قادة ومرشحو حزب النور كثير منهم من الشباب، بل أصغر مرشح للانتخابات كان أحد مرشحي حزب النور، وهو ما يشرح قدرة الدعوة والحزب على تحقيق هذا الحضور الواسع والفوز السريع الذي يحتاج جهداً وطاقة كبيرة. 2- التأهيل العلمي الأكاديمي في مختلف التخصصات، فقيّم الدعوة أبو إدريس مهندس، والشيخ محمد المقدم طبيب نفسي، وياسر برهامي جراح أطفال لكنهم درسوا في الأزهر تالياً وأخذوا شهادة الشريعة، والشيخ سعيد عبد العظيم وأحمد فريد طبيبان، وعبد المنعم الشحات مهندس، ومحمد يسري رئيس مجلس الشوري يحمل شهادتي دكتوراة في الشريعة والهندسة، وغالب مرشحي حزب النور هم من أساتذة الجامعات وحملة الشهادات العلمية المختلفة، ويستوي في ذلك الرجال والنساء فمثلا إحدى مرشحات حزب النور تحمل درجة الدكتوراة وتعمل بهيئة الطاقة النووية، علماً بأن حزب النور قدم 60 مرشحة وهو أكبر عدد من المرشحات على مستوى الأحزاب. وبالتأكيد ستساعد هذه الخلفية الشرعية والعلمية في الاستجابة الواعية والحكيمة للتحديات العصرية بوعي وأصالة، وستكشف الأيام عن قدرة هذا التيار على تقديم اجتهاد إسلامي عصري منضبط شرعياً. 3- تاريخ من العمل والجهد التراكمي يصل لـ 40 سنة في في قطاع الدعوة والعمل الإجتماعي والعمل الوظيفي، فيه الكثير من الخبرات والتجارب والعلاقات، مكنت الدعوة وحزب النور من تكوين حزب ووضع هيكله الإداري وبرنامجه وتنظيم حملة انتخابية ضخمة بميزانية متواضعة، كما أن هذا التاريخ الطويل للدعوة هو ما مكنها من تقديم الكثير من الكفاءات والطاقات لحمل فكرها ومنهجها والانتشار الواسع لوجودها الذي يغطي مصر كلها حتى المحافظات البدوية، مما يشكل حاضنة شعبية للمشروع من جهة ووعياً تاماً بنبض الشارع عبر تواصل طويل مع احتياجات الشارع وطموحاته. (4) في هذا الأسبوع والذي نختم فيه الحديث عن السلفية في مصر سنقوم سريعاً بالتعريف بأبرز العناوين للجهود السلفية الفردية وبعض التجمعات السلفية الصغيرة وحديثة التكوين. فبسبب ما تتميز به مصر من عمق تاريخي وكثافة بشرية كان من الطبيعي وجود الكثير من العلماء والدعاة والرموز السلفيين فيها، وبسبب الأوضاع الأمنية الاستثنائية – سابقا – كانت الصلات والروابط بين رموز السلفيين في عموم مصر ضعيفة إذ كانت السلطات تمنع كثيراً من العلماء والرموز السلفيين من التنقل بين المحافظات المصرية فضلاً عن السفر إلى لخارج وهذا أدى إلى ظهور جهود فردية وتجمعات محدودة تعتمد على القرب الجغرافي في السكن أو الدراسة أو العمل. وهذه الجهود الفردية يصعب حصرها لكثرتها من جهة ولعدم شهرة الكثير من أصحابها، كما يصعب تقديم تصنيفات وتقسيمات دقيقة لتوجهاتهم بسبب تشابك كثير من القضايا والتوجهات بينهم، ولذلك فإن غالب الكتابات عن الجهود السلفية الفردية كانت سطحية وغير دقيقة وفيها أخطاء كبيرة. ولكي نقدم معلومة دقيقة وسليمة عن الرموز السلفية الفردية في مصر يجب أن يقتصر الحديث على جانب معين ومحدد من التقسيم لينضبط الحديث. يمكن أن نرسم صورة تقريبية للجهود السلفية الفردية من خلال النقاط التالية: 1- العلماء والدعاة الذين ظهروا على الفضائيات قبل الثورة، مثل الشيوخ محمد حسان، أبو إسحاق الحويني، محمد يعقوب، مصطفى العدوي، وحيد بالي، وقد تكون فرديتهم هي السبب الرئيس في سماح الأمن المصري لهم بالظهور على الفضائيات في الوقت الذي كانت تمنع فيه آخرين مثل الشيخ محمد عبد المقصود والشيخ نشأت أحمد وشيوخ الدعوة السلفية بالاسكندرية. وهؤلاء العلماء والدعاة لهم تاريخ طويل في الدعوة والتعليم قبل ظهورهم على الفضائيات وبعضهم عنده مراكز إسلامية قد تكون تابعة إداريا لأنصار السنة أو الجمعية الشرعية، لكنه هو من يضع منهجه العلمي والتربوي ويكون له تواجد كبير في مكان سكنه ويأتيه بعض الطلبة من أماكن بعيدة. وظهورهم في الفضائيات جعل لهم شعبية كبيرة جداً في مصر وخارج مصر. إلا أنهم جميعا لم ينخرطوا بشكل مباشر في ترشيح أنفسهم للبرلمان أو الانضمام لحزب محدد مع دعمهم للتيار الإسلامي عموماً والسلفي خصوصاً، ورغم تباين وجهة نظرهم في ما يحصل وفي اجتهاد بعض السلفيين الآخرين إلا أنهم لم يهاجموهم ويدخلوا معهم في صراعات معلنة. كما أن مقاربتهم للأحداث في مصر تنوعت كثيرا، فحسان نزل للميدان مبكراً للتحذير من اصطدام الشعب بالجيش ومن ثم انحاز للثورة وانخرط في الشأن العام كدوره في نزع صمام الفتنة بين المسلمين والنصارى ومشاركته مع المجلس العسكري والأزهر للوصول إلى تفاهمات وإطلاق مبادرات ترسخ الوحدة الوطنية ودعوته للسلفيين أن يتفاعلوا مع المستجدات السياسية الجديدة في مصر ومن ثم تأييده للتيار الإسلامي السلفي والإخوانى في الانتخابات، وعضويته في مجلس شورى العلماء السلفي، أما الشيخ أبو اسحاق فقد لزم جانب السكوت معظم الوقت ويبدو من بعض تصريحاته القليلة أنه غير متفائل بالمستقبل، إلا أنه لم يهاجم – كما فعل البعض – السلفيين الذين شاركوا وانخرطوا في العملية السياسية، أما الشيخ يعقوب فقد شارك في البداية لكنه بسبب تعليق له عن نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية تعرض لهجمة إعلامية علمانية شرسة جعلته ينأى بنفسه عن الشأن العام. 2- في نفس الوقت الذي نشأت فيه الدعوة السلفية في الإسكندرية ظهرت في حي شبرا بالقاهرة جهود لبعض طلبة الجامعات السلفيين من أبرزهم د. سيد العربي ود. محمد عبد المقصود والشيخ نشأت إبراهيم والشيخ فوزي السعيد لكن أبرز ما اختلفوا فيه عن شباب الاسكندرية هو التصريح بكفر الحاكم الذي لا يحكم بالإسلام، لكنهم رفضوا العمل العسكري ضد الحاكم بخلاف الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد آنذاك. وتعرضوا لمضايقات أمنية شديدة على خلفية موقفهم بدعم حماس في غزة أثناء عدوان 2001 حيث أفتوا بجمع الأموال والمشاركة معهم فتم اعتقال والحكم على مجموعة منهم بمدد مختلفة أما الشيخان نشأت إبراهيم وفوزي السعيد فقد قضوا عدة سنوات في السجن قبل أن تبرئ المحكمة ساحتهم!! وقد شاركوا في الثورة من أول يوم وانخرطوا في العمل السياسي والإعلامي مباشرة، ويعد الشيخ عبد المقصود موجه حزب الفضلية قبل أن يحصل فيه خلاف وينشق عنه حزب الأصالة الذي تحالف مع حزب النور ويرأسه اللواء عادل عبد المقصود شقيق الشيخ. 3- هناك ما يعرف بالسلفية الأزهرية وهم بعض العلماء السلفيين في الأزهر وأبرزهم الشيخ أسامة عبد العظيم والشيخ محمد الدبيسي والشيخ أبو ذر القلموني والشيخ محمد حسين يعقوب، وهي مدرسة تركز على جانب العبادة والزهد والرقائق. وتتميز هذه المدرسة بالبعد عن العمل السياسي وهو الموقف الذي اختاره الشيخ عبدالعظيم منذ مقتل السادات وما تبعه من تضييق على العمل الإسلامي، ولذلك كان موقفه سلبياً من الثورة لخوفه من إخفاقها ولأنه يعتبرها وسيلة غير صحيحة للتغيير، ويقال أنهم لم يمنعوا تلاميذهم من المشاركة من التصويت للانتخابات البرلمانية. 4- بعض الدعاة السلفيين الذين سعوا لتأسيس أحزاب لكنهم لم يتمكنوا من ذلك بسبب تواجدهم في محافظة معينة مما أعاق جمع توكيلات من محافظات أخرى، وفضلوا التهاون مع جماعة الإخوان وترشحوا على قوائم حزب العدالة والحرية مثل حزب الإصلاح السلفي برئاسة د.عطية عدلان الذي فاز على قوائم حزب الحرية والعدالة، ويعد الشيخ هشام عقده من مرجعياته الشرعية. 5- بعض الدعاة السلفيين الذين رفضوا تكوين أحزاب سلفية على اعتبار أن هذا انحراف عن خط الدعوة والتعليم والتربية، وأن المشاركة السياسية يمكن أن تكون بدعم الإخوان كونهم أقدر على لعبة السياسة مثل الشيخ أحمد النقيب. 6- مجموعة من الدعاة السلفيين يطلق عليهم لقب (المدخليون) ـ نسبة إلى د. ربيع المدخلي بالسعوديةـ ومن رموزه: الشيخ أسامة القوصي، والشيخ محمود لطفي عامر، والشيخ محمد سعيد رسلان، ود.طلعت زهران، وما يميزهم هو مهاجمتهم لبقية المدارس السلفية واتهامها بالتطرف، كما أن لهم موقفاً حاداً جداً تجاه الجماعات الإسلامية وقادتها خاصة سيد قطب، كما تتميز هذه المجموعة بالمغالاة المفرطة في الولاء للأنظمة الحاكمة، فقد أفتى محمود عامر بقتل البرادعي بسبب منافسته لمبارك مما أغضب عليه الجميع حتى جهاز أمن الدولة الذي وبخه على هذه الفتوى، وبعدها أفتى بقتل القرضاوى لدعمه للثورة المصرية، والعجيب أنه بعد هذا أعلن ترشحه للرئاسة في مصر!! ومما يجدر التنبه له هنا أن هذا التيار محدود التأثير في مصر وكثير الانشقاق على نفسه، وأجندتُه تقوم على الهدم فقط دون البناء، وغلوهم في طاعة الحكام هو ردة فعل على غلو جماعة الإخوان في تنزيل أحاديث طاعة الأمير والبيعة على طاعة مرشد الإخوان والبيعة له، فغلو في إنزالها على الحكام إذ أن د.المدخلي كان إخوانيا ثم انقلب عليهم. وقد أفسح المناخ السياسي في مصر بعد الثورة ظهور بعض التجمعات السلفية الشبابية المتنوعة مثل: الجبهة السلفية بمصر، ائتلاف الشباب السلفي، سلفية كوستا، وغيرها. ومما يمتاز به الوسط السلفي في مصر عموماً وجود الكثير من الصلات والتنسيق برغم تباين الآراء في بعض القضايا، حيث هناك تبادل للزيارات وإلقاء المحاضرات والظهور المشترك على الفضائيات وعضوية بعض الهيئات مثل "مجلس شورى العلماء" و"الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح"، باستثناء مجموعة الدعاة التي تنسب للتيار المدخلى أو الربيعي والتي لا تعترف بغيرها ولا تتعاون معهم.
السلفية في مصر
2014/08/01
الرابط المختصر
Image