(هذه الأفكار الأساسية لورقتى في ندوة السلفية أسئلة المشاركة السياسية) * المقصود بالسلفيين في هذه الورقة هو العلماء والمجموعات والجماعات والمؤسسات السلفية الأصيلة والتي تمتد في التاريخ وتنبذ العنف والتطرف، فجمعات الغلو والتطرف والقاعدة لا أعتقد أنها سلفية بل هي جماعات تتلحف باسم السلفية وإلا فإن أفكارها التي فاصلت بها السلفية هي أفكار وافدة من شخصيات وقناعات غير سلفية. * تعامل السلفيين مع الديمقراطية بإيجابية عموما، فقد تبنوا حق الأمة في تعيين حكامها ومحاسبتهم واعتماد آلية الإنتخاب في وصولهم للسلطة، وقد لخصوا ذلك بقولهم: السيادة لله والسلطة للأمة . وذلك لأنهم يؤمنون بحرمة الخروج المسلح على الحاكم والأمة وما يترتب عليه من مفاسد وغراقة الدماء، وأن الجهاد السلمي (بتعبير المحدث أحمد شاكر) هو السبيل المتاح والأفضل. ولذلك رأينا قادة السلفيين والذين هم قادة الإسلاميين من نهاية القرن التاسع عشر وهم يؤسسون الجمعيات والأحزاب التي تعمل من أجل تحقيق ذلك، ولنا في الشيخ محمد رشيد رضا مثال فقد أسس جمعية الشورى العثمانية من أجل وضع دستور يحكم الدولة العثمانية ويضمن مشاركة الامة في السلطة والتخلص من الاستبداد، ومن ثم دعا إلى اللامركزية وأسس حزب اللا مركزية العثمانية وكان رئيساً له، وتولى رئاسة المؤتمر السوري العام والذي هو برلمان سوريا بعد قيام الدولة الفيصلية في دمشق، وعمل على إقامة نظام ملكى دستوري. - قدم رشيد رضا سنة 1915 مشروع دولة عربية تضم الجزيرة العربية والعراق وسوريا لتكون خلافة إسلامية تضمن الحقوق الدينية والدنيوية لجميع الفئات مضمون بقوة القانون. رشيد رضا كان نائب رئيس حزب الإتحاد السوري والذي يرأسه ميشيل لطف الله موقف حزب الله من النص على دين سوريا في البرلمان موافقته على ترشح وانتخاب المراة حسن البنا يعتبر امتداد لفكر رشيد رضا - محب الدين الخطيب وكامل القصاب وامثالهم على غرار رشيد رضا - وكان ابن باديس يصرح في مقالاته بأفضلية الديمقراطية على الديكتاتورية وحق الامة في انتخاب قادتها. - البشير الإبراهيمي فرغم قيادته للثورة الجزائرية واعطائها الشرعية الدينية وحشد العالم خلفها من اذاعة صوت العرب بالقاهرة، إلا انه حين رجع للجزائر بعد التحرير وضع في الإقامة الجبرية بسبب رفضه الديكتاتورية التي انتهجها بن بيلا ورفقاه. - علال الفاسي مؤسس حزب الاستقلال المغربي والذي ركز على وضع دستور ديمقراطي متوافق مع الشريعة الإسلامية للمغرب عقب الاستقلال لكنه تعرض لمؤامرة أفرغت مسعاه بتزوير الانتخابات من قبل الحكومة واليساريين. - أحمد شاكر الذي كان يرى ان الانتخابات هي ساحة الصراع مع الرافضين لتحكيم الشريعة - الشيخ الألباني كان مشاركا بفعالية في الانتخابات السورية في الخمسينات قبل تسلط حزب البعث كما في شهادة الشيخ زهير الشاويش وهو ما اعترف به تلميذه علي الحلبي مؤخرا - الشيخ احسان الهي ظهير كان نائبا في البرلمان الباكستانى في السبعينات عن جمعية اهل الحديث والتي كان يرأسها - في العصر الحاضر شارك السلفيين في الانتخابات في الكويت والبحرين ولهم مشاركة سياسية في السودان. - وقد ايد غالب العلماء السلفيين مشاركة السلفيين بالترشح والانتخاب : ابن باز – ابن عثيمين – الالباني – عبدالرزاق عفيفي – عبدالمحسن العباد – عبدالرحمن البراك – مركز الألبانى في فتواه بخصوص العراق - والأن بعد الثورات العربية رأينا نشأة عدد من الأحزاب السلفية التي شاركت في العملية الديمقراطية، كحزب النور في مصر، والذي فاجأ المراقبين بنتائجه وتصرفاته، فقد عرض التحالف على حزب الوفد في البرلمان، وتميز بأدائه البرلماني وفي اللجنة التأسيسية للدستور. * فلماذا كان هناك عزوف سلفي عن الديمقراطية في العقود الخمسة الماضية ؟ موجة الحكم الشيوعي واليساري التي اجتثت التيار الإسلامي بعامة، سوريا مصر العراق المغرب الجزائر ليبيا، والتي اجهضت تواصل هذه الجهود، ولأن السلفية تهتم بالدين والعلم وتعتبر السياسة فرع منهما بخلاف بعض الجماعات الأخرى مثل الاخوان وحزب التحرير التي جعلت السياسة أولويتها، فقد استمرت السلفية في اداء دورها العلمي والديني والاجتماعي لكونها من صميم نسيج الأمة ومعبر عن هويتها الحقيقية. تشويه صورة الديمقراطية بممارسات الديمقراطية الشيوعية والإشتراكية في البلاد العربية، وأنها عملية عبثية لا قيمة لها. انحياز السلفية في تلك المرحلة للدولة السعودية، والتي كانت تواجه عداء الانظمة الشيوعية لها من جهة، ولكون تحكيم الشريعة فيها متحقق وليست مستعمرة، والعلاقة بين العلماء والوجهاء والحكام متيسر وقائم، مما جعل ألوية الحفاظ عليها مقدم على المطالبة بانتخابات . زيادة الغلو العلماني بربط الديمقراطية بالعلمانية والتحرر الأخلاقي والإلحاد. ضعف البنية التنظيمية للدعوات السلفية. * لماذا شارك السلفيين بقوة الآن في الديمقراطية ؟ تغير البيئة وشروط اللعبة مما يمكن معه وجود ممارسة سلفية ديمقراطية حقيقة باعلاء المطالبة بتحكيم الشريعة والحفاظ على الهوية الإسلامية للأمة، وتحقيق انجازات ملموسة على هذا الصعيد. استكمال عدد من الدعوات السلفية للبنية التنظيمة أو الحضور المجتمعى الفاعل. الضغط على الأحزاب التابعة لجماعة الإخوان المسلمين بعدم التفريط في الحقوق السياسية الإسلامية. * هل للسلفين تنظير بخصوص الديمقراطية خاص بهم ؟ لا، فالتنظير السلفي للديمقراطية هو مماثل لتنظير كثير من العلماء والباحثين غير السلفيين، مثل الشيخ القرضاوي وفتحي يكن وعبدالكريم زيدان وعبدالرحمن حسن حبنكة وتوفيق الشاوى ومحمود الخالدي وطارق البشري مع خلاف في بعض التفاصيل وشدة الأسلوب ووضوح في العبارة. فالجميع متفق على أن: السيادة هي لله عز وجل وأن السلطة للأمة. فليس للأمة أن تحرم حلالاً ولا أن تحل حراماً. وأن الديمقراطية ليست هي الشورى بل هي أقرب ما تكون للشوري. وأن الدولة الثيوقراطية مرفوضة أن المطلوب دولة مدنية والتي لا تعنى دولة علمانية. وأن القبول بها هو خطوة في طريق العودة لقيام نظام حكم إسلامي كامل يحقق للناس العدل والأمان ويحفظ لهم حقوقهم الشرعية وتداول السلطة ضمن ثوابت المجتمعات الإسلامية. وهم يرفضون بعض الاوهام العلمانية حول الديمقراطية: الديمقراطية لا بد أن تكون علمانية: إذا الديمقراطية عرفت قبل العلمانية بقرون كثيرة. الديمقراطية لابد أن تكون ليبرالية: وبالمثل الديمقراطية سابقة، ثانيا أي ليبرالية تريدون ؟ الديمقراطية تأخذ كاملة: لا يوجد وصفة نهائية للديمقراطية بل هي متطورة دوما !! الديمقراطية هي ارقي ما وصلت له البشرية: الديمقراطية هي التى افرزت الفاشية والعنصرية والنازية، والديمقراطية هي التي تقود سياسات إسرائيل وامريكا العدوانية ضد فلسطين شعباً وأرضاً ومقدسات. ليس المطلوب هو موقف السلفيين من الديمقراطية بل المطلوب هو مدى جدية الديمقراطية بقبول السلفيين ؟ أوروبا احتلت كثير من العالم الإسلامي ولسنوات طويلة فهل أقامت ديمقراطية فيها ؟ أو حكمتها بالديمقراطية ؟ حين خرج الإستعمار لجأ إلى تسليم الحكم لمن خدم مصالحه تحت غطاء الديمقراطية، وبهذه الحجة قمت الشعوب عشرات السنين. هل يحترم دعاة الديمقراطية دين الأمة ويتعهدون بعدم ابطاله وتفريغه من محتواه. دعاة الديمقراطية العلمانيين لم يتحرجوا من خدمة الحكومات الإستبدادية ضد التيار الوطنى الإسلامي. حين كان الإسلاميين يفوزون بالديمقراطية كانت تقلب الطاولة عليهم كما حدث في الجزائر وبمباركة الديمقراطيين في الشرق والغرب. فدعاة الديمقراطية لم يتحرجوا من المطالبة بالحكم العسكري رفضاً لفوز السلفيين والإخوان بالانتخابات في مصر. مع دعوى الديمقراطيين بحرية الشعوب في حكم نفسها إلا أنهم يعتبرون الشعوب قُصر لا يعرفون مصلحتهم. لم يخجل الديمقراطيين العلمانيين من المطالبة بمواد فوق دستورية لتحجيم الإسلاميين ويرفضون تقييد الديمقراطية بالشريعة ! الديمقراطيين يرفضون فرض قوانيين رغماً عن الشعوب وينادون جهاراً نهاراً بفرض المواثيق الدولية العلمانية خاصة النسوية منها رغما عن الشعوب !! التعديل المستمر لقوانيين الإنتخابات لإقصائهم وتحجيمهم لصالح الحومات والتيارات العلمانية، حتى أصبحت (اللعبة الديمقراطية) لا قوانين ثابتة لها بل " كلما أبلوا بلاءً حسناً، أعيدت كتابة قواعد اللعبة لاستبعادهم" كما رصد ذلك د. عمرو حمزاوي في كتابه (الإسلاميون في البرلمانات العربية، بالإشتراك مع وناثان ج. براون، ص 74)، والذي أصدره في عام 2010. * القضية الأساسية كانت الحفاظ على هوية الأمة وتحكيم الشريعة، ولذلك في العهد العثماني كانت المطالبات بالعدل والحرية وعبر الشوري واللامركزية، ومن ثم تحولت مع استيلاء الإتحاديين على الدولة العثمانية إلى الإستقلال عن تركيا، ومن ثم الدول المستعمرة الأوروبية، ثم تحولت إلى المطالبة بتحكيم الشريعة مع بزوغ الدولة القطرية. وهم يستوعبون أن الديمقراطية قال مكفرسون في كتابه معنى الديمقراطية الحقيقي " كانت الديمقراطية حتى مائة سنة خلت شيئاً سيئاً، وفي الخمسين سنة التالية أصبحت شيئاً حسناً، وفي الخمسين الأخيرة أصبحت شيئاً غامضاً ". قال مكايفز "إن الذي يميز الديمقراطية عن غيرها من الأنظمة هو مشاركة المواطنين في اختيار قادتهم فالديمقراطية ليست طريقة في الحكم بقدر ما هي طريقة لتحديد من سيحكم " صموئيل هنتجتتون " النظام يصبح ديمقراطيا حين يتم اختيار قادته عن طريق الإنتخابات الدورية العادلة التي يتنافس خلالها مرشحون لكسب أصوات الناخبين " داريوش شايجان " لكي يكون هناك ديمقراطية لابد اولاً من أن يكون هناك علمنة للعقول والمؤسسات وأن يكون الفرد – كفرد – ذاتاً مستقلة قانوناً وليست نفساً مغفلة ذائبة في الكتلة الهلامية للأمة الجماعة الإسلامية وأن يكون القانون قاعدة تعاقدية واخيرا وأن تكون السيادة القومية قد سيطرت بشرعيتها الوجوبية " ومن هنا فإن جوهر الصراع هو رفض فرض الرؤية الغربية العلمانية كمرجعية عليا، تقاس بها المفاهيم والمواقف والمؤسسات. فالحرية والتعددية والحقوق يتم تقييدها بقيود كثيرة في الرؤية الغربية، ولكنها لا تتوافق دوماً مع الرؤية الإسلامية. فمثلاً يطالب الإسلاميين والسلفيون – بعد تطويع الإخوان فيما يروج العلمانيون- بالقبول بحق الشيوعيين بالحكم وتطبيق رؤيتهم في المجتمع إذا انتخبتهم الجماهير، أو حقهم بممارسة حرياتهم الفردية في الشارع إذا كانوا في المعارضة. ولكن مأزق العلمانية انها ترفض مثلاً الترخيص لحزب التحرير أو تنظيم القاعدة في الدولة العلمانية، وحقهم في الحكم. ثانياً هم لا يمانعون من تقييد حرية الفرد في كثير من التصرفات كالمنع من التدخين في اماكن محددة و وجوب خفض الصوت في المنزل ومنع قيادة السيارة وحيازة السلاح بلا رخصة، فهذه حريات فردية جاز عندهم تقييدها ويرفضون ان تقوم الشريعة بتقييد حريات اخرى ؟ الخلاف الحقيقي هو في المرجعية للديمقراطية والتعددية والحريات الفردية، فالسلفية لن تتخلى عن المرجعية الإسلامية في هذا المجال ولن تقبل بالخضوع للرؤية الغربية العلمانية. * امين الريحانى في كتابه ملوك العرب ص 584 سأل الملك عبد العزيز عن موقفه من محاربة المشركين (الشيعة/ الصوفية) حتى يدخلوا في دين التوحيد؟ فأجاب على الفور: لا لا وضرب الارض ضربتين بعصاه ثم قال: هذا الحسا، عندنا هناك أكثر من ثرثين الفا من أهل الشيعة وهم يعيشون آمنين لا يتعرض لهم أحد، إلا أنا نسألهم ألا يكثروا من المظاهرات في احتفالاتهم
موقف السلفيين من الديمقراطية والتعددية والحريات العامة
2014/08/01
الرابط المختصر
Image