مزيد من إلتزام الإسلام هو الحل

الرابط المختصر
Image
مزيد من إلتزام الإسلام هو الحل

التحديات التي تواجهها أمتنا الإسلامية كثيرة ومتنوعة، فمنها تحدي الفساد والاستبداد السياسي ومنها تحدى الفقر والبطالة والأزمات الاجتماعية ومنها تحدي الجرائم والإدمان ومنها تحدي الأفكار الهدامة والمنحلة والمنحرفة التي تنتشر بين الشباب والشابات ومنها تحدي العنف بكافة أشكاله ومستوياته والتي تعد مشكلة داعش أحد أشكالها. وقد تعددت الرؤى والتصورات لمواجهة هذه التحديات وتجاوزها، فمن الناس من يطالب بمزيد من الديمقراطية والبدء بالإصلاح السياسي كحل لواقعنا، ومنهم من يطرح تسريع عجلة الاقتصاد والتنمية كمخرج من المأزق، ومنهم من ينادي بالتزام العلمانية وترسيخها كوصفة للعلاج، وكل هذه المقترحات وغيرها قد يكون فيها نوع شيء من علاج وحل ومخرج، لكنه كما وصف ربنا عز وجل العلاج بالخمر والميسر في كتابه الكريم فقال: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) [البقرة، 219]، وكذلك هذه الحلول فيها منافع جزئية، لكن لها مضار كبيرة جانبية طالما أنها لا تسير مع الرؤية الإسلامية الشرعية، والتي لا صلاح كاملاً لحال الأمة والبشرية إلا بالإسلام، شاء من شاء، وأبى من أبى. وذلك أن الإسلام يجتمع فيه كل خير ومنفعة في غيره ويمتاز عن كل ما سواه بكونه لا أعراض جانبية له، حاله كحال بديعِ خلق الله عز وجل (الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور) [تبارك، 3]. إن ما تعيشه أمتنا اليوم من خير وشر ومن قوة وضعف ومن إقبال وإدبار كله متعلق بإلتزام الشريعة الإسلامية وتطبيقها، فالعرب – أصل مادة الإسلام – كانوا قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال جعفر بن أبى طالب للنجاشي رضي الله عنهما: "أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام". ولما استقام الصحابة رضوان الله عليهم على أمر الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، تحقق لهم موعود الله عز وجل ورسوله بالأمن والرزق والسيادة، كما في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع عدي بن حاتم، فعن عدي بن حاتم قال: بينما أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: "يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها، قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله - قلت: فيما بيني وبين نفسي فأين دُعّار طيئ الذين قد سعروا البلاد- ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فليقولن له ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك، فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك، فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم" رواه البخاري. وبقيت الأمة المسلمة على هذا الحال من الأمن والعزة والقوة والنعمة حتى إذا تنكبت طريق الهداية بالتساهل في تطبيق الشريعة من جهة، ودخول بعض البدع بين المسلمين، فأصبحت أحوالها تتراوح بين القوة والضعف والخير والشر بحسب حالها بعداً وقرباً من تطبيق الشريعة. وقد كانت معركة أُحد بمثابة نموذج للمسلمين بخطورة مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أي أمر مهما صغر، وأن هذه المخالفة اليسيرة في نظر البعض قد يكون لها تبعات كبيرة جداً على المسلمين، كما حدث يوم أحد حين خالف الرُّماة على الجبل الأمر النبوي العسكري فحصلت للمسلمين هزيمة، وجُرح بسبب هذه المخالفة وجه النبي صلى الله عليه وسلم. وفي عالمنا اليوم توصل العلم الحديث لخطورة بعض الأحداث الصغيرة ونتائجها الخيالية غير المتوقعة، وأطلق  إدوارد لورينتز عام 1963على نظريته مصطلح "أثر الفراشة" وهذا التعبير المجازي يصف تلك الظواهر ذات الترابطات والتأثيرات المتبادلة والمتواترة التي تنجم عن حدث أول، قد يكون بسيطا في حد ذاته، لكنه يولد سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية والتي يفوق حجمها بمراحل حدث البداية، وبشكل قد لا يتوقعه أحد، وفي أماكن أبعد ما يكون عن التوقع، بحيث أن رفرفة جناح فراشة في الصين قد يتسبب عنه فيضانات وأعاصير ورياح هادرة في أبعد الأماكن في أمريكا أو أوروبا أو أفريقيا!! وهذه هي معادلة قوة أمتنا الإسلامية مرتبطة بمقدار التزام الشريعة وتحكيم الإسلام، لأن الإسلام ليس ديناً روحياً مفصولا عن الحياة، بل هو شامل لكل نواحي الإنسانية (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) [الأنعام، 162]. فبسبب الإسلام انتشر العلم والمعرفة بل وتوسع وتطور بين العرب والأمم الداخلة في الإسلام. وبسبب الإسلام عمّ العدل جميع طبقات الناس وغاب الظلم. وبسبب الإسلام دارت عجلة الحياة فعمرت البيوت والدور وزادت المزارع والحقول وامتدت الطرقات وازدهرت التجارة وتوسعت الصناعات. وبسبب الإسلام عمت الصحة الأبدان وشفيت الأرواح من الأسقام ونبذت الخرافات التي كانت تقتل المرضى والمصابين. وبسبب الإسلام تعايشت البشرية وأمِنت الطوائف على حياتها وحقوقها بين أظهر المسلمين. وبسبب الإسلام انصهرت الشعوب في أخوة إيمانية على تعدد لغاتها وأعراقها وألوانها. واليوم فإن ما نشاهده من مظاهر علم ومعرفة وتقدم ونهضة وقوة ومنعة في الأمة، فإنه مرتبط بالتدين والتزام أحكام الشريعة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أو المؤسساتي أو الدولة، وتبقى قوته ومتانته ودقته ودوامه مرتبطة بقوة وصحة وسلامة التدين نفسه. ومن يطالع أخبار الرحالة والمؤرخين من المسلمين وغير المسلمين لواقعنا قبل ثلاثة قرون، سيجد صورة مظلمة من الجهل والتخلف والخرافة والضعف والاستكانة، ولكن جهود المصلحين من العلماء والدعاة والأئمة والخطباء –قبل أن يزرع الاحتلال في أمتنا طبقة المثقفين -  هي التي قامت بعبء محاربة الجهل والخرافة والضعف والاستكانة التي رسخها في الأمة تحالف الفاسدين من رجال الحكم والسياسة وأصحاب الأهواء والبدع والخرافات، والذين كانوا يوقنون هم والاحتلال أن انتشار العلم والإسلام الصحيح في المسلمين كفيل بتضييع مكتسباتهم الظالمة وتهديد سلطانهم الجائر على الأبدان والأرواح. ولليوم تعيش أمتنا هذا الصراع بين دعاة الخير والعلم والنور ويمثلهم العلماء والدعاة وبين أهل الجهل والشر والظلام وإن رفعوا شعارات التنوير والحداثة من مدّعي الثقافة والساسة والمتاجرين بعلمهم ودينهم. ولذلك فإن التقدم أكثر في تطبيق الشريعة والتزام صحيح الإسلام، هو الكفيل بتحقيق الإصلاح السياسي السليم ومحاربة الفساد من جذوره وعلاج المشكلات الاجتماعية وحل معضلة العدالة، وهو أيضاً السبيل لعلاج مشكلة التطرف والإرهاب بمختلف صوره من الاغتصاب والقتل والتطرف باسم الدين. التزام الإسلام الصحيح المستند على القرآن الكريم والسنة الصحيحة على فهم الصحابة الكرام، والذي يدعو للعلم والاجتهاد المنضبط، والعمل والإتقان، والتعاون والوحدة، والانفتاح والتعايش، هو العلاج لأمراضنا وما نواجهه من تحديات. أما أن نبقى نتكئ على الدين والإسلام طالما توافق مع مصالحنا، وإذا انتفت الحاجة له نددنا بخلط الدين بالسياسة فهذه ازدواجية تدل على نفسية وعقلية انتهازية، وأن تبقى شعارات الساسة تمجد الإسلام وتتفاخر به، لكن التشريعات والسياسات المطبقة مخالفة أو معادية له فهذه أيضاً ازدواحية مرفوضة. أن ينجح 17% فقط من طلبة المسار الشرعي في الثانوية العامة أغلبهم من البنات، هذه أزمة كبرى، وأن يرسب كثير من خريجي كلية الشريعة في امتحان قبول التعيين كمعلمين، هذه أزمة كبيرة، وأن تبقى نسبة قبول الطلبة لكلية الشريعة منخفضة، هذه تعني أن الأقل ذكاء هو المطلوب لدراسة الشريعة، وهذه أزمة كبرى أيضا. وهذا كله سينفجر في وجه الأمة أزمات سياسية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية بسبب ضعف وعدم كفاءة جهاز المناعة والتوجيه في الأمة، وبسبب هذا الضعف وعدم الكفاءة لقيت انحرافات داعش وأباطيلها هذا الانتشار والرواج بين الشباب دون تبصر.