حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في التغير ومبادئه السياسية

الرابط المختصر
Image
حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في التغير ومبادئه السياسية

سيرته[1]: * ولد محمد بن عبد الوهاب سنة 1115 هـ (الموافق من 1703م)، وذلك في مدينة العيينة قرب الرياض. * نشأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب نشأة علمية؛ فأبوه القاضي كان يحثه على طلب العلم و يرشده إلى طريق معرفته، ومكتبة جده العلامة القاضي سليمان بن علي بأيديهم، و كان يجالس بعض أقاربه من آل مشرف وغيرهم من طلاب العلم، و بيتهم في الغالب ملتقى طلاب العلم وخواص الفقهاء سيما الوافدين باعتباره بيت القاضي، ولا بد أن يتخلل اجتماعاتهم مناقشات ومباحث علمية يحضرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب. * تعلم القرآن وحفظه عن ظهر قلب قبل بلوغه عشر سنين، و كان ذكيا سريع الحفظ، حتى بات وهو دون العشرين عالماً يأتيه الناس. * زار الشيخ محمد مكة، فأدّى فيها فريضة الحج ثم قصد المدينة، وهناك لازم، فترة العالم ابن سيف، ثم توجّه إلى نجد فالبصرة، ثم عاد أكثر علماً ونضجاً. * كانت عودته من البصرة إلى حريملاء، التي كان والده قد هاجر إليها، وبقي هناك حتى وفاة والده سنة 1153 هـ، وفي حريملاء بدء دعوته الإصلاحية، ولكن بعد وفاة والده حاول بعض مخالفيه الإعتداء عليه فرحل إلى العيينة. * في العيينة، استقبله عثمان بن معمر أميرها وشعبها بحفاوة. وزادت شهرته فأيّده كثيرون في مناطق مجاورة وبعيدة، كما عاداه كثيرون أيضاً، ومنهم أمير الإحساء الذي ألّب بعض زعماء العيينة ضدّه، وحين قويت الثورة، غادر البلدة إلى الدرعية. * في الدرعية بايعه أميرها محمد بن سعود على دين الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيله وإقامة احكام الشريعة . ومن الدرعية انطلقت دعوة التوحيد قوية، تجمع الأنصار وتحارب الضالين. * كانت الحروب بقيادة ابن سعود وابن عبد الوهاب ضد أمير الرياض وأمير الإحساء وغيرهما، حتى توطّد الحكم الصالح لمحمد بن سعود، ومن ثم لابنه عبد العزيز. وكان الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو المستشار الدائم، الذي يفصل في الخصومات. ويفتي في العلاقات السياسية وفي المعاهدات لأنه أعلم بالدين وبالأحكام. * توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العيينة (1206 هـ، 1791م) بقرب من الرياض، وتوفي ولم يخلف ديناراً ولا درهماً، فلم يقسم بين ورثته مال. حقيقة دعوة محمد بن عبد الوهاب: * ليس لمحمد بن عبد الوهاب دعوة خاصة، بل هي دعوة الإسلام الحق ، ومنهجه هو منهج الإسلام . ولكثرة الأكاذيب والأباطيل التي روجها معارضيه من المبتدعة وأهل الأهواء الذين يتكسبون من وراء ترويج البدع والخرافات من خلال تلقى التبرعات والهبات والنذور عند الأضرحة والقبور، قام اهل القصيم بتوجيه سؤال له عن حقيقة دعوته ومنهجه فاجابهم: ( لست ولله الحمد أدعوا إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم ، بل أدعوا إلى الله وحده لا شريك له ، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم وأرجوا أني لا أرد الحق إذا أتاني ، بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلها على الرأس والعين ، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله صلى الله عليه فإنه لا يقول إلا الحق .. )[2] . فالشيخ لم يبتدع سنة جديدة وإنما سلك مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في الفروع ، أي قواعد الدين العملية والشخصية والتنفيذية التي يصحّ فيها اختلاف العلماء لأنها موكلة إلى المجتهدين منهم، أما الأصول، أي العقائد وأسس الأحكام فهو فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، لا يحيد عنها. * من أهم المسائل التي دعا إليها صرف جميع أنواع العبادة لله وحده، ومنع التوسّل والإستعانة والاستغاثة بغير الله، ومسألة الشفاعة، ومسألة الغلوّ في أهل القبور، وتحريم المسكرات والدخان . قالوا في الشيخ محمد بن عبد الوهاب: * قال فيه العلامة محمد كرد علي: " وما ابن عبد الوهاب إلا داعية هداهم من الضلال، وساقهم إلى الدين السمح، وإذا بدت شدّة من بعضهم فهي ناشئة من نشأة البادية، وقلّما رأينا شعباً من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص مثل هؤلاء القوم، وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد غلوة، أما الغزوات التي يغزونها فهي سياسية محضة ، ومذهبهم برئ منها، وما يتهمهم به أعداؤهم زور لا أصل له"[3]. * وقال طه حسين: " أن هذا المذهب الجديد قديم، والواقع أنه جديد بالنسبة إلى المعاصرين، ولكنه قديم في حقيقة الأمر، لأنه ليس إلاّ الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية، هو الدعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي خالصاُ لله وحده، ملغياً كل واسطة بين الله وبين الناس، هو إحياء للإسلام العربي وتطهير له مما أصابه من نتائج الجهل من نتائج الإختلاط بغير العرب "[4]. * ويقول عباس محمود العقاد: " سرعان ما ظهرت دعوة ابن عبد الوهاب بجزيرة العرب حتى تردّد صداها في البنغال سنة 1804 . . . ثم تردد صدى الدعوة الوهابية بعد ذلك بزعامة السيد أحمد الباريلي في البنجاب . . . " ولم تقف آثار الدعوة الوهابية على القارّة الهندية فحسب، بل تجاوزتها إلى جاوا وأقصى الجزر الهندية الشرقية ( إندونيسيا ) وفي أفريقيا كان للدعوة أثر بليغ، ففي أواخر القرن الثامن عشر نشطت الدعوة وانتشرت في بعض بلدان أفريقيا : في السودان ونيجيريا وغيرهما"[5]. * الأستاذ أنور الجندي يرى أن أبرز معطيات هذه الدعوة المباركة تتمثل في عملين كبيرين : أولهما: أنها فتحت باب الاجتهاد في الفروع بعد أن ظل مغلقاً منذ سقوط بغداد في سنة 656هـ . وثانيها: ضرورة القيام بواجب الجهاد، وإحياء هذه الفريضة التي أصابها الوهن، فكانت الدّعوة ثورية عارمة على الاستبداد والضعف والانحلال الذي آل إليه العالم الإسلامي.[6] * ـ يقول الدكتور وهبة الزحيلي إن " أجرأ أصوات الحق، وأكبر دعاة الإصلاح، والبناء والجهاد لإعادة تماسك الشخصية المسلمة وإعادتها لمنهج السلف الصالح: دعــوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري، لتجديد الحياة المسلمة، بعد ما شابها في أوســاط العــامة من خلافات، وأوهــام، وبــدع، وانحرافـات، فكان ابن عبد الوهاب بحق، زعيم النهضة الدينية الإصلاحية المنتظر، الذي أظهر موازين العقيدة الشرعية الناصعة، وأبان حقيقة الوحدانية والوحدة والتوحيد الخالص لله عز وجل، وأن العبادة هي التوحيد، وحوّل الشراع رأساً على عقب، للعمل الكامل بالقرآن والسُنّة ... فكانت أعمـال ابن عبد الوهاب وثبـة جبـارة، وقفزة رائـعة لتصحيح خطأ الناس في العقيدة والعبادة، في وسط شوهت فيه مبادئ الإسلام ومناهجه".[7] منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التغيير: منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو نفس منهج السلف الصالح في التغيير والذي يقوم على نشر العلم والعمل بتوحيد الله عز وجل وإتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية، من العلم والحكمة وعدم إحداث ضرر أكبر، والتزام طاعة ولي أمر المسلمين في الحق، ونصحه ومعاونته. قال الشيخ في رسالته لأهل القصيم: "وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه".[8] وجعل طاعة ولاة الأمر أحد الأصول الستة في رسالته " ستة أصول عظيمة مفيدة "، وقال أيضا:   "  أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا ولو كان عبداً حبشيّاً.[9]" وهو في هذا متمسك بنصوص الوحي من القرآن والسنة التي تحث على الإجتماع والوحدة وتنهي عن الفرقة والتشتت، وتأمر بالسمع والطاعة للحاكم المسلم، كما في قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}  وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)). متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تسمع وتُطيع للأمير، وإن ضُرِبَ ظهرُك وأُخذ مالُك، فاسمع وأطع )). قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمَهُ اللهُ- : "وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه ؛ من معصية ولاة الأمور ، وغشهم ، والخروج عليهم بوجه من الوجوه ، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديماً وحديثاً ، ومن سيرة غيرهم". مجموع الفتاوى(35/12) . ولذلك كان منهجه التعاون مع الحكام لإقامة دين الله عز وجل، يقول د. علي الصلابي " لقد أخذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالسنن لتمكين دين الله تعالى، فنلاحظ في دعوته أخذه بشروط التمكين ودعوة الناس وتربيتهم عليها من الإيمان بالله، والعمل الصالح، وتحقيق العبودية ومحاربة الشرك، وتقوى الله تعالى، وأخذه بأسباب التمكين ويظهر حرصه على الأخذ بالأسباب في تحالفه مع الأمير محمد بن سعود الذي وظف جيشه، وحكومته وماله وسلاحه, ورجاله لخدمة الدعوة، ومرت الدعوة بالمراحل الطبيعية من التعريف بها وإعداد من يحملها، ومغالبة أعدائها والتمكين لها، ومر الشيخ بسنة الابتلاء، ومارس سنة التدرج، وشرع في الأخذ بسنة تغيير النفوس، واستخدام سنة التدافع بين الحق والباطل، ولم يترك سنة الأخذ بالأسباب، وهذا كله يدخل تحت فقه التمكين الذي مارسه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله".[10] فلم يكن الشيخ باحثاً عن رئاسة وزعامة، بل عن أمير يتعاون معه لنصرة الدعوة الإصلاحية. ويؤكد د.بسام العموش على أن منهجية الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي " أن يطرق باب النصرة فقد طرقها الشيخ حينما عرض على أمير منطقته الدعوة وطلب إليه نصرتها، وهذا سير على هدى النبي صلى الله عليه وسلم الذي عرض نفسه على القبائل وعلى أهل الطائف وعلى أهل المدينة فكان الأخيرون ناصرين لدين الإسلام ودعوته".[11] المبادئ السياسية في فكر الشيخ: قام الأستاذ محمد السكاكر[12] ببيان أهم المبادئ السياسية التي قامت عليها دعوة الشيخ محمد بن الوهاب كما يلي: أن طاعة ولي الأمر واجبة في غير معصية الله. تحريم الخروج على السلطان المسلم. يجب على ولاة الأمر نصرة الإسلام،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. السلطان مسؤولية رعاية المجتمع وحفظ أمنه وأمواله. على السلطان حسن اختيار مساعديه وقضاته. لقد شكل موضوع التعامل مع الحكام جزء كبير من تراث دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لما لهذا الأمر من أهمية بالغة، مر معنا أقوال الإمام : « وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته ، وحرم الخروج عليه » . وقال : « وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبدًا حبشيًا » وقال مبينًا أن عدم السمع والطاعة لولاة الأمور من خصال الجاهلية : « وقد أمر [ص-139] رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الولاة وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة ، وغلظ في ذلك ، وأبدى فيه وأعاد » . وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن : « ونرى وجوب السمع والطاعة ، لأئمة المسلمين ، برهم ، وفاجرهم ، ما لم يأمروا بمعصية ، ونرى هجر أهل البدع ، ومباينتهم ، ونرى أن كل محدثة في الدين ، بدعة » . وكذلك عقيدتهم في الجهاد مع أئمة المسلمين ، فإنهم يلتزمون في ذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم ، وما عليه السلف الصالح ، من مشروعية الجهاد مع ولاة المسلمين أبرارًا كانوا أو فجارا . قال الإمام:" وأرى الجهاد ماضيًا مع كل إمام برا كان أو فاجرا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة ». التشويه السياسي لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قديما: لكن أعداء الشيخ وخصوم دعوته لا ينفكون عن إلقاء الشبه والإتهامات حول منهجية الشيخ وسياسته مع الحكام، ومن ذلك أن الشيخ كان خارجاً على الحكام في الجزيرة العربية وعلى السلطان العثماني!! ويكفي لبيان بطلان هذه الفرية مطالعة الرسالة التي أرسلها الشيخ محمد عبد الوهاب مع الوفد الذي بعثه إلى الشريف أحمد بن سعيد شريف مكة، وكان على رأس هذا الوفد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين، وكان مع هذا الوفد هدايا وتحف كثيرة. جاء في رسالة الشيخ ابن عبد الوهاب للشريف أحمد بالنص: " المعروض لديك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدارين، وأعز به دين جده سيد الثقلين أن الكتاب لما وصل إلى الخادم "يعني نفسه"، وتأمل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها، وعداوة من خرج، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور. ، ثم يقول في ختام رسالته: فإذا كان الله سبحانه قد أخذ ميثاق الأنبياء إن أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم على الإيمان به ونصرته، فكيف بنا يا أمته؟ فلا بد من الإيمان به، ولا بد من نصرته، لا يكفي أحدهما عن الآخر، وأحق الناس بذلك وأولاهم أهل البيت الذي بعثه الله منهم، وشرفهم على أهل الأرض به، وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك يعلم الشريف أعزه الله أن غلمانك من جملة الخدام، ثم أنتم في حفظ الله وحسن رعايته".[13] فإذا كان الشيخ يجعل نفسه من جملة خدام الأشراف، فكيف يكون خارجاً على السلطان؟! وأيضا ً هناك سؤال مهم يطرح نفسه هو: هل كانت " نجد " موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها تحت سيطرة دولة الخلافة العثمانية، حتى تعد دعوة الشيخ خروج عليها؟ يجيب الدكتور صالح العبود على هذا فيقول: " لم تشهد " نجد" على العموم نفوذا للدولة العثمانية فما امتد إليها سلطانها ولا أتى إليها ولاة عثمانيون ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقرار تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية فمن خلال رسالة تركية عنوانها : " قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان"، يعني : " قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر الديوان " ، ألّفها يمين علي أفندي الذي كان أمينا للدفتر الخاقاني سنة 1018 هجرية الموافقة لسنة 1609م من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثين ايالة منها أربع عشرة ايالة عربية وبلاد نجد ليست منها ما عدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد.[14]  ويقول الدكتور عبد الله العثيمين: " ومهما يكن فإن " نجداً " لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما أنها لم تشهد نفوذاً قويّاً يفرض وجوده على سير الحوادث داخلها لأية جهة كانت فلا نفوذ بني جبر أو بني خالد في بعض جهاتها ولا نفوذ الأشراف في بعض جهاتها الأخرى أحدث نوعاً من الاستقرار السياسي فالحروب بين البلدان النجدية ظلت قائمة والصراع بين قبائلها المختلفة استمر حادّاً عنيفاً ".[15] أما د.عجيل النشمي فيقول : "لم تحرك دولة الخلافة ساكنا ولم تبدر منها أية مبادرة امتعاض أو خلاف يذكر رغم توالي أربعة من سلاطين آل عثمان في حياة الشيخ".[16] التشويه السياسي لدعوة محمد بن عبد الوهاب حديثاً: استغل بعض المبغضين للإسلام نفسه أحداث 11/9/2000 لمهاجمة الإسلام ومهاجمة الدعوة السلفية، ولكنهم استخدموا الهجوم على الوهابية كغطاء لذلك، فعملوا على ترويج الكثير من الأباطيل والأكاذيب والافتراءات في كتاباتهم حول الدعوة الوهابية في مختلف وسائل الإعلام. لكن الحقيقة لا يمكن ان تختفي للابد بل لابد لها أن تظهر. ولقد انبرى عدد من الباحثين لرد هذا الهجوم وبيان عواره، ومن ذلك ما قامت به الباحثة الأمريكية 'نت' ، والتي حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة 'جورج تاون' حول السيرة الفكرية للشيخ 'محمد بن عبد الوهاب'. حيث 'نسفت' رسالتها العلمية الرصينة الأباطيل والإتهامات المغرضة، تقول الباحثة: 'إن كل الذين حاولوا تشويه الدعوة الوهابية كانوا يعتمدون في معلوماتهم عن الوهابية على كتب الرحالة الغربيين، وهؤلاء الرحالة لم يلتقوا بالشيخ أو بأحد من أتباعه. ولم يقرؤوا شيئًا مما كتبه، لذلك ربطوا في كتاباتهم الدعوة الوهابية بحالة العنف التي تمارس اليوم، على رغم أنني وجدت أن فكر الشيخ ضد الإرهاب بكل أشكاله'. وأشارت الباحثة إلى كتاب 'ستيفن شوارتز' عن الوهابية، كنموذج لحالة العداء الغربي للإسلام، والذي أصبح المؤلف بموجبه مدللاً من قبل وسائل الإعلام الغربية. وتضيف الباحثة قائلة: 'لقد أدركت أن معظم الناس قد أساءوا فهم رسالة الشيخ، وبالأخص كتاب التوحيد على أساس أنه بيان حرب. لقد كان هذا الكتاب بحثًا مستفيضًا في مضامين التوحيد وعملاً علميًا رصينًا وليس دعوة إلى الحرب. إنه رسالة تناقش مسئوليات جميع المؤمنين. إن رسالته في الجهاد لم يقصد منها إلا وضع القيود على العنف والتدمير. لقد أكد على حرمة الحياة الإنسانية ودعا إلى المحافظة على حياة البشر، وقد اتجهت تعاليمه نحو تعليم المؤمنين العقائد الصحيحة عن طريق الدراسة المباشرة للقرآن والسنة. وكان اهتمامه كبيرًا بقضايا العدالة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية، وقد أنصف النساء، وركز على حماية حقوقهن وعلى ضرورة التوازن في الحقوق والواجبات بينهن وبين الرجال.. إن ما كتبه عن النساء يقدم سابقة تاريخية حضارية قوية وينسف ما يحدث من ممارسات اجتماعية سيئة ضد المرأة في العالم اليوم'.[17] وقد تصدى د.ناصر العقل في كتابه"إسلامية لا وهابية" لرد دعوى التشدد والتكفير عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته، فبين أن حقيقة موقف الشيخ من التكفير هو الإلتزام بالقواعد الشرعية التي اتفق عليها العلماء عبر القرون في قضايا التكفير[18]. فهو لايكفر بالذنوب، كقوله" ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام"[19]. وهو لايكفر عموم المسلمين بعكس ما يتهمه خصومه بالكذب، فهو يقول: " وأما القول أنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء.... ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم"[20]. وهو يعامل الناس على ظاهرهم، حيث قال في أهل البدع:" وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله"[21]. وهو يرى أن الجاهل معذور، ولا بد من إقامة الحجة والبرهان على المخالف، ولا يحكم بالظن على إنسان. ويؤكد د.العقل على سلامة منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب من الغلو والتطرف، من خلال النموذج القائم أمام العالم أجمع، فالدولة السعودية بحكامها وعلمائها تقوم على منهج الشيخ ودعوته، وهي بهذا المنهج الذي تحمله تشارك بإيجابية واعتدال تجاه التزاماتها الدولية والإقليمية، حتى اصبحت السعودية ركنا من أركان الإعتدال والسماحة في المنطقة[22]. والجهاز الديني في السعودية بمؤسساته وقياداته هو الصف الأول في مقاومة فكر التطرف والعنف، وملايين الشباب السعودي الذي نشأ على فكر الشيخ ودعوته هو نموذج لسماحة الإسلام ووسطيته، ومن شذ عن ذلك ونهج سبيل الغلو، فهم إنما تأثروا بفكر غريب عن فكر محمد بن عبد الوهاب، ولذلك أول من يهاجمون ورثة منهج ابن عبد الوهاب وهم علماء السعودية!! كما أن علماء السعودية اليوم هم موضع ثقة المسلمين في القضايا الكبرى، ولذلك حتى في مثل قضايا الغلو والتطرف فإن العالم كله يطمئن لفتوى علماء السعودية في ذلك، لما فيها من وضوح وصراحة بعدم جواز الإعتداء على الأرواح والأموال البريئة، وأن الإسلام لا يبيح للأفراد تطبيق الحدود أو إعلان الجهاد دون إذن الحاكم المسلم. وبهذا كله يتضح ان دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس فيها جديد، بل هي حقيقة الإسلام وجوهره، وليس لها اطماع سياسية، بل هي تتعاون مع الحاكم المسلم لنشر العلم والأمن.     [1] -  حسين خزغل: حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. [2] - مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب - القسم الخامس (الرسائل الشخصية ) ص252. [3] - كتابه " القديم والحديثط، فصل أصل الوهابية. [4] - " الحياة الأدبية في جزيرة العرب" ص 13. [5] - "الإسلام في القرن العشرين". [6] - أنور الجندي : العالم الإسلامي والاستعمار الثقافي ، ص:70. [7] - انظر كتاب : مجدد الدين في القرن الثاني عشر. [8] - مجموعة مؤلفات الشيخ " ( 5 / 11). [9] - مجموعة مؤلفات الشيخ ( 1 / 394 ) [10] - د.علي الصلابي : فقه النصر والتمكين، ص 361 – 363. [11] - فقه الدعوة ، ص 289. [12] - محمد علي السكاكر:  دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوة الشيخ عثمان بن فودي، ص93. [13] - انظر حياة محمد عبد الوهاب ص322 [14] - د.صالح العبود: " عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي، ص 40. [15] - " محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره "  ص 11. [16] - " مجلة المجتمع "  عدد 510  . [17] -  مجلة البلاغ  البلاغ :العدد1679 ـ ذو الحجة 1426 هـ [18] - ص 250. [19] - الدرر السنية، ص 1/32. [20] - الدرر السنية، 1/100. [21] - الدرر السنية،1/33. [22] -  د.ناصر العقل، إسلامية لا وهابية، ص 415.