السلفية دعوة تجديد لا فكرة ماضوية!!

الرابط المختصر
Image
السلفية دعوة تجديد لا فكرة ماضوية!!

فاجأت السلفية كثيراً من الأوساط بحجم انتشارها وتأثيرها، وذلك أنها تفضل العمل بصمت وبهدوء في المجالات الاجتماعية والثقافية بعيداً عن صخب الإعلام النخبوي، بينما كانت السلفية تنشغل بالتواصل مع الجميع بدون ضجة أو لفت للأنظار، وعملت كصمام أمان في تلبية حاجة الفقراء المادية ومعالجة آفات الغنى والثراء من الإدمان والقلق والتشتت والأفكار المنحرفة وغيرها من العقد، وكل هذا دون انتظار لمكاسب سياسية في الانتخابات أو المناصب الحكومية، بخلاف غيرها من الحركات السياسية والاجتماعية. ولأن السلفية دعوة صريحة ومباشرة في بيان حقيقتها بوجوب الإلتزام بالوحي الرباني القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية مع التزام منهج الصحابة الكرام في فهمهما، فإن البعض ناصبها العداء وبدأ يشيع عنها الاتهامات والأقاويل، من مثل رميها بالماضوية وأنها دعوة للانكفاء على الماضي كردة فعل دفاعية، للعودة إلى نقطة معيارية ذات طابع رومانسي، وأن السلفية ترى التاريخ باعتباره صيرورة هابطة، وأنها تسعى لإيقاف عجلة الانحدار بالعودة للتاريخ الجميل!! وهذا في الحقيقة نتيجة خلل في الفهم للسلفية ونتيجة جهل متعمد أحياناً بواقع السلفية، فمن المقرر والمتفق عليه بين كل عقلاء البشرية أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بالإسلام إلى العرب وهم لا يحفلون بالعلم، فجعل العلم من أساس دينهم "إنما يخشى الله من عباده العلماء" (فاطر: 28)، وجاء وأمرهم مشتت ومتفرق فجمعهم ووحدهم على تقوى الله وطاعته "وألف بين قلوبهم" (الأنفال: 63)، وحثهم وأمرهم بالعدل، وفي الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما" رواه مسلم. فقام الصحابة الكرام وامتثالاً للقرآن الكريم والسنة النبوية فنقلوا هذا الدين للعالم فأشادوا نموذج الحضارة المنشودة من البشرية في بضع سنين، فعم الحق والعدل والرحمة والعلم والخير ربوع الدنيا، لأن الوحي الإلهي في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية جاء بالحق في الأخبار الماضية والمستقبلية، وجاء بالحق في الشعائر العبادية، وجاء بالحق في التعاملات والأخلاق بين الناس، وجاء بالحق في المبادئ والمفاهيم التي تقيم الحضارة الحقيقية للإنسان، وقد تجسد هذا واقعاً حقيقياً في دنيا الناس، ولكل الناس أكثر من 1300 سنة. والصحابة حين فعلوا ذلك إنما استندوا إلى العلم والعمل والتزام الحق والعدل، وفق ما يأمرهم به الإسلام، وأصبح هذا هو المعيار البشري الذي يوزن به المسلمين من بعد، وأصبح هذا النموذج البشري (الصحابة) هو المعيار والقدوة التي يجب على بقية المسلمين الإقتداء بهم للوصول للسعادة في الدنيا ومن ثم الحصول على السعادة الدائمة في الجنة في العالم الآخر يوم القيامة، (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنه ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) [التوبة: 100]. إذا الإسلام بتطبيق الصحابة / السلف حقق الحضارة والسعادة، وحين كان تطبيق الإسلام يعتريه القصور بسب تقصير المسلمين وانغماسهم في الشهوات المحرمة وبعدهم عن قيم ومبادئ الإسلام من العلم والعمل والحق والعدل والرحمة كانت تصيبهم النكبات والآفات، فيغزوهم المغول والتتار، أو يجتاحهم الصليبيين الإفرنج، أو يستعمرهم المحتلون الأوروبيين، ونحن لم نهزم التتار والمغول والصليبيين إلا بالإسلام أي بالتوحيد والعلم والعمل والحق والعدل، ومن يقرأ سيرة ابن تيمية وقطز وببيرس ودورهم في دحر التتار والمغول يجد أن سلاحهم كان التوحيد والعلم والعمل، وكذلك صلاح الدين فهل هزم الصليبيين إلا بجيش موحد متعلم متقن وبسيرة يتتوخى الحق والعدل حتى مع خصومه، وهل عرفت أوروبا أخلاق الفرسان إلا بعد أن عاملت صلاح الدين وبهرت بأخلاقه وشهامته، فقلده بعض فرسان الإفرنج وتبنوا الأخلاق الكريمة! فالحضارة والقوة الإسلامية حين تغيب فليس ذلك بسبب الإسلام بل بسبب البعد عن الإسلام، بخلاف حال أوروبا التي منعها الدين من العلم والعمل والحق والعدل، فأضطرات للثورة على الكنيسة وتبنى العلمانية! فالسلفية حين تدعو للعودة للوحي الإلهي والتزام آلية الصحابة/ السلف في فهمهما، فهي لا تنكفئ للتاريخ وتغرق في أحلام رومانسية، كلا إنها تعالج أمراض الواقع بالدواء الصحيح، وهو التجديد، والذي يقصد به إعادة الماضي جديداً، وهذا لا يكون إلا بنشر التوحيد والعلم والحث على العمل والسعي لترسيخ قيم الحق والعدل والرحمة، والتي بها نهضنا أول مرة وفي كل مرة، فنحن لا نريد العودة للماضي بل نريد أن نأتي بأسباب القوة الصحيحة في الماضي للحاضر! السلفية حين تدعوا للقيام بأحكام الشريعة الإسلامية، فإنها تدعوا للقيام بكل عناصر القوة المطلوبة لنهضة المسلمين، اسمع لمحب الدين الخطيب مؤسس المكتبة السلفية بالقاهرة سنة  1923م والذي يعد من أهم أباء الصحوة الإسلامية المعاصرة، اسمع إليه وهو يحدد بوضوح التجدد الذي تنشده السلفية: " التجدد الذي نلقي معه مسلمين حقاً.. التجدد الذي ينمي في نفوسنا فضيلة الوفاء لأجدادنا.. التجدد الذي يزيدنا قوة وثروة ومنعة، ويرفع عنا ذل الأجانب ونزعاتهم ونزغاتهم، فذلك التجدد نحن دعاته والمرحبون به والحاضون عليه"( مجلة الزهراء، 3 محرم 1345هـ، 14/7/1926م). ولذلك رواد السلفية كانوا هم رواد بعث التعليم والمدارس في الأمة، ومعلوم أن العلامة محمد رشيد رضا والعلامة محب الدين الخطيب كانوا من أوائل من نادوا بإصلاح الأزهر ليقود الإصلاح في أمتنا، وأيضاً كان الرواد السلفيين هم في طليعة المنادين بالإستفادة الواعية من العلوم العصرية للأمم الأخرى، في الوقت الذي كان متعصبة مقلدة المذاهب الفقهية وشيوخ الطرق الصوفية يمنعون ويحرمون مطالعة العلوم العصرية والوافدة ! ويروي علامة الجزيرة حمد الجاسر أن محب الدين الخطيب قاله بمناسبة افتتاح أول مطبعة في مدينة الرياض: " إنكم متى استطعتم إنشاء مطابع هناك فإنكم ستشيدون صرحاً عالياً تشع منه أنوار المعرفة، وتقومون بعمل لا يقل عن إنشاء جامعة علمية في تلك البلاد"، (جريدة القصيم العدد الأول في سنة 1959م).  والسلفية تدعوا أيضاً للتخلص من البدع في الدين والخرافات في العادات والتي ساهمت في توجيه طاقات وموارد الأمة في المسارات السلبية والمهلكة، فمثلاً الكل يشتكي اليوم من بدع وعادات وخرافات المآتم والجنائز وكيف أنها أصبحت ترهق كاهل الناس بالأموال الباهظة وترتب عليهم الديون الضخمة، من البناء على القبور والخيم المزركشة أو القاعات والخدم والمآدب والإعلانات وغيرها، فضلاً عن تعطيل الأعمال للجلوس للعزاء، وهذا كله لم يرد بالشرع، بل جاءت السنة النبوية بعكسه، من تحريم البناء على القبور، وعدم التكلف في العزاء بجعله عفويا لا يتكلف له من أهل الميت ولا من الأصدقاء والمعارف، وأن يقتصر صنع الطعام على بيت الميت فقط بسبب مصابهم.  ومثال ثان وهو المبالغة في تزيين المساجد بالألوان والزخارف والديكورات الخارجية والداخلية، وهو أمر نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه السلوكيات تهدر الأموال والأوقات والطاقات في ما لا ينتج إيجابياً، بينما كان يمكن توجيه أموال العزاءات لصدقة جارية عن الأموات في نشر العلم أو بناء مدرسة أو تعليم الأيتام وغيرها من أبواب الخير، أو توجيه أموال الزينة لبناء مساجد أو مدارس أو مراكز صحية أو مكتبة أو حديقة ترفيهية في القرى والمناطق الفقيرة. والسلفية حين تهتم بأداء العبادات وفق السنة النبوية فلأن هذا أولاً هو المعيار الحقيقي لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، بالتزام تفاصيل سنته، وثانياً لأن هذا التزام بالتفاصيل يحقق منافع كثيرة جداً للمسلم على الصعيد الروحي والصعيد المادي، وقد كشف عن فوائد كثيرة صحية ونفسية لتفاصيل السنن النبوية، كفوائد السواك وفوائد النوم على الجانب الأيمن، وفوائد الختان، وفوائد الإفطار على التمر بعد الصوم، وغيرها كثير. يقول محب الدين: " أنا من خمسين سنة إلى الآن أتتبع نصوص الإسلام، وأطيل النظر في عقائده وسننه وفي فهم الصحابة والتابعين لها .. وقد تكون في قلبي اليقين، بأنه ليس في عقائد الإسلام عقيدة ولا في عباداته عبادة، ولا في مبادئه وسننه مبدأ أو سنة، ولا في نصوصه وتوجيهاته نص أو توجيه، إلا وله أثر عملي في تكوين الفرد الصالح، والبيت الصالح، والأمة الصالحة"، (مجلة الفتح عدد 884، 1366هـ). والعجيب أن المخالفين للسلفية حين يرفضون أو يتساهلون في التزام السنة في العبادات، فإنهم يتكلفون التزام أدق التفاصيل في البدع التي يقومون بها، فمثلاً يلتزمون بأدق التفاصيل في أداء بعض الرقصات مثل رقصة المروحة التي تقيمها الطريقة المولوية والتي يعتبرونها من ذكر الله عزوجل! ختاماً السلفية ترى كما يقول محب الدين الخطيب: " تمكن الاستعمار من الاستيلاء على بعض بلاد المسلمين، بضعفهم لا بقوة الاستعمار، وإنما كانوا ضعفاء لأنهم كانوا مكتفين من الإسلام باسمه ولم يكونوا مؤمنين بمجموع ما يطالبهم الإيمان به"، (مجلة الأزهر، محرم 1377هـ). والطريق للنصر والعزة والتمكين هو بالعودة لما كان عليه سلفنا الصالح من التمسك بالإسلام الصحيح الذي يورثنا كل أسباب القوة، ولذلك نرى اليوم تكالب العديد من الجهات لمنع تواصل الأمة الإسلامية مع دينها وأسباب قوتها، وذلك عبر الملهيات والمغريات من الشهوات والمتع، أو عبر الوعيد والتهديد والظلم والعدوان، أو عبر استفزاز المسلمين بخبث لجرهم لمربع العنف والتطرف والإرهاب !!