الظلم ظلمات

الرابط المختصر
Image
الظلم ظلمات

جاء في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)، وروى أيضاً عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة). واليوم نحن نعيش مرحلة تعددت فيها المظالم، وتعددت فيها أشكال العدوان والطغيان، فإسرائيل من 60 سنة تحتل فلسطين، والمسلمون تُنهب ثرواتهم من مئات السنين، والمجازر تقام لهم كل عام في بقعة جديدة، ولا تكاد تنتهي مأساة إلا وتظهر مأساة جديدة. وللأسف أظن أن هذا الظلم الخارجي للأمة عقوبة من الله عز وجل على ما يقع منها من ظلم لنفسها في حق الله عز وجل وظلم لبعضها البعض، وهذا أمر محرم لا يرضاه الله عز وجل، ويكون له آثار سيئة على الظالم وعلى المجتمع والبيئة المحيطة، والظلم هو مجاوزة الحد ووضع الشيء في غير موضعه، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: ظلم العبد فيما يتعلق بجانب الله، وهو الشرك، وهذا أعظم صور الظلم. الثاني: ظلم العبد لنفسه، بارتكاب المحرمات والتقصير في الطاعات. الثالث: ظلم الإنسان لغيره، وهذا باب الشر بين الناس في الأموال والأنفس والأعراض، ويشمل الدول والجماعات والأفراد. وأمتنا اليوم وللأسف تشهد هذه الأقسام الثلاثة، فلا تزال بعض مظاهر الوثنية والشرك تنتشر بين المسلمين، مثل: الاستغاثة والاستعانة بغير الله من الأموات – ولو كانوا أنبياء أو صالحين- أو الطواف والسجود لغير لله كما نشاهد في المقامات والمزارات، أو ادعاء بعضهم علم الغيب والتصرف في الكون، والإباء عن الخضوع لله عز وجل وتحكيم شريعته كلها أو بعضها، أو متابعة الأبراج والنجوم وزيارة العرافين والفتاحين وقراءة الطالع والبخت، أو سبّ الله عز وجل أو الكفر به واتباع موضات "الإيمو" و"عبدة الشيطان" وما شابه ذلك، والعياذ بالله تعالى. وأيضاً فإن مظاهر الفسق والفجور تنتشر بين المسلمين وفي ربوعهم وديارهم من دور الدعارة وحلبات الرقص وحانات الخمر وبنوك الربا، فضلاً عن العري والفحش وسوء الأخلاق، ومن أمثلة الظلم بارتكاب المعاصي استقبال شهر رمضان المبارك، شهر القرآن والبركات والاستغفار والتوبة، بحفلات مهرجان جرش!! أما ظلم الناس لبعضهم البعض فهذا باب واسع مع الأسف، ويكفي تذكر الحجم الضخم للقضايا المرفوعة في المحاكم لتفصل بين الأزواج فيما بينهم، أو تقضي في دعاوى النزاع بين التجار والشركاء، لنعرف كم حجم الظلم الواقع في مجتمعاتنا. أما إذا دققنا في الظلم الواقع على الشعوب من الأنظمة من نهب للخيرات وسلب للحريات وحرمان للمخلصين وتقريب للمخادعين، فهذا باب يطول شرحه، وما قامت الثورات العربية إلا بسببه. وهناك ظلم واقع في ميدان التنافس السياسي وهو على مستويين، مستوى يمارس الظلم بالتحايل القانوني فيفصل القوانين على مقاسه وأهوائه، وقسم يمارس الظلم بالبطش والقمع والانقلاب والقتل والسحل. وكذلك هناك ظلم يقع على الأمة يقوم به بعض الشباب المتحمس لنصرة الإسلام، ولكن لجهلهم بحقيقة الإسلام يقومون بتكفير أغلب المسلمين ويستحلون دماءهم وأموالهم، وبسبب تلاعب بعض أجهزة المخابرات بهم من جهة أخرى، يقومون بكثير من التفجيرات والقتل في صفوف المسلمين، والأبرياء دون حجة وبرهان، ويفقدون في كثير من ميادين مقاومة المعتدين والمحتلين. ويقابل هؤلاء الجهلة أناس حاقدون وموتورون بدافع طائفي فلا يتورعون عن إقامة المجازر بحق غالبية الأمة من الأبرياء والمسالمين، من أجل استيلائهم على السلطة وبقائهم فيها، ولم يتركوا باباً من الظلم إلا وفعلوه، من سجن وتعذيب واغتصاب وقتل وتشريد، حتى فاق ظلمهم ونكالهم بالأمة ظلم كافة أعدائها عبر التاريخ.  ومحصلة هذا الظلم الداخلى ونتائجه أن تضطرب الأحوال، وتظهر الفوضي، وينعدم الأمن وتنزع البركة، وتضيق الأرزاق، ويتسلط علينا عدونا من الخارج، وتستباح بيضتنا وكرامتنا. ولذلك فإن بقاء الأوضاع في الأمة بهذه الحالة من الظلم مؤشر خطير جداً، وإن بقاء الظلم يستفحل وينتشر مؤذن بخراب العمران، والعاقل والبصير هو من يتأمل في هذا الظلم الحاصل ويعمل على رفعه، وقطع شأفته، وإلا فإن الكارثة ستقع لا محالة، فهل يرتجى بركة وأمن ونعمة مع الظلم للإنسان والحيوان والجماد، وهل يرضى الله ما يشيع في البلاد من فواحش ومعاص ومنكرات وشرك ووثنية؟؟ ولذلك على الولاة والعلماء والمصلحين والمخلصين العمل على رفع الظلم ومنعه في كافة المستويات، فلا يجوز بقاء دين الله تنتهك حرماته بالشرك والمعاصي، ويجب عليهم القيام على حماية جناب التوحيد وتعليمه ونشره بين الناس، ليحفظ الله العباد والبلاد. ويجب عليهم نشر الفضائل والمحاسن وحثّ الناس عبر منابر الإعلام والتربية والتوجيه لتعظيم حرمات الله عز وجل والتمسك بالشعائر والفرائض الشرعية، لتتنزل علينا البركة ويفشو الخير في أرجائنا. ويجب عليهم العدل في المظالم بين الناس وعدم تأخير عقوبة المعتدي والظالم، وسرعة إنصاف المظلوم، والإقلاع عن كل ما يفضي لظلم وعدوان على أحد، حتى لا تبقى دعوات المظلومين تقرع أبواب السماء على الظلمة. ويجب الأخذ على يد الشباب المتحمس المتهور بالنصيحة والتوجيه قبل أن تتلقفهم أيدى العملاء والجواسيس لتصنع منهم قنابل موقوتة. ويجب فضح الطائفيين الحاقدين المجرمين وبيان كارثية أثرهم في الأمة عبر التاريخ، ونصرة المظلومين ودعمهم بكل سبيل، وإلا خذلنا الله عز وجل في موطن نحتاج إلى نصرته ومعونته سبحانه وتعالى. وإذا لم نفعل ذلك ونحارب الظلم والطغيان الذي نصنعه بأيدينا فكيف سيكون عندنا صف موحد ونحن ندعو على بعضنا البعض، وكيف سيكون عندنا حرص على دفع أعدائنا من الخارج وبعضنا يوالي هؤلاء الأعداء ويتحالف معهم، وكيف سينصرنا الله عز وجل ونحن نبارزه بالمعاصي. الظلم ظلمات في الدنيا والآخرة، وها نحن نرى أثر هذا الظلم لأنفسنا في حياتنا، فكيف ستكون عاقبته في الآخرة؟ وعليه فإن الطريق الصحيح نحو رفع الظلم عنا من أعدائنا من الخارج هو رفع الظلم عن أنفسنا من الداخل، ظلمنا لأنفسنا بالشرك والبدعة والخرافة والمعصية والفسق، وظلمنا لبعضنا البعض على مستوى الأفراد والعائلات والسلطة والمعارضة والدول فيما بينها، وعندها لن يجد عدونا جاسوسا له بيننا، ولا مظلوما يحرضه على أهله، وسيجد صفا متماسكاً يرفض الظلم ويرد العدوان ويضحي بحياته من أجل إحقاق العدل، فيسود الأمن والأمان الكامل، كما سادت من قبل لما التزمنا شريعة الرحمن وتجنبنا الظلم، فجنبنا الظلمات.