شبابنا ومصائد الانحلال والكفر والتكفير

الرابط المختصر
Image
شبابنا ومصائد الانحلال والكفر والتكفير

شبابنا ومصائد الانحلال والكفر والتكفير أسامة شحادة مجتمعنا الأردني مجتمع شاب وفتي كحال أغلب المجتمعات العربية والإسلامية، فالإحصائيات تشير أن نسبة الشباب في المجتمع الأردني تتجاوز 40% من عدد السكان، وهي إحدى نقاط القوة والقدرة التي يجب علينا المحافظة عليها واستثمارها بالشكل الصحيح حتى تكون سبباً في نهضة وعزة مجتمعنا الأردني وأمتنا العربية والإسلامية. وكما أن الشباب عامل قوة لأي مجتمع وأمّة فهو أيضاً نقطة استهداف من قبل الخصوم والأعداء، ذلك أن الشباب يتسم عموماً بالعاطفة والاندفاع الذي قد يصل للتهور مع نقص المعرفة وقلة التجربة، ولذلك يعمل الخصوم والأعداء على تحييد الشباب عن خدمة مجتمعهم وأمتهم بإغراقهم في الملذات والشهوات والتوافه عبر مصائد متعددة لكنها تتصف بالجاذبية والتشويق. ومن هذه المصائد مصيدة الانحلال والفجور والفحش والجرائم، فكل الإحصائيات والدراسات الاجتماعية والصحية والأمنية تشير إلى ارتفاع نسبة الشباب المتورطين في إدمان المخدرات وجرائم السرقة والزنا والقتل، إذ على مستوى الأحداث فقط تم إيداع 112 حدثا بسبب قضايا مخدرات، وأودع 119 حدثا على ذمة جرائم جنسية، كما أن 31 حدثا مقبوضا عليه بتهمة القتل، فيما أودع 22 آخرون على ذمة قضايا تتعلق بأعمال إرهابية، هذا كله في عشرة شهور من عامنا هذا 2014، يذكر أن عدد الأحداث الذين أودعوا لدور رعاية منذ بداية العام بلغ 1729 حدثا. وبسبب تزايد إدمان المخدرات بين الشباب في الأردن تبنت الحكومة الأردنية عام 2008 إستراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات لمكافحة هذه الظاهرة، ولكن للأسف لا تزال الأرقام في ازدياد، بسبب ما تشهده المنطقة من اضطرابات، وبسبب حالة اللجوء الضخمة للأردن، فضلا عن استهداف الأردن وأمنه.  ومع الانفتاح الإعلامي بواسطة القنوات الفضائية وشبكات الاتصالات الذكية تعرض شبابنا لغزو قيمي وسلوكي، ظهرت آثاره في دراسة مكتب هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالجريمة والمخدرات لعام 2013 حول وضع المدارس الحكومية في الأردن، حيث رفعت الغطاء عن تزايد عدد الطلاب من الجنسين، الذين يتعاطون الكحول والمخدرات، وقد أجريت الدراسة على 2471 طالباً وطالبة من 26 مدرسة حكومية، تراوحت أعمارهم بين 11 و16 سنة. وكانت النتائج أن 2.4% من الطلاب يتعاطون الحبوب المهدئة، وأن البنات أكثر تعاطياً لها من الذكور، وأن 2.3% من الطلاب يتناولون الخمر، وأن 2.2% يتعاطون المواد المخدرة والطيارة (المواد التي تتحول إلى غازات). أما تقرير التقييم القُطري للأردن الذي أعدته الأمم المتحدة في عام 2013، فقد أظهر أنه ووفقا لدراسة حكومية حديثة ومثيرة، أجريت على 1,022 طالبة بالإضافة إلى 865 طالبا في أربع جامعات أردنية، أن 22% من المستجيبين أنهم مارسوا الجنس في حياتهم، بينما أشار 15% أن لديهم في الوقت الحالي حياة جنسية نشطة. وقد كان د. حمدي مراد في مقابلة قديمة مع جريدة الغد (2009) ذكر أن هناك أكثر من 17 طريقة للزواج منتشرة بين طلبة الجامعات، وتتخذ أشكالا عدة، ولكن كلها تأخذ مسمى واحد وهو (الزنا)، وحذر من خطورة الوضع القائم بين طلبة الجامعات، بسبب الاختلاط فيها دونما ضوابط تربوية وأخلاقية. وهذه الأرقام المفزعة لضحايا مصيدة الانحلال من شبابنا يمكن أن ترى مقدماتها في جحافل الشباب المتسكعين حول مدارس البنات، وفي القصص المخزية لتغيب الطالبات عن مدارسهن برفقة بعض هؤلاء المتسكعين، وفي تزايد ظاهرة التحرش وعدد الأطفال اللقطاء وجرائم زنا المحارم، والتي توجت بمحاولة البعض بترخيص جمعية للشاذين جنسيا قبل مدة. وللأسف فإن كثيرا ممن يقع في مصيدة الانحلال، يقع مرة ثانية في مصيدة الكفر، فتجد الكثير من الشباب والشابات ضحايا لأفكار وافدة كالإيمو وعبادة الشيطان ومذاهب الإلحاد المتنوعة. فمؤخرا في الجامعة الأردنية وقفت فتاة تعلن إلحادها وكفرها بالله علنا وأخذت تناقش ذلك مع ضيف أكاديمي يقدم محاضرة عن الإلحاد، وما عاد مفاجئا مع الأسف أن يحدثك أحد الأصدقاء أن ابنه أو قريبه قد ألحد وكفر بالله، بل تجده يفتخر بذلك ويدعو له على صفحته على الفيس بوك. ولم يعد الإلحاد في الأردن يقتصر على بعض الشخصيات التي تتوارى بإلحادها، بل أصبح هناك مجموعات شبابية تعلن ذلك وتصرح به بكل طيش ورعونة، وهم يرددون كل الشبهات القديمة والتي قتلت بحثا ودرساً، ولكن لأن شبابنا غالباً مفرغ معرفياً ويعيش عصر القيم المادية وثقافة الصورة، فإنه ينبهر بشبهات الملحدين سريعاً، خاصة أن المناهج التعليمية المدرسية والجامعية فضلاً عن الخطاب الديني لا يعتني بترسيخ هذا الجانب بشكل علمي وعقلي باعتباره أمراً مسلماً به، فإن ضحايا مصيدة الكفر سرعان ما يقعون في فخ الإلحاد الجديد الذي يقدم لهم عبر الأفلام السينمائية والكتب الفكرية المترجمة وغيرها من الأساليب، وينطبق عليهم قول الشاعر: أتاني هواها قبلَ أن أعرفَ الهوى                فصادفَ قلبي فارغاً فتمكَّنا ونفس الأمر ينطبق على شباب وبنات الإيمو في مدارسنا، والذين يعتبرون أرضية جاهزة للانضمام لنادى عبدة الشيطان، فالفراغ المعرفي والديني، وترهل الأهلية والرقابة الأسرية، وضعف كفاءة العملية التربوية، والإعلام المنفلت، كل هذا جعل مذاهب الكفر تتمدد بين شبابنا. ومن يقع في مصيدة الكفر هذه غالبا ما ينزلق أيضاً لمصيدة الانحلال أو يتورط أكثر فيها، لأن طقوس وأفكار هذه المجموعات لا تتكامل إلا بجرائم الزنا والشذوذ والسكر والمخدرات. أما المصيدة الثالثة فهي مصيدة التكفير، فالمؤشرات تدل على ارتفاع أعداد الشباب الذين يتقبلون أفكار تنظيم داعش، والتي يتلقونها عبر الاتصال الشخصي أو عبر شبكة الإنترنت. يتفق كل العقلاء على أن الشباب المندفع والغاضب من الانحلال والكفر في واقعه الاجتماعي، والهوان والضعف في واقعه السياسي، والفساد والفقر في واقعه الاقتصادي، إن لم يجد موجها أميناً وعالما ربانياً ومحضناً تربوياً مخلصاً سيكون فريسة سهلة لمصيدة التكفير، والتي تزين نفسها لهؤلاء الضحايا بشعارات براقة تغر طبائع الشباب، مثل: الجهاد والخلافة التي تدغدغ عواطف القوة والمجد الضائع، أو تحكيم الشريعة ونصرة الدين التي تدغدغ عواطف التدين، وهكذا. وهذا الشباب الثائر يندفع حرصا على أمته ودينه، لكنه جاهل بدينه أو جاهل بأولوياته وجاهل بالتجارب والخبرات الفاشلة لمن وقعوا قبله في هذه المصيدة، وهذا تقصير من الدعاة والعلماء والمؤسسات والهيئات الدينية الأهلية والرسمية، وأيضا تقصير وإهمال من وسائل الإعلام والتثقيف الرسمية. إن مما يجب على الجميع لتجنيب شبابنا مخاطر هذه المصائد، والاستفادة من طاقات في مسارات إيجابية تخدم مجتمعهم وأمتهم، القيام بما يلي: 1- التركيز على استنهاض الوعي الأسري، ورفع كفاء الوالدين تربوياً، إذ هما خط الدفاع الأول. 2- تفعيل دور العملية التربوية في تحصين النشئ الجديد من هذه المصائد من خلال الإقناع وليس الإجبار والمنع، والتوعية بالمخاطر الناتجة عنها، والتعريف بتاريخ التجارب الفاشلة لمن ساروا في هذا الطريق. 3- تطوير الخطاب الديني ليواكب هذه التحديات، بخطاب إيماني سليم مدعّم بالأدلة الشرعية والحجج العقلية واللغة السهلة والواضحة والمباشرة مع تنويع وسائل وأدوات ومواضع الشرح والتوضيح وعدم الاقتصار على الخطاب الشفوي الوعظي في داخل المساجد فقط. 4- مراجعة المنظومة الإعلامية الرسمية لتعزيز بث القيم الإيمانية والأخلاقية بصورة مؤثرة فعلياً، وسد النقص المعرفي عند الشباب والمشرفين عليهم بخصوص الشبهات المطروحة من جماعات الكفر أو جماعات التكفير، فضلا عن التعريف بالتاريخ الكارثي لمسارات العنف. 5- تشديد العقوبة على المتلاعبين بطاقات الشباب وكذلك الشباب المستهترين.