عبدة الشيطان نتيجة فساد في منظومة التربية والتعليم والإعلام والثقافة

الرابط المختصر
Image
عبدة الشيطان نتيجة فساد في منظومة التربية والتعليم والإعلام والثقافة

لفت نظري ذات يوم وأنا أستعد لمغادرة منزلي للعمل طالبة مدرسة في ما كان يسمى المرحلة الإعدادية ترتدى حذاءً رياضياً، كلّ (فردة) منه بلون مختلف عن الأخرى، فالقدم اليمنى سوداء واليسرى لونها أبيض!! الحقيقة أنني دققت النظر فلعلي سهوت أو اختلط علي المشهد لكن تلك هي الحقيقة: الحذاء بلونين مختلفين، فقلت لنفسي: هل وصلت العجلة وعدم التركيز بالجيل الجديد لمثل هذا الخطأ العجيب! وأشفقت عليها من سخرية زميلاتها حين يرونها تلبس حذاء بلونين كما كنا نفعل حين نجد أحد الزملاء في المدرسة اختلط عليه الأمر فلبس جوربين مختلفين، وعلى الغداء ذكرت المشهد للعائلة وهنا كانت المفاجأة لي حين أخبرتني ابنتاي شيماء وعائشة وهما طالبتان في نفس المدرسة الحكومية التي تدرس بها تلك الفتاة أن هذه (موضة) منتشرة بين الطالبات، حيث تتبادل الفتيات فردات الحذاء بينهن!! وأن هذه موضة من عدة موضات منتشرة بين الفتيات المعروفات بالإيمو، فهن يضع الكحل والمناكير الأسودين، ويجرحن أيديهن عند الرسغ بالشفرات، ويقمن بعمل قصات شعر غريبة ويضعن صبغات شعر ملفتة، ولباسهن يحمل صور الجماجم والنار والإكسسوارات كذلك. وقد استهجنت أن يقع هذا في مدرسة اليرموك للفتيات في منطقتنا بحي نزال - الذراع الغربي، فسألت بعض الأصدقاء من المدرسين في عدد من المدارس الحكومية في مناطق متوسطة مثل نزال والنزهة والهاشمي، فأكدوا الخبر وأن هذه الظواهر منتشرة بين الطلاب وأنهم يتابعون مثل هذه الصرعات الفكرية والسلوكية عبر الإنترنت والفضائيات، وأرسل لي أحد الأصدقاء شابا كان من الإيمو ثم نضج وكبر وتخرج من الكلية ليحدثني عن تجربته، فأفزعني حديثه عن أن الموضوع لا يقتصر على اللباس بل يتطور مع الطالب والطالبة فيبدأ يسمع أنواعاً معينة من الأغاني والموسيقى الغربية الحزينة، ويبدو أن الوضع تطور وأصبح هناك مغنون عرب يقومون بالمهمة سواء بالإنجليزي أو العربية، ومن ثم يشاركون في اجتماعات وحفلات في البيوت والمطاعم والمقاهي وأن الأمور تتطور فبعضهم يقع في الإدمان والإباحية والفواحش وبعضهم يواصل الطريق ليهوي في انحرافات أكبر كعبادة الشيطان!! ومما قصّته علي شيماء وعائشة من أحوال الطالبات في المدرسة أن المدرسة تمور بالهواتف الخلوية بين الطالبات رغم أنه يمنع عليهن ذلك ورغم حملات التفتيش التي تقوم بها الإدارة، وأن أغلب استخدامهن الخلويات للحديث مع الشباب الطائش حول المدرسة وتبادل مقاطع الفديو كليب وكثير منها فاضح، وأبشع شيء قالتاه أن بعض الشباب يهدي بعض الفتيات هواتف وبطاقات شحن ليكلّمها وأهلها لا يعلمون أنها تملك هاتفا أصلاً، طبعاً أنا اتحدث عن فتيات في الصفين الثامن والتاسع!! فما سمعناه من أخبار مجموعة عبدة الشيطان في جامعة آل البيت – سواء صحت أم لم تصح – هي ظاهرة موجودة ولماذا ننكرها، أليس قبل مدة وجيزة كان لهم اجتماع في حي عبدون، وقبلها في شارع مكة، والظاهرة موجودة في الأردن منذ نهاية التسعينيات. وهذا الفساد والانحلال بين طلبتنا وأبنائنا هو نتيجة لسياسات عامة تطبق منذ عقود بدأت من زمن الاحتلال لأمتنا على يد القس دانلوب مستشار التعليم زمن الاحتلال البريطانى لمصر، واستمرت هذه السياسات في عصر التحرر الوطني، لكنها في العشرين سنة الأخيرة تسارعت وتيرتها بسبب استراتيجيات تجفيف المنابع الدينية من جهة بحجة محاربة التطرف والإرهاب، والترويج للعولمة بقيمها الحداثية الإباحية والإلحادية ومصالحها الاقتصادية التي لا تتماشى مع التعاليم الدينية ولا التقاليد المحافظة، وبسبب التطور التكنولوجي في قطاع الإعلام والاتصال، فبعد أن كان الشر يأتينا ليلة الخميس من تلفزيون إسرائيل أصبح الشر لا يتوقف لا صباحاً ولا مساءً وذلك كل يوم، فقد هدمت حوائط غرف النوم في الفضائيات الغربية والعربية!! وهذه السياسات بدأت بتحقير مهنة التعليم بعد أن كان المعلمون قادة المجتمع والدولة، وتوقف لحظة وتذكر أسماء قادة الأردن حكومة ومعارضة ألم يكن كثير منهم معلمين مثل: أحمد اللوزي، ذوقان الهنداوى، خليل السالم، وغيرهم، ولكن اليوم من سوى نقيب المعلمين مصطفى الرواشدة نعرف؟ تحقير التعليم تم عبر جعل علامة القبول لكليات الطب والهندسة والاقتصاد والحقوق وغيرها أعلى من كليات المعلمين! وبالتالي أصبح الأذكياء يهربون من وظيفة التعليم لأن العائد المادي فيها ضعيف مقارنة بغيرها! وبالتالي أصبح غالب المعلمون ليسوا نخبة البلد وأذكياءه ومتفوقيه، وهذا انعكس على العملية التعليمية فهبط مستواها، ولذلك حين نطالع رؤية وزارة التربية والتعليم على موقعها الإلكترونى نجد أنها: "بناء جيلٍ مؤمنٍ بالله محبٍ لوطنه، مشاركٍ في بنائه، منفتح على العالم مواكباً لأحدث التطورات العالمية، بمعنى إعداد طالب منتم بوعي مفكر و منتج"، ولكن كم هو مقدار نجاح الوزارة في تحقيق رؤيتها وغايتها بحسب المخرجات وهم الطلاب في بيوتنا؟؟ وبالمثل تم التعامل مع كليات الشريعة والتي أصبحت في ذيل قائمة القبول مع كلية الرياضة !! ثم يخرج وزير الأوقاف يشتكى من عدم أهلية نصف الأئمة والخطباء في المساجد وأنهم لا يقومون بدورهم، عجباً ! الأجيال الماضية والتي تعرضت لهذه السياسات المحلية والعالمية كونت أسرا وأنجبت أبناء، لكن كم هو مقدار التأهيل الذي تحصلوا عليه ليكونوا آباء وأمهات ويتمكنوا من تربية أبنائهم في زمن مختلف ومتسارع عن زمانهم؟ والعجيب أن دعاة التغريب في عالمنا الإسلامي كانوا يرفعون شعار تعليم المرأة رغم الاختلاط والرؤية العلمانية المهيمنة على المناهج لتكون مؤهلة لتربية الأبناء، وكما يقول الأديب الكبير المنفلوطي في قصته الحجاب عِبرة وعَبرة: "وقلتم لها لا بد أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك، والقيام على شؤون بيتك، فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها، والقيام على شؤون بيتها". ولذلك لا تجد اليوم في مناهج التعليم شيئاً يخص المرأة في دورها المستقبلي كأم وصانعة أجيال وذلك بفضل أيديولوجية الجندر والتي ترفض اختصاص المرأة برعاية الأبناء وتربيتهم، ولكنها تحرص على أن تحقق المرأة ذاتها بكنس الشوراع وقيادة سيارات الأجرة ومزاحمة الرجال على الحرف المهنية حتى تتحقق المساواة بين المرأة والرجل!! وهكذا أصبح عندنا مدارس لا تقوم بواجبها التربوي ولا التعليمي على الوجه الصحيح ولذلك تفاقمت ظاهرة المدارس الخاصة والدروس الخصوصية، وأصبح عندنا جامعات تقرأ أخبارها في صفحات الحوادث من كثرة العنف الجماعي فيها بدلاً من أن تقرأ أخبارها في صفحات العلوم والثقافة، فضلاً عن تحولها لمولات مفتوحة أو مفضوحة بسبب سلوكيات الطلبة وبعض أو كثير من المدرسين مع الطالبات المتحررات!! أما الإعلام والثقافة فهما لا يقدمان الدواء ولا يرشدان للعلاج بقدر ما يسايرا الوضع المائل وذلك كله بفضل التماشي مع قوانين السوق والسوق المفتوحة تحديداً، فأصبحت الثقافة المحافظة والإعلام الهادف معزولين ومنزويا لأن الثقافة والإعلام اليوم يقومان إما بالزحمة على شباك التذاكر أو بكثرة الإعلانات الفاضحة. وبعدها يتساءلون لماذا يعبد بعض الشباب الشيطان؟؟ ولماذا يصبح اقتصادنا ضعيفاً؟ ولماذا ينخر الفساد في مؤسساتنا. ولماذا لا تصلح إصلاحاتنا؟