بين الروشنة والدعشنة يضيع الجيل والمستقبل

الرابط المختصر
Image
بين الروشنة والدعشنة يضيع الجيل والمستقبل

قفز للحياة مؤخراً مصطلح "الرَّوشنة" الَّذي يقصد به ظهور الشباب بشكل متحرر ومتجاوز للأخلاق والأعراف العامة المنبثقة من مكارم الأخلاق على مستوى اللغة والشكل والسلوك، ومصدرها تقليد أعمى لتقاليع مستوْردة وسلوكيَّات جنونيَّة من ثقافات غير إسلامية. وتتمثل الروشنة في واقعنا بما نشاهده من لباس ومكياج فاضح وصارخ يقول: شوفوني!! أو ما يتفوه به بعض الوقحاء علنا في الشوارع من شتائم لرفاقه ويسمونها "تطعيم"، أو قيادة السيارات والدراجات بطريقة مستهترة بلا ذوق ولا خلق، أو ما يحدث في حفلات التخرج والأفراح والمهرجانات من سلوكيات مقززة، وهذا كله في محاكاة لما تضخه أو تقيئه القنوات الفضائية وشبكات التواصل الإلكتروني من مناظر ومقاطع لحفلات الغرب المسعور باللذة والشهوة والمادية المتوحشة. ومن مكونات هذه المقاطع للحفلات والسلوكيات الغربية في الإعلام تعاطي المحرمات والممنوعات من الخمر والمخدرات وارتكاب الفواحش وتسليع المرأة والفتيات بوصفها متعة جنسية فحسب، ويرافق هذا كله تعظيم وتفخيم للعنف والقتل والتدمير، في خروج عن كل الأعراف والأخلاق حتى بالمعيار الغربي المتردي والمنخفض أصلا!! والروشنة كجبل الجليد يظهر جزء يسير منه فوق الماء وأغلبه يبقى متواريا عن الأنظار لكنه أكثر حجما وامتدادا وخطراً، والقسم الغاطس منه هو سبب للكوارث المدمرة والمصاعب المفجعة. ولعل في تقرير الغد (25/8/2014) عن انتشار الخمر والمخدرات بين طالبات الجامعات مثالا لشدة خطورة ظاهرة الروشنة على مجتمعنا، وأيضا ظاهرة تزايد عدد اللقطاء وحالات الإجهاض للفتيات المتزوجات، فضلا عن حالات زنا المحارم، وانفجار ظاهرة العنف الشبابي في الجامعات وخارج الجامعات، والتحرش الفردي والجماعي بالفتيات، فضلا عن تكون مجموعات هنا وهناك من الملاحدة وعبدة الشيطان والإيمو وغيرها. ومقابل هذه الظواهر السلبية التي لا تخطئها العين – مع الأسف – في كثير إن لم يكن غالب الأماكن، نجد ظاهرة الدعشنة – نسبة لتنظيم داعش-، حيث شهدت مجتمعاتنا بروز مجموعات شبابية تتفاخر بتأييد دولة داعش وجرائمها وتدافع عنها، وتحاول أن تحاكي ما يحدث في مناطقها برفع راياتها السوداء وإطلاق الأناشيد والهتافات، وقالت بعض الأخبار إنهم أطلقوا النار في السماء ابتهاجا بخروج بعض أفرادهم على مرأى ومسمع من الشرطة! والروشنة والدعشنة نتيجة طبيعية لتفريغ التعليم من مضمونه من خلال سياسات عامة كالترفيع التلقائي الذي أورث الكسل والجهل بين الطلبة بحجة عدم تحمل ميزانية وزارة التربية لكلفة إعادة السنة للأعداد الضخمة من الطلبة الراسبين! فتم ترحيل المشكلة فقط للمرحلة الجامعية لتنفجر المشكلة الآن في وجه الجميع. فعندنا عشرات الآلاف من الخريجين غير الأكفياء، والدليل نتائج امتحان المتقدمين لوظيفة معلم مؤخرا، حيث من أصل 6300 متقدم أختبر 5000 شخص، نجح منهم 3125 شخصا فقط!! بل وصلت الملهاة المبكية أن بعض خريجي تخصص الشريعة الإسلامية لم يستطيعوا الإجابة على سؤال حول الفرْق بين السور المكية والمدنية، وهي معلومة تدرس لطلبة المدارس!! وهؤلاء المعلمون غير الأكفياء الذين تسربوا للتعليم في السنوات الماضية مع سياسات وزارة التعليم هم سبب نتائج الثانوية العامة الهزيلة بعامة، بل لم ينجح في 324 مدرسة حكومية أي طالب!! هذا الخلل في الوضع التعليمي بعامة ومادة التربية الإسلامية بخاصة جعل الجيل الصاعد وصانع المستقبل مفرغا تماماً أمام ظاهرة الروشنة وظاهرة الدعشنة، ولذلك ينسحق فيها ولا يتمكن من النجاة من مخالبها، فيخسر وتخسر عائلته ويخسر المجتمع جميعاً. ويرافق هذا الخلل الكبير في العملية التعليمية خلل أكبر في العملية الإعلامية، حيث المشكلة هناك أضخم، لأنه لا يقتصر على تفريغ الشباب والجيل القادم وصانع المستقبل من المعرفة الشرعية الصحيحة، بل هو يقوم بملء فراغ المعرفة الإسلامية الصحيحة بمحتوى معرفي وقيمي غالبا بمحتوى ضار ومؤذ لهؤلاء الشباب ولأسرهم ومجتمعهم. فكمية العنف والتدمير والقتل التي تزرع في عقول ووعي أولادنا كميات ضخمة جداً، وتمتد من برامج الأطفال إلى المسلسلات والأفلام مرورا حتى بالإعلانات وبرامج المصارعة والقتال. أو الترويج لنموذج "الروشنة" المنحل وأخلاقياً والمنحرف قيمياً بأصله الغربي أو طبعاته المحلية من العربية والهندية والتركية والمكسيكية وغيرها. أو ترسيخ منهج المادية المفرطة والاستهلاكية المؤذية على الكماليات التي تستنزف الناتج القومي بالاستيراد الغبي فيتعطل مسار التنمية وتنحرف دورة الاقتصاد بما يصبّ في صالح الرأسماليين الجشعين الذين يشتمهم مثقفو العلمانية والحداثة واليسار الاشتراكي والاجتماعي وهم يحتسون القهوة في مقاهي ستاربكس وأخواتها مع إطلاق حلقات الدخان من السيجار الأجنبي الفاخر!! وكل هذه البلايا هي سياسة وغاية مقصودة في الإعلام الرسمي والأهلي، وقد أحسن د. مالك الأحمد بإطلاق هاشتاق على تويتر سماه (حاضنة – الدراما – الآمنة)، ليكشف مدى جناية الإعلام على مجتمعاتنا من جهة وتقديم مشروع بديل كحل لهذه الكارثة. والقصور والتقصير في الجانب التعليمي والإعلامي تقع مسؤوليته بالدرجة الأولى على الحكومات والإدارات الرسمية، لأنها إما مقصرة في العلاج على مستوى المدارس والجامعات والمساجد والإعلام، أو هي سبب للمشكلة أصلاً بتبني خيار نشر الروشنة أو مقدماتها لعلاح الدعشنة، كما ينظر بعض مستشاريها أو النخب العلمانية، وهو ما يفاقم المشكلة في كلا الظاهرتين. أما التيار الإسلامي بمختلف أطيافه فهو يعلن في العموم رفضه لظاهرتي الروشنة والدعشنة، ويعمل لمقاومة هاتين الظاهرتين، لكنه يعاني من قصور من ناحية قلة حجم التركيز والاهتمام على الظاهرتين برغم خطورتيهما وأولويتهما من جهة، ومن حيث مضمون وجودة وملاءمة المضمون والأسلوب في علاج هاتين الظاهرتين من جهة أخرى. وهو ما يستدعي من التيار الإسلامي وقفة مراجعة وتقييم للواقع ووضع خطة وبرنامج أكثر فاعلية في حصار هاتين الظاهرتين، قبل أن يستفحل شرهما بشكل سرطاني لا يعالج إلا بمشقة وتعب شديد وبعد خسارة آلاف الطاقات الشبابية في مسارات منحرفة، تجعل المستقبل داكناً لا مشرقاً.