يشهد المجتمع الأردني حالة من الجدل الشديد بخصوص قرار أمين عمان بمنع تدخين الأرجيلة في الأماكن العامة وسحب ترخيص المقاهي التي تمارس ذلك، وذلك تنفيذاً لمقتضيات قانون الصحة لعام 2008، والاتفاقية الإطارية لحظر التبغ التي وقع الأردن عليها منذ سنوات. وأهم حجة لرافضى القرار هي الإضرار برزق العاملين في الأماكن التي تقدم الأرجيلة، ومنهم رئيس جمعية المطاعم الذي قال إن “40 منشأة سياحية مرخصة يعمل بها أكثر من 12 ألف موظف تقدم النراجيل”. وبعيداً عن مناقشة أضرار التدخين والأرجيلة على الشخص نفسه أو على الميزانية العامة التي تتكبد ما يفوق 300 مليون دينار سنويا لمعالجة المدخنين والمتضررين منه، وأنها أصبحت تهدد قطاعا كبيرا من أطفالنا حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى تورط أكثر من 22% من طلبة المدارس بآفة التدخين أو الأرجيلة!! أما من أنهوا تعليمهم المدرسي فالنسبة بينهم تصل إلى 29%!! وهي تشمل الشباب والبنات على حد سواء، وبعيداً عن مدى صحة تضرر مصالح العاملين بسبب قرار منع تقديم الأرجيلة. فإن القضية الأخطر والتي يجب أن نتوقف عندها طويلاً، هي جعل ارتكاب الحرام وسيلة للرزق سواء للعاملين أو أصحاب المنشآت، وهذا لا يقتصر على الأرجيلة بل يشمل المطاعم والبارات والملاهي الليلية التي تقدم الخمر والرقص برخصة حكومية، والزنا والدعارة من تحت الطاولة! أو محلات التدليك والمساج ومحلات التجميل التي يقع في كثيرٍ منها أعمالٌ محرمة كتدليك أو تجميل نساء للرجال وبالعكس. والكسب الحرام من أعظم الآثام التي حذر الإسلام منها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وقال: ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجلَ يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك"، صحيح مسلم، وحذرنا المصطفى من أمثال هذه الأحوال التي نعيشها فقال: "يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمِن الحلال أم من الحرام؟"، صحيح البخاري. ولذلك فالواجب على المسلم الحرص على البحث الجاد والصحيح عن سلامة رزقه وأن يكون حلالا طيبا حتى يباركه الله عز وجل، والأعمال والمهن والوظائف من حيث الحلال والحرام تنقسم إلى: - أعمال حلال صرف، مثل بيع الخضار وتربية الدواجن والموظف في دائرة أو شركة تعمل بالحلال الصرف. - أعمال هي حرام مطلقاً، كبيع الخمر والإعانة عليه كزرع العنب لمصانع الخمر ونقله لهم، ومثل عقد الربا وتوثيقه، والعمل في نشر الفواحش والمنكرات. - عمل في أصله حلال ولكن الغالب عليه في الممارسة تقوية الحرام والإعانة عليه، كمثل بيع الملابس الفاضحة والمكياج والعطور، فأصل بيعها حلال، ولكن السائد هو بيعها لمن لا يلتزم بالأحكام الشرعية في استخدامها مما يجعل كسبها محرماً، ومثلها محلات التجميل النسائية، لقوله تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) [المائدة 2]. - أعمال الأصل فيها الحلال لكن فيها شيء من الحرام قليل، ولا تباشره بنفسك، مثل الموظف في شركة تقترض إدارتها من البنوك الربوية، فالإثم هنا على الإدارة. - وعمل غالبه محرم وإن كان أصله مباحا، كالسينما فهي مباحة في الأصل، لكن غالب ما يعرض فيها يحتوي على كشف العورات ونشر الرذيلة ومحاربة الشريعة وارتكاب المحرمات، ويلحق بها التمثيل وتوابعه من التصوير والمكياج والنقل والديكور فهو كله إعانة على المحرم، والحلال في التمثيل قليل جداً. لذلك من الخطورة بمكان أن يتحول الحرام والضار والفاحشة إلى تجارة أو صناعة أو وظيفة يعتمد عليها المسلم في رزقه، والأخطر حين يصبح المجتمع المسلم يعتمد على الحرام كمصدر لرزقه كما في حالة السياحة مثلاً، والمقصود السياحة القائمة اليوم والتي لا ضوابط لها، ويكفينا قصة الكازينو التي أبعد الله عنا شره، فهي قصة لم تتم وتسببت لنا بقضية فساد لم نعرف حقيقتها بعد، فكيف لو تمت! ومن هنا يجب أن نتأمل في حقيقة البعد الاقتصادي للحرام في بلدنا وإقليمنا وعالمنا، وكيف أن الحرام عبر التاريخ كان تجارة وصناعة ينتفع منه الكبراء، كما هو حالنا اليوم، فتجارة الجنس مثلاً على شبكة الإنترنت فقط يقدر حجمها بـ 70 مليار دولار!! أما حجم تجارة السجائر في العالم فيقدر سنويا بـ 407 مليارات دولار!! وتجارة المخدرات في جميع أنحاء العالم تبلغ نحو 600 مليار دولار!! أما صناعة السينما فهي بمئات المليارات في العالم ويكفي أن نعرف أن فيلم (ذي أدفانجرز) لوحده جاوزت أرباحه 5 .1 مليار دولار!! وأن الهند أرسلت صاروخا للمريخ بكلفة 70 مليون دولار، بينما متوسط كلفة إنتاج فيلم اليوم هو 200 مليون!! ولنبحث عن حجم تجارة الخمر في العالم، وتجارة الموضة، وتجارة الغناء والموسيقى الماجنة، والسياحة الهابطة، و....، وأصبح لهذه التجارات المحرمة شرعاً والممنوع بعضها قانوناً (كارتيلات) تنظمها وتحميها وتسعى على توسعها وانتشارها في العالم لتزدهر مدخراتهم وتجاراتهم !! ولا قيمة للأخلاق والشرائع والمبادئ عند هؤلاء القوم. وبحسب الثقافة الغربية المبثوثة في الفن والسينما فإن المنتفعين من هذه التجارات المحرمة هم عِلية القوم وساسة المجتمع إما مباشرة أو بالتحالف، وقد أصبح النظام السياسي الديمقراطي الغربي لا يستغني عن المال الأسود والوسخ للحملات الانتخابية، الذي تقدمه اللوبيات التي تنتفع من هذه التجارات المحرمة. فهذا الاقتصاد العالمي للحرام الذي يبلغ مئات المليارات إن لم يدخل في التيرليونات، هو دافع كبير وحقيقي لحرب الشريعة الإسلامية التي تحرم هذه الأعمال الفاحشة والمنكرة، وتعتبر مكاسبها خبيثة ومهدرة، وهذا التفسير الاقتصادى يغيب عن محللينا الليبراليين في تفسير سبب تخلي (العالم الحر) عن قيَمه تجاه ما يحدث في عالمنا العربي اليوم! ولأن الحرام أصبح مصدر رزق للبعض من المسلمين – للأسف- نجد تعنتاً من بعض البسطاء ومن يتلاعب بهم من المنتفعين لحد التخمة تجاه الالتزام بأحكام الإسلام في الأموال والأعمال، برغم أن بعضهم قد يصلي ويصوم ويحج ويعتمر، بل قد يتصدق ويزكي أيضاً، ولكن من مكسب حرام، فما نفْع هذا!! ختاماً فإن المسلم يسعى دوماً للرزق الحلال ويتجنب الحرام، وعلى المجتمع المسلم دوماً أن يتبنى كل مبادرة تبعد أبناءه عن الحرام، ولذلك نطالب أمين عمان بمنع تدخين الأرجيلة في المقاهي وإغلاق البارات والملاهي الليلية، ومنع التدخين في مبنى الأمانة، ويجب على رجالات القانون في البرلمان والمسؤولين في الوزارات بالتزام منع التدخين في مؤسساتهم امتثالاً لحكم الشرع بتحريم الدخان، وإلا فليطبقوا القانون على الأقل.
خطورة تحول الحرام إلى مصدر رزق!
2014/08/01
الرابط المختصر
Image