فتياتنا والحداثة!!

الرابط المختصر
Image
فتياتنا والحداثة!!

لفت نظرى خبر نشرته الغد مؤخراً عن تأثيرات الحداثة السلبية على مجتمعنا، فبسبب الحداثة تفوقت نساء المجتمع الأردني في قائمة أسوأ المجتمعات تدخيناً وأحرزن الميدالية البرونزية بحصولهن على المرتبة الثالثة في الشرق الأوسط، أما المدخنون رجالاً ونساءً فحصلوا على المرتبة الخامسة بين دول الشرق الأوسط، بحيث بلغت نفقات التدخين/ المحروقات قريبا من مليار دولار!! ويعزو د. حسين محادين هذا الإقبال النسائي على التدخين إلى "طبيعة التحولات التي يمر بها الشعب الأردني نحو الحداثة والقيم الفردية". وهذا الخبر يشكل تناقضاً كبيراً بين العلم والسلوك، حين نجد أن التدخين ينتشر بكثرة بين الشابات الجامعيات والمتعلمات، فالعلم يرشد لترك التدخين لمضاره الأكيدة لكن الواقع هو ازدياد اقبال المتعلمات على التدخين !! من المفارقات أن التعليم وخاصة الجامعي أصبح يرتبط بسلوكيات حداثية لا علاقة لها بالعلم بل هو متناقض معها، كالتبرج الصارخ وتضييع المحاضرات في المقاهي وتبذير الوقت في الفضاء السايبري وإطلاق حلقات الدخان في الهواء !! فلماذا ركضاً وراء الحداثة تلجأ الفتيات لتقليد سلوكيات خاطئة في اللباس والكلام والطعام والصحة، برغم أن مواقع الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي مليئة بأخبار سيئة عن سلبيات اللباس الضيق والكعب العالي وما ينتج عن اللباس الفاضح من مخاطر صحية تصل لحد الإصابة بسرطان الجلد بسبب التعرض لأشعة الشمس، أما في الكلام فضاعت اللغة العربية عند الكثيرات وتفشت المنعطفات والالتواءات تقليدا لدمى الإعلام واللحم الرخيص، أما الطعام فهذه حكاية غريبة فبحثاً عن الحداثة يتناولن الوجبات الدسمة ذات الماركة الأجنبية ! ويتابعن بدقة شديدة برامج أشهر الطباخين، ثم يسهرن على برامج اللياقة والمحافظة على الوزن!! لماذا أضحت الحداثة عبارة عن دوامة كبيرة وعنيفة من السلوكيات السريعة والخطيرة والمتناقضة، فبدلاً من ارتباط الحداثة بالتقدم أصبحت الحداثة سببا للتأخر والتراجع، فمثلاً في موضوع التدخين الذي ينتشر بفضل السعى نحو الحداثة، فهل يساهم التدخين بتحسين المستوى العلمي للفتاة والأسرة والمجتمع؟ أو يساعد على الارتقاء بصحتها وصحة الأسرة والمجتمع؟ أم يساهم في تقليص النفقات الصحية لها وللأسرة والمجتمع ؟ بحسب وزير الصحة الأردن ينفق مئات الملايين لعلاج الأمراض الناتجة عن التدخين. أليست - بسبب التدخين- تنفق الفتاة مالاً لا لزوم له، ثم تنفق مالاً آخر لعلاج آثاره سواء من مطيبات للفم أو لتبييض الأسنان أو لا قدر لله لعلاج السرطان، وهكذا في نواحٍ كثيرة من الحداثة. من أين ترتفع نسب إدمان الشباب والفتيات على الخمر والمسكرات والمخدرات، أليس من خلال بوابات الحداثة في المقاهي والنوادي والحفلات، التي أصبحت لها طقوس ومراسيم لابد من مجاراتها وفتحت لها شركات خاصة تتفنن في تعقيدها وبهرجتها، مما يستنزف الدين والأخلاق والاقتصاد. أليس عبر محاضن الحداثة من مقاهي الإنترنت وما يشبهها عرفت فتياتنا وفتياننا المذاهب الهدامة كعبدة الشياطين والإيمو والتي أصبحت تغزو مدارس المناطق الشرقية في عمان والمحافظات بعد أن كانت حكراً على الطبقة المخملية في عمان الغربية.      لماذا أصبحنا نعاني من الحداثة ومنتجاتها بشكل مخيف ورهيب جداً، ولا نجد حلاً إلا في العودة للطبيعة علاجاً وطعاماً وشراباً!! إن الحداثة والقيم الفردية التي نقصف بها يومياً عبر وسائل الإعلام من خلال البرامج والدراما والإعلانات أو عبر شبكة الإنترنت تقوم على تحقيق المصلحة والمتمثلة عندهم في اللذة والقوة مهما كانت العواقب، ويتضح هذا في برامج المسابقات المترجمة، فما هو الدافع للشباب والفتيات للمخاطرة بأرواحهم في مسابقات خطرة قد لا ينجون منها سوى البحث عن اللذة والقوة ولو بإنجاز لا يخدم أحدا، فما معنى أن تكون أول من (يشقلب) سيارة في الجو!! أو ما هي الإضافة التي تقدمها مسابقة أجمل فتاة عربية بدينة والتي أقيمت مؤخراً!! وكذلك الألعاب والأفلام التي تقوم فكرتها على القتل والاغتصاب كلعبة ممتعة!! إن تسابق شبابنا وفتياتنا على مسار القيم الفردية للأسف يطغى عليه التسابق على القيم الفردية السلبية بدلاً من القيم الفردية الإيجابية، كالفاعلية والمبادرة البناءة والإبداع المنتج، وبدلاً من ذلك تروج القيم الفردية السلبية الباحثة عن اللذة السريعة والقوة المنعشة، ويظهر هذا بشكل كبير في طوفان المسلسلات والإعلانات المدبلجة والمقلدة والتي تقدم صورة مشوه لواقع الأسرة ومستقبلها، ترسخ في الشباب والفتيات قيم فردية سلبية جداً مثل الوقوع في دوامة الموضة والصرعات العجيبة، والتحلل من قيم الدين والمجتمع بدعوى الحرية بحثاً عن اللذة الجنسية الفردية دون اكتراث لتبعات ذلك مستقبلاً على الشاب/الشابة أو الأسرة والمجتمع فضلاً عن الطفل اللقيط !! كما أنها تزرع قيم الأنانية والحقد والغدر، فالأصدقاء غدارين والأقارب مكارين !! وهذا كله في جو غير حقيقي من الغنى الفاحش والأرستقراطية الباذخة والتي لا تشكل من مجموع سكان العالم العربي سوى 15% على أقصى حد. والعجيب أن تفوق الغرب وقوته ليست من فردانيته بل من جماعيته، ولذلك نجد أن الغرب يحرص على الجماعية في الإقتصاد ولذلك ظهر الإتحاد الأوروبي، وفي العسكرية يطور وينمى حلف الناتو، وفي السياسة يعتمد على التكتلات في التصويت في الأمم المتحدة، وفي الإطار المدني يدعم قيام المؤسسات التطوعية والتشبيك المحلى والإقليمي بينها، وهكذا. الفرق بين الإسلام وهذه الحداثة والقيم الفردية أن اللذة والقوة في الإسلام يجب أن تحقق مصلحة شرعية، ولهذا كان الخمر والمخدرات والعري محرمة برغم لذتها، وكان القتل والاغتصاب محرّمين رغم شهوة القوة فيهما.  إن الحداثة التي تعصف بمجتمعنا لها أخطار سلبية جداً، فكثير من مآسي أبنائنا في إدمان المخدرات أو التورط في مذاهب هدامة هي بسبب الحداثة العمياء، كما أن المشكلة الاقتصادية لكثير من الأسر سببها الهرولة الغبية خلف الحداثة فتتراكم الديون بسبب سهولة استخدام بطاقة الصراف والتمويل البنكي الربوي للمشتريات، وكثير من المشاكل الصحية هي بسبب عادات ومنتجات الحداثة في الأكل، وإن ضعف الروابط الاجتماعية في الأسرة الواحدة وارتفاع نسبة العنوسة وسن الزواج هي بسبب الحداثة. الحداثة بالمفهوم العلماني سيئة وأفضل مثال يقرب صورتها هو رداءة المنتجات الحديثة، فبعد أن كان يضرب المثل بجودة المنتجات الغربية واليابانية من ناحية الجودة والمتانة، أصبحت المنتجات الحديثة تتميز بقصر عمرها وقلة كفاءتها حتى تبقى عجلة المكاسب الاقتصادية تضخ لأصحاب المصانع والشركات المكاسب عبر شراء قطع الغيار أو التجديد، ونقل البضائع القديمة للأسواق النامية في أفريقيا وآسيا، وهكذا حال الحداثة، فانتشار منتجات الحداثة أضحى مطلب ضروري جداً لخزائن الشركات الكبرى ورجال الأعمال العابرين للقارات !!