"خطايا تحرير المرأة" وجهة نظر غربية!

الرابط المختصر
Image
"خطايا تحرير المرأة" وجهة نظر غربية!

"خطايا تحرير المرأة" كتاب شكّل لي شخصياً تجربة استثنائية، إذ لم أكن أتوقع أن تكون كثير من انتقادات التيار الإسلامي للمفهوم النسوي المتطرف هي وجهة نظر مشتركة مع جهات غربية علمانية أيضاً!! مما جعلني أتنبّه إلى أن الغرب ليس هو فقط ذاك الوجه القبيح الذي تقدمه لنا السينما أو السياسة الغربية، بل يوجد هناك نقاط مضيئة لكنها مخبأة تحتاج إلى أن تُستكشف.
فمؤلفة هذا الكتاب هي الكاتبة الأمريكية كاري إل. لوكاس وهي عضو بالحزب الجمهوري الأمريكي ومديرة السياسات ونائبة الرئيس لمنتدى المرأة المستقلة، وقد ترجم كتابَها وائل الهلاوي، وصدرت الترجمة عن دار سطور الجديدة بالقاهرة عام 2010، وكان الكتاب الاصلى قد صدر عام 2006.
المقصد الأساس من كتابها كما تقول كاري تقديم المعلومات المحجوبة عن النساء في مرحلة العشرينيات والثلاثينيات تجاه قضايا الزواج والعلاقات خارج الزواج والإنجاب والطلاق، وذلك لأن المؤلفة تعتقد أن هناك الكثير من المعلومات المزيفة والأوهام يتم تمريرها لهذه الفئة من النساء من قبل الحركة النسوية في أميركا التي احتكرت ذلك لفترة طويلة عبر وسائل الإعلام والتي تكون وعياً زائفاً لديهن مما انعكس على حياتهن بشكل سلبي.
ميزة الكتاب أنها تجربة شخصية لامرأة أمريكية في الثانية والثلاثين من عمرها، تزوجت وأنجبت طفلها الأول، وهي تعرف الحياة الأمريكية وتدرك تعرجاتها، وقد كتبت هذا الكتاب لأنها شعرت أنها لو كانت تعرف هذه المعلومات من قبل لكانت حياتها مختلفة، وهذا يجنبنا سيل الاتهامات الجاهزة والمعلبة ضد كل معارض للرؤية النسوية العلمانية.
تبدأ كاري بالحديث عن تغير مفهوم النسوية الحديثة اليوم عن نشأتها عام 1963 والتي كانت تعنى المساواة الى شيء مختلف تماماً، بحيث أصبحت "ترتبط بأجندة تحقق منفعة مجموعة مصالح معينة"، وتستعرض كاري تطور مفهوم النسوية عبر مراحلها الثلاث فتقول: "وبينما ركزت الموجة الثانية على مخاطبة مصالح المرأة البيضاء حسنة الحال ذات الميول الجنسية الطبيعية، فالنسوية المعاصرة تركز بشكل كبير على السحاقيات ونساء الأقليات والنساء الفقيرات"، وتخلص كاري من هذا إلى أن حركة تحرير المرأة نجحت في تحقيق هدفها بمساواة النساء بالرجال، لكنها جنحت عن رسالتها الأصلية حين ارتبطت بسياسات ليبرالية راديكالية مع عداء شامل نحو الأسرة، وتنقل عن جلوريا ستاينم إحدى رموز النسويات قولها: "المرأة التي تم تحريرها هي المرأة التي تمارس الجنس قبل الزواج، وتعمل بعد الزواج"!!
بعد هذه المقدمة تبدأ كاري بمناقشة المعلومات المزيفة والأوهام المغلوطة التي تتبناها النسوية الحديثة، فتتناول موضوع الاختلاف بين الجنسين وتقرر أنه أمر طبيعي وفطري, وهي الحقيقة التي ترفضها النسوية الحديثة، رغم أن الحقائق العلمية تؤكد أن الاختلافات بين الجنسين حقيقة علمية لا يمكن التشكيك فيها، فثبت علميا وجود اختلاف بالتكوين الدماغي بين الرجال والنساء، مما يستدعي تنوع وتباين أدوارهما في الحياة.
ومن الأوهام النسوية التي تفندها كاري مزاعم النسوية تجاه الجنس، فالنسوية التي رفضت الأسلوب القائم – في الغرب- على تودد الرجال للنساء واقتصار العلاقة الجنسية على رجل محدد باعتباره تقليلاً من شأن المرأة وجعلها ضحية يستدرجها الجاني بهدية مسمومة، فكان البديل الذي قدمته النسوية جعل المرأة شأنا مباحا بالكلية لكل الرجال دون أي التزام بزواج أو حتى تودد أو جدية كالسابق، بل أصبح الحال أن المرأة تقدم نفسها مجانا في علاقات (تيك أوي) دون مقابل، وأن وصول المرأة لهذه المرحلة هو دليل تحررها!!  
وتؤكد كاري أنها راجعت المناهج الخاصة بفصول الدراسات النسوية التمهيدية في 30 كلية ووجدت أنها تحتوي على الكثير من المعلومات المشكوك فيها والتي تقدَّم للطلبة وكأنها حقائق مسلم بها، ومنها أن العفة مفهوم غير صحيح ولا يجب الالتزام به!
وتنبّه كاري على أن نتائج عدة استطلاعات ودراسات تؤكد ندم الفتيان والفتيات على ممارسة الجنس مبكرا ودون زواج، وهو واقع يخالف تنظيرات الفكر النسوي، لكنه ندَم متأخر بسبب كثافة الحشد للفكر النسوي في الإعلام والتعليم.
وتتناول كاري قضية العنف ضد النساء، وترى أنها مشكلة مضخمة وأن دعاية النسويات أن الرجل خطر على المرأة, وأن العنف ضد النساء أمر لا مفر منه، خلاف الواقع والحقيقة، فأغلب الإحصائيات المعروضة مبالغ فيها والمسلسلات والأفلام جزء رئيسي في نشر هذه الخرافة من خلال تضخيم الحوادث الشاذة وغير الطبيعية والتركيز على أفظع القصص والمواقف وأكثرها رعباً لتجعل منها حقيقة واقعية، ويؤكد هذا الفارق الحقيقي بين الحياة الحقيقة والحياة المتخيلة في السينما، فكم هو نصيب الحقيقة من واقع الجريمة في الغرب مقارنة بما تعرضه السينما؟؟
فالعنف الذي يقع على الرجال أضعاف ما يقع على النساء، وهذه الإحصائيات تبرهن على ذلك، فعدد القتلى من الرجال أضعاف القتلى من النساء وكذلك عدد المشاجرات والاعتداءات التي تصيب الرجال أكثر من النساء، ولم نسمع عن "العنف ضد الرجال"!
وتتعرض كاري في كتابها لموضوع الزواج وتفند فيه أوهام النسوية تجاه مؤسسة الزواج وتؤكد بالإحصائيات والدراسات أن الزواج شكل عاملا أفضل للوضع الصحي والاقتصادي للمرأة وكذلك من ناحية الإشباع العاطفي.
أما موضوع الطلاق والذي تحاول الحركة النسوية وأذرعها الإعلامية الترويج له على أنه قضية هينة لا يستحق أن يكون له مبرر مقنع وأن بإمكان أي امرأة التعايش معه، لكن الحقيقة أن انتشار الطلاق كان له كلفة باهظة على المجتمع والأسَر نفسها، من ضياع الأطفال وتعاسة المطلقين.
ومما تنبه عليه كاري أن فكرة تأخير الزواج وتأخير الإنجاب بسبب البحث عن اللذة أو النجاح الوظيفي يتولد عنها العقم لدى كثير من النساء اللاتي يفوتهن قطار الإنجاب، وأن هؤلاء النساء غالباً لم يخترْن هذا الخيار بقدر ما هو عدم إلمام بتبعات قرار تأخير الزواج والإنجاب، فتفقد مكوناً هاماً ورئيساً في حياة كل امرأة وهو الأمومة.
تناقش كاري موضوعات أخرى مثل الإجهاض وقيمة العمل في حياة المرأة ورعاية الأطفال من قبل الآخرين ومشاركة المرأة السياسية، وتختم كتابها بفصل عن حقيقة الأجندة النسوية وأنها تتحيز للفكر اليساري المتطرف وتسعى لجعل الحكومة الأمريكية هي الذراع المنفذ لأجندتها.
مما أمتعني في الكتاب أن الكاتبة تستند لكثير من الدراسات الغربية المناوئة للفكر النسوي مما يؤشر على أن الصدى الصاخب الذي يتعالى في بلادنا للفكر النسوي هو فكر مرفوض حتى في الغرب وهو فكر أحدث أضراراً كبيرة في مجتمعاتهم العلمانية، ولذلك يجب أن لا نرضخ لأصحاب الصدى الصاخب، وقد ثبت فشل وأضرار هذا المشروع.