مرة أخرى .. لماذا نرفض اتفاقية سيداو؟

الرابط المختصر
Image
مرة أخرى .. لماذا نرفض اتفاقية سيداو؟

في الأسبوع الماضي كتب نصري الطرزي مقالاً يدافع فيه عن اتفاقية سيداو ردّاً على  مقالي "لماذا ترفض اتفاقية سيداو" (الغد 14/12/2012)، ويمكن أن نقسم مقال الطرزي إلى ثلاثة أقسام: الأول سرد مواد الاتفاقية التي اعترضت عليها ليقول للقارئ إنني تجنيت وتعسفت في حكمي عليها، والقسم الثاني هو منهج مضلل في الكتابة حيث تعمد الإتيان بكل فقرات المواد التي انتقدتها - وبعضها ليس موضع خلاف - ليتوه القارئ العادي معها، خاصة وأنها مواد قانونية تصاغ بطريقة فنية تخفي الكثير من عيوبها، ويكفينا مثلاً قصة الصراع والخلاف على صياغة مادة في الاتفاقيات العربية الإسرائيلية بخصوص فلسطين حيث قامت معارك كبيرة بخصوص ال التعريف فيها هل هي الأراضي أم أراض؟؟ ولذلك فإن سرد مواد الاتفاقية للناس لا يقتضي أن يتمكنوا من الحكم لي أو له. القسم الثالث حشاه بتهم معلبة وجاهزة من شاكلة: جهة النظر التي تتجاهل روح العصر، تحريف معاني المواد، أسلوب تحريضي في النقاش لا يهمه الاستناد إلى الحقائق بل لا يمانع بالتزوير الصريح، غلبة الصور النمطية على التحليل، سياسات الهوية والتمييز العنصري وغيره، رفض المرأة ككيان مساو للرجل، فهْم خاص للدين (سلاحا) للهجوم، وختم هذه الاتهامات بقوله: لماذا يلجأ بعض الناس إلى مثل هذا الأسلوب، فسؤال يكمن جوابه في حقيقة الخوف الذي يشعرون به عندما يرون أن هناك تحديا جديا لسلطتهم لم يعودوا قادرين على مواجهته لا بالعلم ولا بالإقناع ولا بالمنطق، ولا بأي طريقة محاججة مقبولة... آنذاك يصبح التحريض والضرب تحت الحزام أمراً مشروعاً! وحقيقة يصعب الحوار مع شخص يطلق الاتهامات جزافاً ويشخصن القضايا بدلاً من مناقشة الفكرة بالفكرة، ولكن العقول الصغيرة حين تعجز عن نقاش الأفكار تلجأ لتشويه أصحابها، ولكن لنحاول والهدف هو القراء وليس الطرزي. لقد قمت في مقالي بوضع مجموعة أسئلة حول مواد اتفاقية سيداو لأقطع الطريق على راغبي الجدل البيزنطي العقيم، وبدلاً من مناقشة الأسئلة والرد عليها قام باتّباع منهج مضلل وهو سرد المواد فقط!! 1- لقد قلت عند المادة الثانية "فهل العلمانيون (أنصار سيداو) مع الشريعة أم ضدها إذا تعارضتا؟ نريد إجابة واضحة"، وهذا ما تجاهله الطرزي ولم يجب عليه كسائر أسئلتي، واكتفى بأن سرد المادة الثانية بكل بنودها والتي فيها الفقرة (و) ونصها "اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة"، وعلق في نهاية مقاله بقوله "لدى التدقيق في البنود/ المواد المذكورة أعلاه (وتلك التي لم تذكر)، نكتشف أن الاتفاقية لم تقل إن مرجعيتها فوق مرجعية الإسلام، ولم تأت على ذكر الشريعة"، وهنا أعيد السؤال السابق عليه وأضيف له: ماذا تفهم من نص الفقرة "بما في ذلك التشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف"؟ هذا هو المنهج المضلل الذي اتبعه الطرزي، المادة لم تذكر كلمة الشريعة صراحة صحيح، لكن التشريعات والقوانين التي تحكم هذه القضايا أليست مستمدة من الشريعة، واليوم تطالبون بتغيير التشريعات وقوانين الأحوال الشخصية المنبثقة من الشريعة لأنها تتعارض مع سيداو، فإذاً المرجعية العليا للشريعة أم لسيداو؟ هل يمكنك الإجابة بدلاً من التضليل؟ 2- وحول المادة الثالثة طلبت من السيداويين والسيداويات أن يكشفوا لنا عن رأيهم بوضوح حول المساواة التي يؤمنون بها بين الرجل والمرأة هل تشمل قبول أحكام الشريعة في الزواج كإعطاء المرأة مهراً، وجعل الطلاق بيد الرجل، ووضع عدة للمرأة، وتقسيم الميراث. أم أن المساواة التي يؤمنون بها تتعارض مع أحكام الشريعة؟ فلم يجب الطرزي وإنما كال الشتائم والاتهامات واكتفى بسرد المادة التي تنص على المساواة، وفي ختام مقاله قال: "ونلاحظ أن جوهر الاتفاقية يدعو إلى المساواة، أما المعارضون فيرونها تخالف الإسلام، فهل الإسلام يدعو للتمييز؟! إننا نربأ بالإسلام أن يكون كذلك، لكن للمعارضين تصوراً معيناً جامداً لأحكام الشريعة، يُغفل جوهرها وهو العدل والمساواة، وفي سبيل الحفاظ على الموروث يفترضون أن للمسلمين منظومة حقوق تختلف عن باقي البشر، ولا مانع لديهم من تجاهل روح العصر في سبيل الحفاظ على هذا التصور"، ونعيد السؤال للمرة الثالثة هل أحكام الشريعة في الميراث والزواج تتعارض عندكم مع المساوة وتعتبرونها بحسب كلامك فقط "موروث" و"منظومة حقوق تختلف عن باقي البشر" هل يمكنك أن تجيب؟ العجيب أنهم يطالبون بالمساواة بين المرأة والرجل ثم يطالبون بكوتا للنساء في البرلمان!! ويطالبون بأن يكون لهن تمييز في قوائم المرشحين بعدد محدد أو ترتيب، فلماذا يحق لكم خرق المساواة المزعومة ويحرم على غيركم؟؟ 3- حين اعترضت على المادة الرابعة والتي تقصر الدعارة على إجبار الآخرين للمرأة فقط، قلت "فهل يتبرأ السيداويون من الدعارة بالكامل؟ لا أعتقد يفعلون وإلا لطالبوا بإغلاق الملاهي الليلية الداعرة!!"، وهذا ما حدث مع الطرزي فهو لا يرى في النوادى الليلية وما يجرى فيها دعارة، ولذلك هو لا يطالب بتطبيق سيداو عليها!! 4- وبخصوص المادة (10) قلت "فلماذا لا يعلن السيداويون عن حقيقة دعوتهم لنشر الثقافة الجنسية بين أطفالنا؟"، وهو ما تجنب الطرزي توضيحه، واكتفي بسرد بنود المادة وعلق عليها في ختام مقاله بقوله "وإذا دعا النص إلى تعليم المرأة تعليما مكافئا لذلك الذي يحصل الرجل عليه، وحماية المرأة من التسرب من المدرسة، وتوفير معلومات تضمن صحة الأسر وتخطيط الأسرة... أصبح الأمر دعوة لنشر الفساد والتحلل!"، ونص الفقرة (ح) " الوصول إلى معلومات تربوية محددة للمساعدة في ضمان صحة الأسر ورفاهها، بما في ذلك المعلومات والنصح عن تخطيط الأسرة"، وهذه الفقرة هي موضع الخلاف بيننا وبين السيداويين والسيداويات، والخدعة هنا تغليف الثقافة الجنسية باسم معلومات تربوية ولذلك لا ينتبه لها غير المتمرس بالألاعيب والخداع في أمثال هذه الإتفاقيات، ولكن من يحدد المعلومات التي تعطى؟ وكم حجمها؟ وكيف تعطى؟ ولمن تعطى للطلاب في المدارس، لأية مرحلة، هل تكون فقط للمقبلين على الزواج؟ هل تريدون تطبيق التجربة الغربية في تعليم الثقافة الجنسية في المدارس؟ كل هذه التفاصيل لا يجيبون عليها ولكن يصرخون فقط: إنكم ضد التعليم، أرأيتم دس السم في الدسم.    5- وحول المادة (11) اكتفى الطرزي بسرد نص المادة ويعلق، وكل مطلع على الحضارة الغربية يعلم أنهم يغلون في الجانب الفردي ولذلك جاءت هذه المادة بكل فقراتها دون أي إشارة لوضع المرأة كربّة بيت وزوجة وأم أطفال، لأن هذه الحالة غير مرغوبة ومطلوب تحجيمها، فهم يهدفون لأن تتعلم المرأة لتعمل! ومن ثم إذا تقوم بصرف مرتبها على ما كانت تقوم به قبل عملها وهو طلب الطعام من المطعم بدلاً من الطبخ وإرسال الملابس للمغسلة بدلاً من غسلها، وتربية الولد في الحضانة بدلاً من حضنها، وطبعاً إذا رغبت بالزواج والإنجاب وإلا فيمكنها التمتع (الزنا) دون مسؤولية بعدم تجريم الزنا ووسائل منع الحمل وحتى حق الإجهاض!! وعاشت التقدمية السيداوية. 6- وفي المادة (12) سألت السيداويين أمثال الطرزي: ما هو موقف السيداويين من تحريم ومنع الزنا والشذوذ؟ وبالطبع لم يجيب الطرزي ولكن أسمعنا موال شتائم واتهامات. 7- أما المادة (15) والتي تدعو المرأة للتمرد على أسرتها وتدعوها للسفر والسكن حيثما شاءت بغضّ النظر عن موافقة وليّها من أب أو أخ أو زوج، وأشرت إلى تحقيق نشرته "الغد" تحقيقاً عن سكن شابات وشباب أردنيين عزاب معاً في شقق جامعية، وتساءلت عن موقف السيداويين من سكن وسفر المرأة المتزوجة أو غير المتزوجة رغماً عن أهلها منفردة؟  فأجاب الطرزي كالعادة بسرد المادة وعلق بقوله: "أما إذا دعت مادة للمساواة بين المرأة والرجل في حركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم، ادّعوا أنها تدعو للتمرد والفساد والانحلال! ألا يحق للمرأة اختيار مكان سكنها؟ بالطبع يحق لها ذلك بدون أن يعني أنها بقرارها هذا تخرج عن طوع زوجها أو أبيها! وبالتأكيد بدون أن يعني ذلك أنها تُسكن أحدا معها وتدخل عالم الفساد والتحلل الأخلاقي". هل يستطيع أحد أن يخبرنا كيف حين تختار الزوجة أو الإبنة أو الأخت السكن لوحدها بعيداً عن العائلة لن تكون خارجة عن طوعهما، وبالمناسبة هل يؤمن الطرزي بضرورة كون المرأة طوع زوجها أو أبيها؟ 8- وحول تشريع الزواج المدنى في المادة (16) فقد سرد الطرزي المادة ولم يناقش أبدا شرعية وقانونية الزواج المدني وقدم للقارئ وصلة ردح واتهامات فقط. وبعد مناقشة القسمين الأول والثاني من مقالة الطرزي، يبقي لنا القسم الثالث وهو الإتهامات والشتائم وهذه لا أحسن مناقشتها، ولكن لفت نظري أنه جعل من مقالتي وجهة نظر خاصة ومنحرفة وتلجأ للتزوير، ولكن لماذا تجاوز الفتوى الرسمية من دائرة الإفتاء حول سيداو؟ ما رأيك يا صديقي بهذه الفتوى هل هي ضيقة الأفق وتخشى زوال سلطتهم؟ مما يجعلنا وجهاً لوجه مع حقيقة الصراع ولا أقول الخلاف مع السيداويين والسيداويات حول مدى التزامكم بدولة القانون والنظام؟ أم أنكم لا تريدون الشريعة وتريدون تطويعها لأفهامكم المناوئة لها. أتمنى أن أجد إجابات على أسئلتى لا اتهامات وخروجا عن نقطة البحث والحوار لقضايا شخصية. في الختام أكرر: هذه هي حقيقة سيداو والتي يضغط السيداويون والسيداويات في الأردن على فرضها مستعينين بقوى من الخارج، وفي الوقت الذي يرفض فيه المؤيدون لسيداو المواثيق والاتفاقيات الاقتصادية الدولية من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين، فإنهم يتوسلون ويصرخون لتطبيق المواثيق الدولية الاجتماعية على شعبنا الأردني في تناقض عجيب!! والأعجب من هذا أن هؤلاء السيداويين يحتكرون الحديث باسم نساء الأردن دون تفويض صريح أو انتخابات حقيقية لنساء الأردن تفرز قياداتها بشكل سليم، ومن ثم ينظّرون علينا بضروة التوافق بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية كلما مالت الكفة لصالح الإسلاميين!!