في خضمّ محاولات رئيس الوزراء عبدالله النسور ترويج قناعته بوجوب رفع أسعار المحروقات على الشعب، أطلق تصريحاً لا يقل خطورة عن إعلان تحرير أسعار المحروقات بخصوص نيته رفع التحفظات الأردنية على اتفاقية سيداو، ففي كلمة النسور الافتتاحية "للمؤتمر الدولي الحادي عشر للجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان" قال - بالإنجليزية - : "الأردن ملتزم بالتنفيذ الكامل لاتفاقية سيداو.... سنقوم بمراجعة هذه التحفظات ونأمل في القريب العاجل أن نراجعها". وإذا كان دولته يرى أن تحرير الأسعار موضوع هام وعاجل سيلعنه على ترحيله التاريخ والأجيال، فما العاجل في رفع التحفظات الوطنية على سيداو في غياب برلمان حقيقي منتخب بدون تزوير!! واتفاقية سيداو تبدو للكثيرين اتفاقية جميلة على غرار المرأة الجميلة بواسطة المكياج، وهذا حال اتفاقية سيداو، فالذي يعلن للناس في وسائل الإعلام والمؤتمرات وورشات العمل هو الوجه الجميل بالمكياج، لكن المؤيدين لها حريصون جداً على إخفاء الوجه الحقيقي لها تحت طبقات من المكياج/ المحسنات اللفظية من وزن: تقدم، عدالة، مساواة، مشاركة، حق، رفع الظلم، رفع التمييز، عدم المساواة... لأنك إن رأيت جمالها الحقيقي بغير مكياج فسيتغير تقييمك لجمالها بالتأكيد. اتفاقية سيداو بدون مكياج هي ثمرة لمسيرة من الاجتماعات العالمية في الأمم المتحدة بدأت في عام 1925، وذلك ضمن رؤية الأمم المتحدة لوضع قوانين عالمية تخضع لها الدول والشعوب، وهي قد فشلت في الجانب السياسي والجنائي منها كما معلوم، حيث أن القوة هي القانون السائد في مجلس الأمن، ولذلك لا تزال إسرائيل تعربد في فلسطين فالدماء البريئة تسيل في غزة اليوم ولا أثر للقوانين السياسية والجنائية الدولية، منذ ستين عاما وإسرائيل تخرق القوانين بفضل الدعم الروسي والأمريكي لها منذ الإعتراف بها عام 1948، وأنصح هنا بقراءة كتاب "موسكو وإسرائيل" للمندوب السوري بالأمم المتحدة د. عمر حليق، لأنه يكشف عن ولائها لإسرائيل بوضوح ودقة، والإجرام الروسي تجاه الشعوب الإسلامية إجرام أصيل منذ احتلال الجمهوريات الإسلامية مروراً برعاية قيام إسرائيل وغزو أفغانستان والشيشان وانتهاءً بالذي نشاهده ونلمسه يومياً من دماء الشعب السوري الذي يُقتل بالسلاح والتخطيط والتنفيذ الروسي. ولكن في الجانب الاجتماعي كان حظ الأمم المتحدة أكبر، فقد وجدت اتفاقاً أكبر بين القوى الدولية بسبب انطلاقها من الرؤية العلمانية التي هي محط تقاطعات. إن رفضنا لاتفاقية سيداو يأتي من رفض فرض الرؤية العلمانية على العالم الإسلامي في المجال الاجتماعي بما يتصادم مع الشريعة الإسلامية، وهم يلجؤون لإخفاء هذا التصادم تحت عبارات ومصطلحات براقة مثل: رفض التمييز، رفع الظلم، وأمثلة صحيحة، مثل: منع النساء وخاصة الفتيات من التعليم، عدم إعطائها أجرا مناسبا لعملها لكونها امرأة، مما يرفضه الإسلام. ولكن ليس هذا هو جوهر وحقيقة سيداو التي تخفيها هذه الطبقات من المكياج اللفظي، الجوهر الذي نرفضه في سيداو، ونطالب المؤيدين لسيداو بإعلان موقفهم منه هو ما يلي: 1- المادة (2) من الاتفاقية تجعل مرجعية المواثيق الدولية فوق مرجعية الإسلام في الأحوال الشخصية، وفي هذا مناقضة مع دعوى العلمانيين بأن الشريعة مطبقة في قوانين الأحوال الشخصية! فهل العلمانيون (أنصار سيداو) مع الشريعة أم ضدها إذا تعارضتا؟ نريد إجابة واضحة. 2- المادة (3) من الاتفاقية تدعوا السيداويين لرفض تفريق الشريعة بين دور الرجل والمرأة بالعدل وإعطاء كلٍ منها حقه، والمطالبة بالمساواة المطلقة، والمطالبة برفض أحكام الشريعة في الزواج كإعطاء المرأة مهراً، وجعل الطلاق بيد الرجل، ووضع عدة للمرأة، وتقسيم الميراث. فما هو موقف السيداويين من ذلك بالتفصيل ؟ 3- المادة (6) من الاتفاقية تبين عدم معارضة السيداويين لعمل النساء في الدعارة لحساب أنفسهن ! ولكن المشكلة عندهم أن يستغل أحد (الداعرات) لحسابه ! فهل يتبرأ السيداويين من الدعارة بالكامل ؟ لا أعتقد يفعلون وإلا لطالبوا بإغلاق الملاهي الليلية الداعرة !! 4- المادة (10) من الاتفاقية تحث السيداويين لنشر الثقافة الجنسية بين الأطفال – الطفل عندهم ما دون 18 سنة – بحجة حقهم في المعرفة !! وهذا نشر للفساد والتحلل كما نشاهد من حال الأطفال في المجتمعات الغربية حتى يتعذر اللقاء بشباب أطهار لم يتنجسوا بجريمة وفاحشة الزنا والشذوذ إلا نادراً. فلماذا لا يعلن السيداويين عن حقيقة دعوتهم لنشر الثقافة الجنسية بين أطفالنا ؟ 5- المادة (11) تستبطن احتقار دور الأم في تربية أولادها وخدمتهم، وكأن خدمة الآخرين رقي وخدمة الأهل عيب !! واستعجب من هؤلاء السيداويين الذين يدعون مكافحة التمييز والإتجار بالمرأة لماذا لا يعترضون على اشتراط الجمال والأناقة في توظيف النساء ؟ بل إنهم لا يرغبون بالمرأة البسيطة وغير (المتحررة) وكم رأيت من فتيات محتشمات سايرت هؤلاء فترة يسيرة فإذا بها تتطور وتتقدم: فتكشف عن جسدها وتطلق حلقات الدخان عالياً فتحظى بلقب ناشطة في الحقل العام والتنمية المستدامة !! 6- المادة (12) تدعو للانحلال وشرعنة العلاقات الجنسية المحرمة من خلال التعهد بتقديم الخدمات الصحية للنساء دون اعتبار لكونها متزوجة أو غير متزوجة. وإلا فما هو موقف السيداويين من تحريم ومنع الزنا والشذوذ ؟ 7- المادة (15) تدعو المرأة للتمرد على أسرتها وتدعوها للسفر والسكن حيثما شاءت بغضّ النظر عن موافقة وليّها من أب أو أخ أو زوج، وهذا فتح باب عريض للفساد والتحلل الأخلاقي على غرار ما يروج له في الأفلام الأجنبية والروايات الغربية حيث تسكن الفتاة مع من شاءت وتُسكن من شاءت وقد نشرت "الغد" تحقيقاً عن سكن شابات وشباب أردنيين عزاب معاً في شقق جامعية !! فما هو موقف السيداويين من سكن وسفر المرأة المتزوجة أو غير المتزوجة رغماً عن أهلها منفردة ؟ 8- المادة (16) وهي أم الخبائث في الاتفاقية، فهي تدعو لإلغاء الزواج بحسب الشريعة واعتماد الزواج المدنى العلماني، فتسمح بزواج غير المسلم من المسلمة، وتمنع تعدد الزوجات، وتلغي عدة المرأة، وترفض قوامة الرجل على زوجته، وترفض موافقة الولي على زواج وليته، وتمنع الزواج تحت سن 18 سنة. وسأركز هنا على نقطة منع الزواج تحت سن 18، لأن النقاط السابقة سبق وذكرناها، العجيب هنا أن الاتفاقية تمنع الزواج تحت سن 18، وتعتبره عنفاً ضدها، ولا تقبل بموافقة الفتاة على الزواج، لكنها تشرّع وتشجّع العلاقات الجنسية المحرمة كالزنا والشذوذ لمن هم تحت سن 18 من باب أن من حق المراهقة أن تستمتع بجسدها الذي تمتلكه!! ولذلك تدعو الاتفاقية الدول إلى تقديم المعلومات الجنسية للمراهقين في مناهج التعليم، وتدعو إلى تقديم الخدمات الصحية للمراهقات غير المتزوجات من إجهاض أو رعاية للحمل والرضيع، ولذلك أصبح العالم يعرف ظواهر (الأمهات العازبات/ الأمهات المراهقات). وهنا نريد موقف واضح كوضوح رفض السيداويين للزواج المبكر، من السماح بل التشجيع والدعم للمراهقين لممارسة الجنس الحر = الزنا والشذوذ، هل هو مجرم ومدان ؟ أم هي حرية شخصية لا يحق للأهل والمجتمع والدولة التدخل بها ؟ بل يجب عليهم تسهيل هذه الممارسات! الخلاصة: الاتفاقية تريد أن يعيش الناس بطريقة منحلّة عن الدين والأخلاق على غرار المسلسلات التركية المدبلجة – لاحظ أنها انتشرت مع صعود حزب العدالة المحافظ لتشويش الصورة الذهنية عن تركيا – والتي العلاقات الجنسية فيها مشاع، فتقدم أن الإنحلال والعري الفاضح والاختلاط وشرب الخمر هو الأصل في العائلة التركية المسلمة، وأن ممارسة الزنا يكون علانية أمام الجميع بحيث أن البطلة التركية المسلمة تحمِل وتضع طفلها وبعدها بشهور يتم زواجها من عشيقها، وأن كل رجل تركي مسلم له عشيقة، وأن الزنا بين النساء أمر طبيعي!! هذه هي حقيقة سيداو والتي يضغط السيداويون والسيداويات في الأردن على فرضها مستعينين بقوى من الخارج، وهي التي صدرت إزاءها فتوى من مجلس الإفتاء الأردني عام 2009 نصت على أن: "كل ما خالف الشريعة الإسلامية مما جاء في معاهدة سيداو حرام، ولا يجوز العمل به، ... والمجلس يؤكد تقديره لدائرة قاضي القضاة في موقفها المشرف في رد كل ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية مما ورد في اتفاقية سيداو... ويأمل من مجلس الأمة أن يرد مثل هذه التشريعات التي تعد مخالفة صريحة لشريعة الله تبارك وتعالى"، فـ (ينتخى) دولة عبدالله النسور لرفع التحفظات عنها، ضارباً بعرض الحائط الفتوى ورغبة الشارع الأردني، وعاشت دولة المؤسسات والقانون! وختاماً: في الوقت الذي يرفض فيه المؤيدون لسيداو المواثيق والاتفاقيات الاقتصادية الدولية من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين، فإنهم يتوسلون ويصرخون لتطبيق المواثيق الدولية الاجتماعية على شعبنا الأردني في تناقض عجيب !! والأعجب من هذا أن هؤلاء السيداويين يحتكرون الحديث باسم نساء الأردن دون تفويض صريح أو انتخابات حقيقية لنساء الأردن تفرز قياداتها بشكل سليم!!
لماذا نرفض سيداو .. اتفاقية سيداو .. بدون مكياج!
2014/08/01
الرابط المختصر
Image