من المظاهر الإيجابية في حياتنا انتشار الحجاب بين المسلمات والمؤمنات، وهو مؤشر قوى ودال على حقيقة هوية مجتمعاتنا الإسلامية، وأن تعظيم الشريعة وتطبيقها هو مطلب للغالبية العظمى من الناس والجماهير. فلا تكاد تخلو منطقة أو محافظة أو جامعة أو مدرسة أو شركة أو وزارة ومؤسسة حكومية أو خاصة من وجود أغلبية من المحجبات، والحجاب سائد بين مختلف شرائح المسلمات على تنوع مستوياتهن التعليمية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. وأيضاً لا يقتصر الحجاب على المسلمات والمؤمنات في دولة أو إقليم أو عرقية لغوية أو قومية بعينها، بل الحجاب عابر للحدود والثقافات، فحتى في بلاد الشتات والمهاجر الغربية تنتشر ظاهرة الحجاب بشكل بارز. وأيضاً لا يقتصر الحجاب على المسلمات والمؤمنات من المنتميات للجماعات والحركات والأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية، بل يتعدى تلك الشرائح ليكون سمة الغالبية العظمى من المسلمات في المجتمعات من خارج دائرة التيار الإسلامي المؤدلج. وذلك ببساطة يعود لأن الحجاب شعيرة دينية وعبادة شرعية تقوم بها المسلمات والمؤمنات طواعية تجاه خالقهن الذي يحببنه على إحسانه إليهن، وليس لأن الحجاب علامة أو رمز لتوجه سياسي أو ثقافي أو حزبي. ومن هنا فإن الحجاب هو الأصل في حياة المسلمة والمؤمنة على اختلاف وضعها ومكانتها ومكانها وزمانها، وأي جهد في محاربة هذه الفطرة الربانية لن تصل إلا إلى الفشل والحائط المسدود، مهما كانت الشعارات التي ترفع في هذا السبيل من الحرية والثقة بالذات وتجاوز الماضي والعادات. ولذلك فالحجاب قضية تهم وتمس غالب المجتمع المسلم واقعياً، وإن كان يجب أن تمس ويهتم لها كل المجتمع المسلم، فهو بين مسلمات ومؤمنات مطبقات لهذه الشعيرة الربانية، أو مسلمين ومؤمنين يساعدون ويساندون زوجاتهم وبناتهم وأقرباءهم ومعارفهم على تطبيق هذه العبادة الجليلة، أو مسلمين ومسلمات لهم ارتباط بالحجاب كنوع من أنواع المهنة كالخياطة والتجارة أو التعامل العام. والحجاب لا يقتصر على لبس الجلباب أو العباءة، بل هو أشمل من الزي الشرعي، فهو يشمل الزي والسلوك وستر الزينة (المكياج) عمّا لا يحل. فالزي الشرعي، أياً كان اسمه وشكله بحسب البيئة والعرف في كل بلد مسلم، المهم أن يتوافق مع المواصفات التي أقرها الإسلام والتي يتفق عليها جميع العلماء من كون الحجاب هو: ما ستر جميع بدن المؤمنة والمسلمة إلا الوجه والكفين، وأن لا يكون شفافاً يظهر لون البشرة أو لصيقاً يحدد أعضاءها، ولا يكون بنفسه زينة بلونه أو شكله وإضافاته أو رائحته. والسلوك المتحجب هو الاتزان والجدية في التعامل مع الرجال غير المحارم، في البيع والشراء وقضاء المعاملات والدراسة أو العلاج وما شابه ذلك، فلا تكسر وخضوع بالقول [فيطمع الذي في قلبه مرض] (الأحزاب: 32)، ولا مزاح وميوعة مع زميل العمل أو الدراسة وخلوة وأكلا جماعيا ولقاءات في المقاهي. وستر الزينة عن غير المحارم، يتنافى مع التبرج الصارخ الذي نراه في الشوارع والأسواق والمعاهد والجامعات والمؤسسات. هذا هو الحجاب الشرعي الذي يجب على جميع المسلمات والمؤمنات الوصول إليه والالتزام به دوماً، وهو أمر يسير ومتوافق مع الفطرة السوية، للوقاية من الجرائم والحوادث التي تعم أرجاء الأرض بسبب تحريش الشيطان للمنحرفين للتحرش بالنساء، حتى أصبحت هذه مشكلة عالمية، وما يفاقمها ويزيد من انتشارها قلة الدين والتقوى عند الرجال، وعدم مراعاة المرأة لأحكام الشريعة في الحجاب، فالتحرش يكون غالبا في الخلوات المحرمة، وأماكن الاختلاط الشديد الذي تنعدم فيه خصوصية المرأة كوسائل المواصلات والأسواق والتجمعات المزدحمة، وتزداد حوادث التحرش مع السفور وعدم الحجاب والتبرج المحرم. والذي يجعل بعض المسلمات والمؤمنات يقصرن في التقيد بمكونات الحجاب الثلاثة أسباب عدة، في طليعتها ضعف الالتزام الشرعي إما بجهل أحكام الحجاب، أو بسبب اتباع الهوى وقلة التقوى. ثم يأتي دور التجار في عدم تحري الحلال الخالص في التجارة بالزي الشرعي، وهذا منزلق خطير ومتكرر دوماً، لأن المال والربح أحياناً يكون أكثر وأسرع مع الغش! لكن عاقبته سيئة كما جرب الجميع، من ضياع السمعة الحسنة ونزع البركة من المال والصحة والأهل. فللأسف من أجل توفير بعض المال يتم التلاعب بسعة الزي الشرعي فيصبح لصيقا يجسم لابسته، أو جودة القماش فيصبح رقيقا لا يستر، ومن أجل مزيد من البيع والربح يتم كسر المواصفات الشرعية فيصبح الزي الشرعي ليس له من حقيقته إلا اسمه! فهو زينة بنفسه بألوانه وإكسسواراته وطريقة تفصيله. وهنا تحتدم المنافسة بين كثير من التجار في الزي الشرعي – مع الأسف – من أجل جني مزيد من الأرباح عبر مزيد من التساهل في الضوابط الشرعية، وهذا ينقلنا للسبب الثالث: وهو اتباع الموضة، والذي هو مرض مشترك بين النساء وبين التجار، فصار المطلوب حجاباً يرضي الخلق لا الخالق، فأصبحت هناك قصات للحجاب كجلباب المروحة لا تعرف ما هو علاقته بالزي الشرعي، ثم دخل على الخط بعض المذيعات (المحجبات) واللواتي نشرن سنة سيئة بالجمع بين سوء مواصفات الحجاب الذي يرتدينه وسوء السلوك مع الضيوف في المزاح والخضوع بالقول وسوء التبرج وعدم ستر الزينة، حتى أصبحن قدوة سيئة في ذلك للفتيات. ومن هنا تحول الحجاب في الواقع إلى حجاب شرعي يعرفه الناس ويقدرونه، وحجاب متبرج وحجاب ناقص تنكره كل صاحبة قلب صادق ولو وقعت في أحابيله، فليس من الحجاب الصحيح والسليم الصور التالية: وضع الزينة والعطر مع ارتداء الجلباب أو العباءة، أو التوسع في المزاح والمخالطة للزملاء في الدراسة والعمل، أو ستر الرأس عبر حجابات هي زينة بنفسها بألوانها وطريقتها التي لا تصنع إلا في صالونات التجميل! وليس من الحجاب السليم والصحيح، ستر الشعر مع لبس بدلة رياضة أو جاكيت وبنطلون في الشارع والأسواق. الحجاب عبادة شرعية كسائر العبادات يجب أن تكون لمرضاة الله عز وجل وعلى الطريقة التي أقرها الله عز وجل وبيّنها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجب على كل منا أن يحرص دوماً على الاقتراب من الجودة التامة والإتقان الشديد فيما يخص عبادته لربه، لأن مَن حرص على مستقبله الحقيقي في رضى الله عز وجل ودخول جنته بالآخرة، سيكون حريصاً أيضاً على إتقان عمله ووظيفته ودراسته ومسؤوليته في الدنيا. ومن هنا يجب على تجّارنا - كما يبحثون عن أدق التفاصيل لنجاح تجاراتهم- البحث عن أدق التفاصيل في موافقة منتجاتهم من الزي الشرعي للشريعة الإسلامية، ويجب على المسلمات والمؤمنات أن تكون الموضة في أيديهن يتحكمن بها، لا أن تكون الموضة الوافدة هي القائدة لهن (حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه) كما هو حاصل من البعض، والله المستعان.
الحجاب بين سندان التجارة ومطرقة الموضة والإعلام
2014/08/01
الرابط المختصر
Image