روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال:" تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة " أخرجه البخاري. وهذا الحديث ينص على تنوع أوجه العبودية التي يقع فيها البشر، فليست العبودية فقط هي زوال الحرية والقرار بالاستعباد، بل العبودية في منظور الإسلام أوسع من ذلك بكثير. فالحرية في الإسلام تنبع من عقيدة التوحيد التي تحرر المسلم والمؤمن من كل أنواع العبودية المادية أو المعنوية، فالمسلم الموحد يتحرر من عبودية وطاعة كل الآلهة الزائفة والتي هي مثله في العبودية لله عزوجل " إن كل من في السموات والأرض إلا أتى الرحمن عبدا" ( مريم 93). لأن هذه الآلهة لا تملك شيء على الحقيقة كما أنها لا تضر ولا تنفع. كما أن المسلم الموحد يتحرر من عبودية التذلل والخضوع للظلم، كما في مقولة الفاروق عمر رضي الله عنه " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا". كما أن المسلم الموحد يتحرر من عبودية الأشياء المادية كالمال والملابس والحبيب، كما في الحديث السابق. ولو تأملنا في سلوك المنبهرين بالموضة من شبابنا وفتياتنا الذين يجرون خلفها لاهثين من شدة تقلبها وتغيرها، لوجدناهم في الحقيقة عبيد لا يملكون من امرهم شيئا !! وهذا الإستعباد للموضة يتناول الملبس والمركب والهاتف وقصة الشعر والطعام والشراب والمدرسة والنادى الصيفي وطريقة الكلام وووو. وتجد عبيد الموضة ينتقلون من النقيض إلى النقيض دون مبرر أو سبب مقنع، وتجدهم ينفقون الأموال الطائلة فيما لا طائل من ورائه، وقد توقعهم هذه العبودية العمياء للوقوع في سلوكيات منافية للإسلام أو الذوق والعرف السليم!! وحين تبحث عن دواعى الموضة تجدها في نشأتها كانت لأغراض تجارية ومصلحية لبعض التجار، ومن ثم أصبحت "موضة" عندهم لزيادة أرباحهم بطريقة بالغة الفحش، وفي سبيل ذلك جعلوا لكل فصل موضة، ولكل مناسبة موضة، ولما لم يتوقف طمعهم ابتكروا المناسبات والفصول ليصنعوا لها موضة يلهث خلفها العبيد الأغبياء وتدر عليهم الدخل الوفير!! وحين أعيتهم الحيلة في اختراع موضات لجأوا لإعادة الموضات القديمة، فأصبحنا نشهد اليوم عودة موضات الستينات وما حولها في اللباس والديكور وهكذا. وبعضهم لجأ لعالم الحيوانات فجعلها مصدر إلهامه في ما يقدمه من موضة للشباب والفتيات، فألوان وأشكال بعض الملابس أو المكياجات هي تقليد ألوان وأشكال جلود الحمير والقرود!! ولم يقتصر صنع الموضة على التجار فحسب، بل دخل عالم الموضة الكثير من أصحاب الأفكار الهدامة والمناهج المنحرفة، الذين رأوا أن ترويج سمومهم وانحرافاتهم تحت غطاء الموضة أسهل بكثير من ترويجها عبر بوابات الجدل والإقناع. ولذلك الكثير من أبنائنا وبناتنا قد يلبسون أو يسمعون ويشاهدون أو يقلدون في طعامهم وسلوكهم كثير من صرعات الموضة دون إدراك لما تحتويه من مفاهيم وقيم، ولكن بالتقليد والمجارة تبدء تولد الإنحرافات لديهم، كما حصل مع كثير من الشباب والفتيات الذيت تأثروا بعبدة الشيطان وما شابه ذلك من أفكار منحلة وملحدة. إن العبودية للموضة لا ترسخ في قلب مسلم إلا إذا كان لديه خلل أو تقصير في فهم عبوديته لله عزوجل، فلو أدرك المسلم والمسلمة أن الإنقياد الأعمى خلف أي راية أو شعار أو موضة هو مخالف لتوحيد الله عزوجل الذي يتطلب تحررك من الإنصياع الكامل إلا لأمره ونهيه عزوجل. إن المسلم الموحد يفكر قبل أي تصرف أو سلوك في موافقة هذا الأمر لشرع الله عزوجل من جهة، وأن يحقق الخير والمصلحة له وللمحيط من حوله، وبهذا لن يتحرر المسلم من أسر أطماع التجار الجشعين أو أهواء المنحرفين الضالين.
لنتحرر من عبودية الموضة!!
2014/08/01
الرابط المختصر
Image