عقب ظهور نتائج الانتخابات العربية بعد الربيع العربي بدأتُ بمطالعة عدد من الكتب التي تتعلق بهذه الحركات الإسلامية، لأن معرفتي بهذه الحركات قليلة – وأظن أنها حالة عامة في مشرقنا العربي- بسبب ندرة الكتابات الجيدة عنها في مكتبات الأردن والمنطقة، وعندما أتيح لي زيارة معرض المغرب الدولي للكتاب مطلع العام الحالي، حرصت على اقتناء عدد مهم من الكتب الخاصة بالحركات والشخصيات الإسلامية المتنوعة في المغرب وتونس والجزائر، كان منها كتاب الباحث الجاد بلال التليدي: "من ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية" والذي صدر في أربعة أجزاء من القطع المتوسط، وقبل ذلك كانت صحيفة التجديد التابعة لحركة التوحيد والإصلاح قد نشرت هذه الشهادات على صفحاتها. الأجزاء الأربعة هي عبارة عن شهادات لقيادات إسلامية متنوعة من جيل المؤسسين للحركة الإسلامية المعاصرة حول تجربتها وسيرتها في الحركة الإسلامية، كيف تديّنت؟ كيف انتظمت في جماعة؟ ما هي التحولات التي عاصرتها؟ ونظرتها لأحداث المرحلة؟ وضمت هذه الأجزاء الأربعة شهادة 38 شخصية بارزة في الحركة الإسلامية المغربية عرضت في شهاداتها لتاريخ كثير من العلماء والمفكرين والجمعيات والجماعات والحركات الإسلامية التي عرفها المغرب، ويمكن أن نجمع شتات مواضيع هذه الشهادات في القضايا التالية: * دور العلماء السلفيين الإصلاحيين مثل تقي الدين الهلالي والمكي الناصري وعبدالله كنون والذين كان لجهودهم دور في الحفاظ على الهوية الإسلامية في المغرب فترة الستينات والسبعينات في وجه الموجة الشيوعية الماركسية التي كانت تحارب الإسلام والتدين، ومن مظاهرها سب الدين وتدنيس المصاحف والتغوط في المساجد والمجاهرة في الإفطار نهار رمضان وغير ذلك، ونتج عن هذه الجهود في مدينة شفشاون إنشاء "جمعية الشبيبة الإسلامية" سنة 1965 والتي تحولت لـ "جمعية أنصار السنة" سنة 1969 بعد عودة تقي الدين الهلالي للمغرب. * دور بعض الأحزاب والجمعيات ذات الخلفية الإسلامية في المغرب مثل حزب الاستقلال الذي أسسه علال الفاسي، و"جمعية البعث الإسلامي" بمدينة تطوان برئاسة د.إسماعيل الخطيب، وحزب الحركة الشعبية، في بداية نمو وتطور الحركة الإسلامية في المغرب. * نشأة وتطور وانتهاء تنظيم "الشبيبة الإسلامية" بزعامة عبدالكريم مطيع عقب تورطه في مقتل الزعيم اليساري "عمر بن جلون" سنة 1975، وهو الموضوع الأكبر في هذه الشهادات لما لهذه التجربة من دور مركزي في تاريخ الحركة الإسلامية في المغرب، حيث أن أبرز القيادات الإسلامية اليوم إما كان عضوا في الشبيبة أو تعرف على عبدالكريم مطيع ولكنه لم ينضم لتنظيمه، وفي تاريخ الشبيبة ومطيع تطابق كبير مع كثير من التجارب الإسلامية الثورية في المشرق العربي. فالشهادات تشكل الصورة التالية: مؤسس التنظيم عبدالكريم مطيع يتحول فجأة من الماركسية واليسارية إلى الإسلام ويذهب إلى الحج، ومن ثم يبدأ في تشكيل تنظيم إسلامي، لكنه لا يتخلص من رواسب الماضي فيبني تنظيمه على المراوغة واللف والدوران ومحاولة ربط كل الخيوط بيده وحده، كما أن الثورية اليسارية بقيت حاضرة عنده، فلما كبر تنظيمه قليلاً حرّض بعض أتباعه على قتل "بن جلون" ثم تبرأ منهم وألقى الحمل عليه وهرب إلى خارج المغرب، وعاد لسياسة اللف والدوران في إدارة التنظيم من الخارج عبر أوامر متناقضة لعدد من القيادات، خشية أن تتوحد في غيابه، ومن ثم لم يدع أحدا من قياداته إلا واتهمه بالعمالة والخيانة فكانت النتيجة أن أجمع التنظيم على حل نفسه ونبذ قيادته فأصبح مطيع وحيداً في المنفى. وفي هذه المرحلة كان نجم الثورة الإيرانية يبزغ فسعى مطيع للتواصل معها وكاد يورط تنظيمه في حركة تشيع منظمة لولا أنه أخطأ خطأً قاتلاً حين أرسل من الكويت الأستاذ محمد سرور للاطلاع على وضع التنظيم عبر لقاءات محدودة - بقصد الحصول على دعم، كما يحلل أحد الشهود – لكن الشباب في المغرب تجاوزا تعليمات مطيع وتوسعوا في اللقاءات وطرحوا موضوع التشيع والثورة الخمينية على ضيفهم لكونه قادما من الكويت القريبة من إيران، ولكون الأستاذ سرور من المتخصصين في الشأن الشيعى فقد استطاع تحصين الشباب من الانزلاق خلف الثورة الخمينية والتي كانت بدأت ترسل للتنظيم الكثير من الكتب الدعائية للخميني وإيران!! وفي نفس المرحلة التي انزلق فيها مطيع للعنف وتأييد الثورة الخمينية قام بالتواصل مع نظام القذافي وقام بطباعة مجلته "المجاهد" في ليبيا ومن ثم هرّبها للمغرب، وتفاجأ أتباعه بالتحول الثورى الكبير في طرحه، مما سرع عملية الانشقاق عن التنظيم. وقد أشار الباحث بلال التليدي أن مطيع رفض هذه الشهادات في كتابه "المؤامرة على الشبيبة الإسلامية" واعتبر هذا المشروع كله لعبة مخابراتية لضربه وقد اتهم العديد من الشخصيات الكبيرة بالتعاون مع المخابرات المغربية ضده مثل الشاعر السورى عمر بهاء الدين الأميري! وذكر التليدي أن الرجل الثاني في التنظيم الأستاذ إبراهيم كمال لم يدلى بشهادته أيضاً لأنه سيصدرها في كتاب منفصل، ولا أدرى هل نشر أم لا ؟ * قصة بدايات الشيخ عبد السلام ياسين في تأسيس جماعته "العدل والإحسان"، وأنه رغم تركه للطريقة البوتشيشية الصوفية إلا أنه ظل يحمل كثيراً من خرافات الصوفية وأخطائها، وأن سبب رفض الكثير من الدعاة للتعاون معه هو أنه يرى في نفسه الشيخ /الخليفة/ المربي الكامل بالمفهوم الصوفي الذي يجب أن يخضع له الآخرون!! * تطرقت بعض الشهادات لتاريخ جماعة الدعوة والتبليغ في المغرب، وهي تشكل معلومات مهمة في هذا الباب لكون جماعة التبليغ لا تهتم بتوثيق تجربتها ولا يهتم كثير من الباحثين بدراستها. * تطورات الحركة الإسلامية بعد انفراط تنظيم الشبيبة الإسلامية بداية الثمانينات، والمسارات التي سارت فيها حتى وصلت للوحدة بين عدة توجهات في حركة التوحيد والإصلاح سنة 1996، والتي أنتجت حزب العدالة والتنمية الذي فاز بأغلبية المقاعد في البرلمان مؤخراً وتولى تشكيل الحكومة بقيادة عبدالإله بنكيران. هذه هي أبرز القضايا التي تناولتها هذه الشهادات الهامة ضمن الأجزاء الأربعة، وهي تحوي معلومات هامة وتجارب كبيرة أعتقد أنه من المهم الاستفادة منها لكل العاملين بالحقل الإسلامي، لأن الاطلاع عليها يوفر كثيرا من الأوقات والجهود التي نحتاجها حتى نراكم الخبرة والنجاحات بدلاً من البداية دوما من نقطة الصفر، ولذلك كم أتمنى قيام جهة رصينة بتدوين تاريخ وتجارب الحركات الإسلامية في مختلف الدول ومن ثم تقديم دراسات تصحيحية وتوصيات بالثغرات الواجب تجنبها في المستقبل، والفرص والمكاسب الواجب تنميتها ورعايتها، وإتاحة كل ذلك للمهتمين بأيسر طريق، حتى نتجنب الكثير من أخطاء الماضي وعثراته. وقد جاء في مقدمة الجزء الأول وعْد من الباحث بلال التليدي بإصدار جزء خامس يكون بمثابة تحليل ومقارنة بين هذه الشهادات ويرتكز على الوثائق والبيانات التاريخية، وهو ما ننتظره الآن منه.
"ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية"
2014/08/01
الرابط المختصر
Image