في النقد الذاتي للحركات الإسلامية 4-4 تجربة د. عبدالله أبو عزة

الرابط المختصر
Image
في النقد الذاتي للحركات الإسلامية 4-4 تجربة د. عبدالله أبو عزة

شهدت جماعة الإخوان المسلمين عبر مسيرتها الطويلة انسحاب الكثير من القيادات منها، وصدرت العديد من الدراسات التي تناولت أوضاع الجماعة، وتنقسم مواقف المنسحبين والدراسات من الجماعة بين حاقدين وموتورين على الجماعة يتصيّدون الأخطاء ويضخمونها، بل قد يخترعونها، وبين من يكون منصفاً وشفيقاً وحريصاً على إصلاح الجماعة وتقويمها. ومن هؤلاء المنصفين: د. عبدالله أبو عزة، الذي صدر له كتابان مهمان حول تجربته مع جماعة الإخوان، الأول "مع الحركة الإسلامية في الدول العربية" سنة 1986، والثاني صدر قبل شهور بعنوان: "الإخوان المسلمون الحركة الأم"، والذي هو في الأساس جزء من الكتاب الأول، لكن الناشر خشي غضب الإخوان عند نشر هذا الجزء في ذلك الوقت! بعد عشر سنوات من خروجه من الإخوان دوّن د. أبو عزة تجربته في كتابه "مع الحركة الإسلامية في الدول العربية"، وكتب في الإهداء: "إلى الإخوة الأحبة الذين نعمت بصحبتهم في ربيع العمر وذروة الشباب، إلى الذين حملت وما زلت أحمل لهم أصدق عواطف المحبة رغم افتراق الدروب، أهدي هذه الصفحات راجيا أن يكون فيها قبس أو بصيص من نور، يساعدهم على رؤية الدرب في سفرهم الشاق الطويل"، وقد بقي أبو عزة يرصد مسيرة الإخوان بعين الناقد الناصح، بل كتب في كتابه الجديد أنه يعتقد أن الإخوان قد تعلموا من الثورة المصرية 2011م تجاوز بعض أخطائهم القديمة، ولا أدري هل بقي على حكمه هذا بعد تجربة حكم د. محمد مرسي والانقلاب عليه!     في الصيف الماضي جاءني اتصال كريم من الأستاذ حاتم بسيسو يخبرني بتواجد د. عبدالله أبو عزة في عمان، وقد كانت مقابلةُ د. أبو عزة فرصةً ثمينةً، فقد كنت طالعت كتابه المهم "مع الحركة الإسلامية في الدول العربية" في نهاية الثمانينيات، وكنت لا أزال في مرحلة الثانوية العامة، وقد فتح عيوني مبكراً على تاريخ نقدي عميق لمسيرة الحركة الإسلامية في البلاد العربية وبتنوع تجاربها، كما أن الكتاب فيه توثيق تاريخي لشاهد عيان لولادة التنظيم الإخواني الفلسيطني الموحد وشاهد على انبثاق حركة فتح من رحم جماعة الإخوان المسلمين، ثم صراعها مع التنظيم الفلسطيني لجماعة الإخوان، ومناقشة رؤية كلا الطرفين لمعالجة القضية الفلسطينية. وقبل عامين كنت قد طالعت مجلده الجديد "انهيار الحضارة العربية الإسلامية وسبيل النهوض"، فكان عرض الأستاذ حاتم عرضا مغريا، للقاء مع د. أبو عزة، وهو من مواليد سنة 1931م – بارك الله في عمره- في قرية يبنا من قضاء الرملة، ثم هاجر لغزة في نكبة 1948م، ثم انتسب لجماعة الإخوان في غزة نهاية سنة 1952م، ثم بعد عامين أصبح رئيس تنظيم الإخوان في غزة بسبب تخلي كثير من القيادات والأعضاء عن جماعة الإخوان بعد قرار حل الإخوان في مصر سنة 1954م، وتواجد بعض القادة خارج قطاع غزة، وبقي منصبه حتى زوال الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة (1954-1957)، ثم استقال وأصبح عضوا عاديا في إحدى الأسر الإخوانية. وفي عام 1962 أنشأت الجماعة مجلسا للشورى واختير أبو عزة عضوا فيه، ثم سافر للبحرين للعمل صيف سنة 1962م، وتعاون هناك مع فرع الإخوان المسلمين، وفي سنة 1965م تلقى "تعليمات من قيادة التنظيم الفلسطيني –في الاخوان- تطلب مني الاستقالة والتوجه إلى بيروت للعمل متفرغاً لدى المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين في البلاد العربية"، والذي هو بمثابة القيادة العامة العليا للإخوان المسلمين في البلاد العربية برئاسة الأستاذ عصام العطار، والبلاد التي لها ممثلون فيه: سوريا والأردن ولبنان والكويت والسعودية والسودان ومصر والعراق ثم فلسطين. وفي سنة 1966م تحولت صفة د. أبو عزة، من باحث متفرغ إلى ممثل للتنظيم الفلسطيني في المكتب ونائب رئيس اللجنة التنفيذية في المكتب. وفي نهاية 1968م قدم د. أبو عزة استقالته من المكتب التنفيذي التي بيّن سببها بقوله: "الخلل الذي اعتور بنية حركة الإخوان المسلمين ولازمها... من أهم مظاهره اختلاف المفاهيم من قطر إلى قطر، بل وعدم وجود مفهوم موحد، أو مفاهيم موحدة بين أفراد الإخوان في داخل القطر الواحد"،  ثم استقر بالكويت وتفرغ للمكتب الإقليمي لإخوان الكويت، لكنه لم يتمكن من الاستمرار فاستقال بعد سنة، وكان أثناءها قد ترأس التنظيم الفلسطيني للإخوان في الكويت. وقد أفرزت هذه المسيرة التنظيمية نظرات نقدية لمسيرة الإخوان نشرها في حلقات على صفحات مجلة المجتمع الكويتية حول الشورى المفقودة في داخل الإخوان، أثارت ضده نقداً قويا، لدرجة منعه من الرد على منتقديه! وهنا إتخذ د.أبو عزة قرار الانفصال عن الإخوان بعد فشل كل محاولات الإصلاح من الداخل، ولذلك قام بالجهر بآرائه عبر عدد من المقالات في مجلة الشهاب البيروتية نقد فيها فكر الإخوان وفكر سيد قطب، مما قوبل باستهجان واسع من قبل الإخوان، وبذلك انقطعت علاقته التنظيمية بالإخوان سنة 1972م، بعد مسيرة عشرين عاما. ومن هنا تنبع أهمية تجربة د. أبو عزة والتي تماست مع القيادات العليا للإخوان في الدول العربية وذلك من داخل المطبخ كما يقولون. في كتابه الجديد "الإخوان المسلمون الحركة الأم" يعالج د. أبو عزة بالفحص والنقد مسيرة الإخوان في مصر من زمن التأسيس، وحتى عام 2012 تقريبا، ونقده للإخوان يتركز على ناحيتين: الأولى: عاطفية وسطحية الفكر الذي تأسست عليه حركة الإخوان المسلمين، وهو ما تجلى في كتابات الأستاذ حسن البنا والتي في رأي د. أبو عزة لم تنتج فكراً يتجاوز ما قدمه البنا بل بقيت مأسورة له رغم عشرات السنين التي مرت، يعدد د. أبو عزة السمات التي تميز كتابات حسن البنا بـ : العاطفية، إثارة الحماس، البقاء في إطار العموميات، اللغة الخطابية، الاقتضاب في تناول القضايا الكبرى. ثم جاء فكر الأستاذ سيد قطب، والذي ناقض فيه فكر البنا، وأصبحت الجماعة تتأرجح بين فكرين، وبسبب هذا الوضع الفكري يرى د. أبو عزة أن الجماعة فقدت الكثير من الشخصيات المحورية والمهمة التي استقطبتها السلطات غالبا واستفادت من عطائها الفكري، مثل: نائب البنا الشيخ أحمد الباقوري، ود.عبد العزيز كامل، ود. أحمد كمال أبو المجد، ود. محمد فتحي عثمان، وغيرهم.   والضعف الفكري وتذبذب المفاهيم لا يزال الكثيرين يرون أنها مشاكل متوطنة في داخل الجماعة، وتتسبب في مشاكل ونزاعات داخلية وخارجية للإخوان. الناحية الثانية في نقد د. أبو عزة: تتركز حول سياسات وأساليب البنا ومن ثم جماعة الإخوان الداخلية والخارجية، حيث أن جهد البنا تركز في رفض الهيمنة الغربية في صورتها العسكرية والثقافية، وبعث الاعتزاز بالإسلام وبالشخصية الإسلامية، وشحذ الهمم الشبابية نحو الجهاد، ولكن رغم نبل هذه الغايات فإن التساؤل يدور حول الأساليب والوسائل والخيارات في نطاقها وحول النتائج. ولذلك يلخص د. أبو عزة نقده بقوله: "بكثير من الحماسة، وكثير من الإخلاص، وقليل من الخبرة، وقليل من الوعي والإدراك"، ويقول: "الإخوان عاجزون - بحكم تكوينهم العاطفي وبسبب تربيتهم الضيقة الأفق – عن أن يجدوا في رصيدهم أدنى قدر من المرونة تساعدهم على المناورة". ويسرد د. أبو عزة العديد من التجارب التي مر بها الإخوان من زمن البنا ولليوم وهي تؤكد قلة الوعي والعاطفية ومنها: تفرد البنا بالقرارات، فلم تكن للمؤسسات قيمة في وقته، وهذا لا يزال نهجا سائدا، ولكن يوضع في قوالب مؤسسية شكلية، مثل قرار ترشيح إخواني للرئاسة في مصر، فقد أعيد الاستفتاء مرتين ويسقط، وفي الثالثة زيد في أعضاء المجلس بطريقة تغلب الموافقة على ترشيح إخوانى للرئاسة!! تغول الجهاز الخاص أو التنظيم السري، حتى خرج عن سيطرة المرشد حسن البنا نفسه، ولا يزال موضوع التنظيم السري في داخل الإخوان يشكل قلقاً، ومن آخر الأمثلة تنحية نائب المرشد د. محمد حبيب من قبل أعضاء الجهاز الخاص، وفي الأردن طالب بعض الإخوان مؤخرا بحل التنظيم السري في الجماعة وذلك في اجتماعهم في مدينة إربد يوم 7/5/2014.  وقد ذكر د. أبو عزة قصة تولي عبدالرحمن السندي قيادة الجهاز الخاص وهو الشاب الصغير والمريض بالقلب والذي لم يدخل الجماعة إلا من سنة ونيف، في قصة عجيبة تدل على انعدام أبسط متطلبات المؤسسية والانضباط. وبسبب محورية شخصية البنا من جهة، وبسبب عاطفية الإخوان تجاه فكر البنا، فقدت الجماعة كثيرا من الشخصيات القوية وعجزت الجماعة عن إنجاب شخصيات فكرية وقيادية بارزة من وزن البنا، وتمثل هذا في فراغ منصب المرشد لأكثر من عامين بعد اغتيال البنا، وعرض المنصب على شخصيات من خارج الإخوان مثل الشيخ أبي الحسن الندوي رغم أنه لم يسمع بالإخوان إلا حين عرضوا عليه قيادتها! وفي النهاية تولى قيادة الجماعة المستشار حسن الهضيبي وهو أيضاً من خارج الجماعة، مما أحدث صدامات كبيرة بينه وبين الجهاز الخاص الذي رفض الانصياع له. الانخداع الإخوانى المتكرر بشعبيتهم العالية، ولكن عند الأزمات لا تنفعهم هذه الشعبية، ومن ذلك انصياع الجماهير لطلب الشيخ عبد القادر عودة الانصراف من أمام قصر عابدين احتجاجاً على ديكتاتورية جمال عبد الناصر، ثم بعد أشهر قليلة شنق عبد الناصر الشيخ عبد القادر عودة!! وفي يومنا هذا انخدع الإخوان بنجاحهم في الانتخابات المصرية ولم يروا الطوفان القادم الذي أزاح حكمهم عن مصر!!        السذاجة المفرطة في الثقة بالنفس واحتواء الآخرين، ثم يكون هؤلاء هم سبب أذية الإخوان، ومن هؤلاء الملك فاروق، ثم جمال عبد الناصر الذي كان البعض يعتبره إخوانيا أكثر من المرشد حسن الهضيبي، ثم نكل بهم، واليوم عظموا السيسي لكنه انقلب عليهم. وبهذا يكون الإخوان يدورون في حلقة غير منتجة: نمو ثم صدام مهلك مع عدو ظنوه صديقا، ثم نمو ثم صدام! والخلاصة النهائية التي يضعها أبو عزة، أن لجماعة الإخوان نية طيبة وغايات محمودة وحضورا كبيرا وممتدا وجهودا رائعة ومتميزة في مجالات متعددة، ولكن جوانب النقص والفشل أكبر من النجاح بمقياس النتائج والثمار تجاه الأهداف المرسومة، وأن هذا الفشل بنيوي وليس نتيجة مؤامرات وعوائق رغم وجودها، وأن الجماعة بحاجة للإصلاح والتعديل حتى تتمكن من بلوغ النجاح والفائدة المرجوة منها.