الإخوان والجمود في موضع السيلان!

الرابط المختصر
Image
الإخوان والجمود في موضع السيلان!

ينسب للإمام الذهبي جملة قصيرة مكثفة تلخص المآخذ على الإمام ابن حزم الظاهري هي قوله:    "سال في موضع الجمود، وجمد في موضع السيلان"، وذلك أن ابن حزم كان إذا أتت مسائل العقيدة وآيات الصفات الإلهية سال قلمه بالتأويل بلا دليل ولا برهان، وحين تأتي مسائل الفقه والفرعيات يجمد مثل الثلج، فيأخذ بالظاهر ولو بغير المعقول ويبطل القياس والاجتهاد!! واليوم نجد الإخوان المسلمين يكررون هذا الخطاً، فمعلوم أن جماعة الإخوان تنطوى في داخلها على كثير من التناقضات على الصعيد الشرعي والعلمي، فهي تضم مدارس عقائدية وفقهية متعددة بل ومتناقضة، ففيها السلفي والأشعري والصوفي والميال للشيعة، وفيهم من يُحسب على التيار العلماني أو الليبرالي، هذا على الصعيد العقائدي والفكري، وعلى الصعيد الفقهي أيضاً نجد مَن يلتزم فقه الدليل دون تقيد بمذهب فقهي، وبعضهم من يلتزم مذهباً محدداً، ومنهم من كسر الباب بدعوى الاجتهاد وأصبح التلفيق والهوى هو مذهبه بحجة التيسير والمصلحة ومراعاة الناس. وبهذا نجد أن جماعة الإخوان في هذا الباب بدلاً من أن يكون لها رؤية موحدة في أصول  الإسلام والإيمان وأصول العبادة والطاعة، نجدها تسيل بين المذاهب والأفكار المتناقضة، ويحتج بعض أفرادها بمقولة باطلة بأن "الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق"، وحقيقة هذه المقولة إلغاء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وإبطال الشعار الشهير "والرسول قدوتنا"، فالطريق الموصل إلى الله عز وجل لا يمر إلا من طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي جاء بالحق الثابت الواحد في أصول الدين والإسلام، وجاء بعدة خيارات معروفة محدودة في بعض العبادات والشعائر، وجاء بضوابط معلومة للاجتهاد في نوازل الأمة ومستجداتها، أما هذه الفوضى التى لا حصر لها فليست من طريق النبي صلى الله عليه وسلم. ومقابل هذا السيلان العجيب في موضع الجمود والثبات، نجد الجماعة تجمد جمود الثلج في موضع السيلان، وذلك حين تمنع تعدد الآراء السياسية في داخلها، وتتعامل مع السياسة من ثقب الباب، وترفض أن تتعدد الطرق السياسية فيها كما تقبل تعدد الطرق إلى الله !! برغم أن طبيعة السياسة اجتهادية تتعدد فيها التصورات والآراء، لأنها تعالج مسائل دنيوية وظنية في الغالب، تتفاوت العقول في تصور جذورها ومسارها ومآلها، ولذلك تتنوع فيها اختياراتهم، ولا يوجد مصدر إلهى لمعرفة الصواب فيها بخلاف القضايا الشرعية. ومن آثار هذا الجمود مؤخرا تهديد الإخوان في الأردن أعضاء مبادرة زمزم بالفصل من الجماعة في حال تحولت إلى حزب سياسي، فلماذا تتحمل جماعة الإخوان التعدد العقائدي والفقهي لحد التناقض في داخلها، بينما تضيق عن التعدد السياسي؟ أليس في هذا حجة للقائلين أن الإخوان هيئة سياسة وليست جماعة دينية ؟ العقل والمنطق يقول بأن فتح باب التعدد السياسي في داخل الجماعة للتنافس في تقديم برامج وحلول سياسية واقتصادية وإدارية، هو الوضع الطبيعي الذي يفجر طاقات الأعضاء ويكسبها الكثير من الأنصار الجدد، ويوسع دائرة انتشار فكرة الجماعة، فتعدد وتنافس المدارس ودور النشر والمكتبات وشركات السياحة والمستشفيات، حقق للجماعة وللمجتمع فوائد جمة وكثيرة، ورفع مستوى الخدمة وحسن جودة المنتج ووسع دائرة المستفيدين منها. والغريب أن الجماعة -حتى على المستوى الدولي- استطاعت عبر مسيرتها الطويلة استيعاب التعدد والخلاف العقائدي والفقهي، ولم ينكر تيار فيها على آخر، بل يتعايشون بسلام، ولكن على صعيد التعدد السياسي لم تتمكن الجماعة من احتواء هذا الخلاف في قنواتها الداخلية، فقد انقسمت الجماعة حول احتلال العراق للكويت، وشارك إخوان الأردن في بيان موجه لقيادة جماعة الإخوان في مصر يستنكرون فيه موقفهم بجوار مبارك في التحالف الأمريكي، وقد نشروه في الصحف اليومية آنذاك باسم (خطاب مفتوح إلى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين). واليوم نجد الإخوان ينقسمون حول الضربة الأمريكية لنظام بشار الأسد عقب استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه، فإخوان سوريا مع الضربة، وإخوان الأردن يعارضونها، ولا يسترون هذا الخلاف السياسي كحال خلافاتهم الشرعية! ومن يدرس تاريخ الجماعة يجد أن غالب الانشقاقات في الجماعة تحدث بسبب الجمود والتحجر في وجه التعددية السياسية السائلة، فهل تتجاوز الجماعة هذا الوضع المائل فتجمد في موضع الجمود وهو أصول الإسلام والإيمان، وتسيل في موضع السيلان وتفتح الباب للتعددية السياسية داخلها؟