الإسلاميون والمرحلة الجديدة

الرابط المختصر
Image
الإسلاميون والمرحلة الجديدة

مع نجاح التيار الإسلامي في مصر بالفوز في معركة الرئاسة بالتعاون والتحالف مع العديد من القوى غير الإسلامية، يكون الإسلاميون على أعتاب مرحلة جديدة تختلف عن المراحل الماضية، فالإسلاميون اليوم في قلب المشهد بعد أن كانوا على أطرافه عقوداً طويلة، والإسلاميون اليوم هم الفاعلون الأساسيون بعد أن كانوا المنفعلين بالأحداث، والإسلاميون اليوم خيار الأغلبية الجماهيرية بعد أن كانوا قلة محدودة، والإسلاميون اليوم أصحاب القرار والسلطان بعد أن كانوا سكان المعتقلات والسجون!!      الإسلاميون طيف واسع لا يقتصر على جماعة الإخوان المسلمين برغم انتشارها وتنظيمها، ولا يقتصر على أحزاب وحركات إسلامية ومنظمة سياسية، بل هو يشمل العديد من القوى غير السياسية كالتيارات السلفية غير المسيّسة أو جماعة التبليغ أو قيادات مستقلة علمية شرعية أو فكرية. ولا يقتصر التعدد على أصناف التيار الإسلامي فحسب، بل حتى الصنف الواحد تجد في داخله حالة من التعدد في المواقف والرؤى فجماعة الإخوان المسلمين تمتد من مكتب الإرشاد في مصر لتشمل الغنوشي في تونس إلى عبد رب الرسول سياف في أفغانستان، فضلاً عن التعدد في داخل الإخوان في أي بلد (ترشيح خيرت الشاطر وافق عليه 52% من شورى الجماعة)، وبالمقابل فإن الدعوة السلفية تشهد حالة من التعدد حتى في المشرب نفسه (يكفي أن تطالع السجالات بين المنتديات السلفية "التقليدية" لترى حالة التشرذم والتفتت باسم محاربة الفرقة والحزبية!!). فهذه مجموعة من الملاحظات بخصوص بعض أركان التيار الإسلامي، موجهة إلى: 1- جماعة الإخوان المسلمين: لا أجد من الضرورى التذكير بدور الجماعة وتاريخها فهذا ليس موضع جدال عند المنصفين، وإن كان هناك الكثير من الملاحظات النقدية للمنهج والرؤية والسياسة التي تتبناها، ولذلك فإن الجماعة مطالبة اليوم بوقفة مراجعة كبيرة لكثير من النصائح والانتقادات التي تلقتها عبر تاريخها، خاصة بعد أن تبين لها بوضوح أن سياستها الأحادية كادت أن تفقدها كثيراً من المكاسب التي حصلت عليها عبر زمن طويل، ولذلك اعترفت بأخطائها وتنازلت للتوافق مع الآخرين في جولة الإعادة لمنصب رئاسة الجمهورية في مصر، فحصل لها الفوز بشق الأنفس! ولعل من أهم الكتب التي وجهت النقد المبكر للإخوان كتاب "الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية" والذي شارك فيه عدد من المفكرين والباحثين وبعضهم من الإخوان، وقام على تحريره د.عبدالله النفيسي ونشر سنة 1989م. وإذا نظرت في مقدمة النفيسي قبل 23 سنة ستجد أن الأخطاء لا زالت تتكرر مثل: * غياب التفكير المنهجي طويل المدى ولذلك تورط الإخوان بالإعلان عن عدم ترشيح رئيس ثم تراجعوا بسبب عدم التحسب للمتغيرات وفخاخ الآخرين. * عدم بلورة نظرية علمية للاتصال بالجمهور ولذلك فإن الإعلام المغرض زعزع نفوس كثير من المصريين تجاه الإخوان. * تصور وجود فراغ فكري وأيديولوجي في المجتمع سيملؤه الإسلاميون وهو ما ظهر خلافه من ازدحام المشهد بالعديد من الأديولوجيات والأفكار والتي تحتاج لخطاب إسلامي متفوق ومقنع لدحرها. * حالة الحزبية المربكة في داخل الجماعة والتي أصبحت تطرد الكفاءات (أبو الفتوح، محمد حبيب، إبراهيم الزعفراني، ومن قبل أبو العلا ماضي) في مصر، أو (عبدالرحيم العكور، بسام العموش) في الأردن. * مشكلة التنظيم الحديدي، حيث أصبح التنظيم مشكلة في أحايين كثيرة، فالواجبات على العضو معلومة لكن حقوقه مجهولة وضائعة، وقد كثر شكوى قطاع الشباب والنساء في الإخوان بخصوص هذا. أما الأستاذ  الطيب بوعزة من المغرب فينبه على أن الخطاب الإسلامي الحالى لا يملك قدرة على النفاذ إلى مواقع وبنيات المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بسبب أن هذا الخطاب يتوجه إلى الفرد فقط ويهمل مخاطبة المجتمع كمؤسسات وبنيات وعلاقات؛ ودليل ذلك أن الفقه الذي بلوره أو استعاده من التراث متضخم في جانب الفقه الفردي، وضامر جدا في مجال الفقه الجماعي. إن جماعة الإخوان قد تكون معذورة في بعض هذا سابقاً بسبب الظروف والمناخات غير المواتية، لكنها اليوم وهي تتصدى لقيادة الربيع العربي عليها أن تضرب المثل بنفسها والقدوة لغيرها، بمراجعة مواقفها وأدائها ومنهج التفكير، وستجد عند ذلك الكثير من الأنصار والداعمين لبرنامجها من خارج الجماعة كما حدث في دعم مرشحها الرئيس محمد مرسي. كم أتمنى أن يتعلم الإخوان من تجربة أربكان وأردوغان في تركيا، فلا ينكر سابقة أربكان وجهده إلا جاحد، لكن طريقة أربكان لم تبلغ هدفها بسبب معوقات داخلية عنده أكثر منها عوائق خارجية (انظر كتاب: الدين والدولة في تركيا، د.كمال حبيب)، ولما تصلب أربكان بوجه التغيير على يد شبابه عبدالله غول ورجب أردوغان، حدثت القطيعة. لا يعني هذا أن منهج غول وأردوغان صائب تماماً، لكن الشاهد هنا أن السبق والأقدمية لا تعني الصواب دوماً، ولذلك على الإخوان أن يغادروا عقلية أربكان - المتقوقعة بدون حاجة ماسة - في الوقت الذي يصفقون فيه لإنجازات أردوغان، حتى يكونوا منسجمين مع أنفسهم، مصر والعالم العربي يتميزان عن تجربة تركيا بأن الأنظمة فيها – غالبا – ليست علمانية متطرفة، والبيئة الدينية قوية وحاضرة كالأزهر، ويجب أن تكون تجربة أردوغان نموذجاً في الإنجاز السياسي والتنمية الاقتصادية وليس الاجتهاد الديني. 2- الدعوة السلفية:     هي اللاعب القوي الجديد على الساحة، وقد تميزت بالإنجاز اللافت في الوقت القصير الذي ظهرت فيه، وهذا بسبب القوة العلمية والمنهجية، والحضور الشعبي الممتد والطويل دون بحث عن أضواء الإعلام أو مناصب الساسة. ومع ذلك يجب أن تتنبه الدعوة السلفية في مشاركتها في الشأن العام فلا تتسرع للمشاركة لأن بعض السلفيين نجح في المشاركة في مكان آخر، بل عليهم الاستعداد والتحضير الجيد لذلك، كما عليهم أن يستعدوا لمواجهات طويلة مع الإعلام العلماني المنفلت، والذي يملك من المقدرات والفنية ما يقلب الليل إلى نهار. الدعوة السلفية يجب أن توازن بين المشاركة العامة وبين ميدانها العلمي والدعوي، والتركيز على تقديم الحلول للمشاكل التي يمكن حلها وتطبيقها، ولا تنشغل بقضايا نظرية لا يمكن علاجها الآن. ولتكن سياستها المبادرة للفعل وطرح المشاريع بدلاً من أن يتم التلاعب بها بإثارتها وإشغالها بردّات فعل تورطها وتجرها إلى أفخاخ مقصودة لتشويهها وإلهاء الجماهير عن مسار الإصلاح الحقيقي. أما السلفيون الرافضون للمشاركة العامة والسياسية، فليستفيدوا من مكتسبات الحرية لصالح دعوتهم ونشرهم للعلم بدلاً من المعارك الهامشية التي تعيق العمل وتفرق الصف باسم الوحدة وعدم الفرقة! وليكفوا سفهاءهم مثل أسامة القوصي الذي ينافس جمال البنا على لقب مفتي الابتذال والشذوذ !! فهذا خير لهم من افتعال قضايا هامشية بوجه الدعاة إلى الله. 3- الإسلاميون المستقلون والجماعات الصغيرة: عليهم واجب النصيحة للجماعات الإسلامية لكونهم يستطيعون الرؤية من الخارج، وتقديم نصيحتهم دون خوف من مساءلة أو عقاب، كما أن عليهم سد بعض الثغرات في ثوب المشروع الإسلامي الذي يحتاج إلى مبادرات فردية تتسم بالعمق وسرعة الحركة والمبادرة قد لا تتوفر عند الحركات والقيادات الكبرى، ولتركز مبادراتهم على المفاصل المهمة التي ينطبق عليها قول القائل: قد تسند الجبل العظيم حصاة !