قصة الجماعات الإسلامية المسلحة

الرابط المختصر
Image
قصة الجماعات الإسلامية المسلحة

في الأسبوع الماضي تناولت شيء من تاريخ الدعوة السلفية المباركة، واليوم أتناول تاريخ الجماعات الإسلامية المسلحة أو جماعات العنف الإسلامية أو السلفية الجهادية وهي التسمية التي من خرجت من بنات أفكار د.محمد أبورمان، في ليلة ليس فيها ضوء قمر، وتورطنا نحن معشر السلفيين بها!! وهي قصة توردها العديد من الدراسات الخاصة بالجماعات والحركات الإسلامية مثل "الإحياء الديني، ملف إجتماعي" لرفيق حبيب، و"الإسلام السياسي في مصر" لهالة مصطفي، و         " الحركة الاسلامية من المواجهة إلى المراجعة" لكمال حبيب، و" الإسلاميون" لبشير نافع، و"الحزاب والحركات والجماعات الإسلامية" لفيصل دراج وجمال باروت، و"تحولات الخطاب السلفي، الحركات الجهادية" لمروان شحادة، وهذا ملخص لما ورد في هذه المصادر وغيرها بشكل موجز: بداية يلخص لنا الموضوع الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه " الإخوان المسلمون سبعون عاما في الدعوة والتربية والجهاد" بقوله: " ومن التهم التى توجه إلى الإخوان باستمرار وتلوكها الألسنة والأقلام: أن (جماعات العنف) ظهرت من تحت عباءتهم, مثل جماعات (جماعة الجهاد) أو (الجماعة الإسلامية) و (جماعة التكفير) وغيرها من الجماعات التى نشأت فى مصر واتخذت العنف نهجا لها وسبيلا لتحقيق أهدافها. والحق الذى لا ريب فيه: أن بعض هذه الجماعات مثل (جماعة التكفير) تعتبر (انشقاقاً) على الإخوان وليس (امتداد) للإخوان". وهذه هي الحقيقة أن الجماعات الإسلامية المسلحة هي انشقاقات عن جماعة الإخوان وحزب التحرير – كما سيأتي - وليس عن الدعوة السلفية، فأول إرهاصات هذا التيار كما يوضح القرضاوي تعود لمجموعة منشقة عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر سمت نفسها (شباب محمد) عام 1937 بتحريض من حزب مصر الفتاة اعتراضاً على تقاعس حسن البنا عن نصرة فلسطين !! ومن ثم ظهر (التنظيم السري) لجماعة الإخوان عام 1958 تقريباً، وقام بعمليات عسكرية ضد الاحتلال في فلسطين قبل أن يتورط في اغتيال القاضي الخازندار ورئيس الوزراء المصري محمود النقراشي ويحاول تفجير مبنى محكمة الإستئناف لإتلاف وثائق التنظيم الخاص التي ضبطت. وبعد أن اصطدمت جماعة الإخوان بالسلطات وبدأت مسيرة المعتقلات والسجون التي صب عليهم فيها العذاب صباً على الجميع من أذنب ومن لم يذنب، بدأت تظهر بذور التطرف والعنف كرد فعل على هذا الظلم الكبير، ظهر التطرف والتكفير عند مصطفي شكري الذي أسس جماعة المسلمون والتي عرفت بجماعة التكفير والهجرة، وعند نبيل البرعي الذي سيكون جد الجماعات الإسلامية المسلحة. مصطفي شكري كان من الإخوان المسلمين واعتقل بين عامي 1965-1971، وبسبب العذاب الأسطوري من قبل النظام الناصري التقدمي والذي كان يهين معتقدات المساجين بسب الذات الإلهية والتوعد بسجن الله – والعياذ بالله – تولدت فكرة تكفير هؤلاء السجانيين وقادتهم والقادة السياسية التي تأمرهم بسجن الإخوان، ووصل به الأمر إلى تكفير العلماء والشعب الذين لا يتحركون لوقف هذا الظلم والطغيان والكفر، وقد لقيت هذه الفكرة رواجاً بين البعض بسبب حالة الظلم وقوة شخصية مصطفى شكري، فاعتزلوا المجتمع ومن ثم تصادموا معه وتوج ذلك بقضية قتل الشيخ الذهبي عام 1977، فحكم على شكري بالإعدام وتفتت التنظيم بين الجماعات الجهادية.     أما نبيل البرعي فهو أيضاً أحد سجناء الإخوان انشق عنهم وأسس حركة جهادية، سرعان ما انشق عنها مصطفى علوي عام 1973، وشهد نفس العام تأسيس د.صالح سرية لتنظيم مشابه، وهو الفلسطيني الذي تنقل بين حزب البعث العراقي وحركة فتح حزب التحرير وجماعة الإخوان في الأردن والعراق ومصر، وقاد ما عرف بعملية الكلية الفنية عام 1974 في القاهرة بهدف اغتيال السادات وقياداته العسكرية والسياسية، بعد فشله وإعدامه أصبحت هذه المجموعات تتكاثر وتنشق على نفسها وكان من رموزها محمد سالم الرحال - وهو فلسطيني أيضاً كان يدرس في الأزهر ونشأ في حزب التحرير!! – الذي كان حلقة وصل بين أبرز الشخصيات في هذه التنظيمات مثل أيمن الظواهري وعصام القمري. ويعد تنظيمي صالح سرية ومحمد سالم الرحال واللذين أساس لكل التنظيمات المسلحة اللاحقة، ويوصفان بأنهما تنظيمان تابعان لحزب التحرير في دراسات هالة مصطفي وفيصل دراج ورفيق حبيب !! (حزب التحرير كان في البداية يؤمن بالإنقلابات العسكرية والأعمال المادية مثل محاولته الانقلابية في الأردن سنة 1968، ثم غير موقفه واقتصر على التحريض، وهذا يشابه ما يجرى اليوم لدى قطاع من التيار الجهادي في الأردن). ما تبقي من أفراد هذه التنظيمات بعد القتل والسجن والفرار سيعودون للتجمع في تنظيم جديد على يد محمد عبد السلام فرج عام 1980، وهو التنظيم الذي سيغتال السادات. في مرحلة السبيعنيات سمح السادات للعمل الإسلامي بالنشاط فتشكلت في الجامعات لجان طلابية دينية عرفت لاحقاً بالجماعة الإسلامية، وهي تجمع للشباب المتدين مقابل التيارات اليسارية، وبعد خروج جماعة الإخوان من المعتقلات وبداية مسيرة السلام انقسمت الجماعة الإسلامية لعدة تيارات فبعضها انضم لجماعة الإخوان مثل عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح وبعضهم كون ما عرف بالمدرسة السلفية بالإسكندرية مثل محمد إسماعيل المقدم وأحمد فريد وياسر برهامي، وبقي البعض باسم الجماعة الإسلامية مثل كرم زهدي وعصام دربالة وهو التيار الذي سيتحالفت مع جماعة الجهاد في اغتيال السادات تحت إشراف الشيخ عمر عبد الرحمن وقيادة محمد عبد السلام فرج حتى اعدامه، ومن بعدها فض هذا التحالف بسبب الخلاف على إمارة الأسير (عبود الزمر) أو إمارة الضرير (عمر عبد الرحمن).   هذه هي قصة ظهور الحركات الإسلامية المسلحة باختصار، وقد تأسست غالب هذه الجماعات بشكل أساسي على أفكار أبو الأعلى المودودي وخاصة كتابه "المصطلحات الأربعة" (الإله، الرب، العبادة، الدين) والذي كان له دور محوري في تشكيل ذهنية هذه الجماعات والتي تأثر بها سيد قطب واعاد إنتاجها في كتبه "معالم في الطريق" و"في ظلال القرآن". بعد أن اصطدمت هذه الجماعات بالنظام المصري وبدأ يطاردها فر البعض لخارج مصر، كما أن بعض من أنهوا محكومياتهم سافروا لخارج مصر، وكانت الأردن والسعودية وجهة الكثيرين منهم، وفي أحد خطابات السادت وجه رسالة تهديد إلى حسن الهلاوي أحد القيادات البارزة والذي كان هارباً في الأردن، وقد شهدت الثمانييات تولى بعضهم إمامة مساجد في الأردن، ونشروا أفكارهم بين الأردنيين وقد يكون لهم دور في ظهور ما عرف بقضية "جيش محمد" في أواخر الثمانينات، قبل قدوم أبو محمد المقدسي للأردن بعد الغزو العراقي للكويت. وقد سبق ذلك قدوم محمد سالم الرحال الفلسطيني وهو أحد الزعماء التاريخيين لجماعة الجهاد المصرية للأردن، والذي قام بنقل تجربته في مصر إلى الأردن وأسس تنظيماً أطلق عليه اسم (تنظيم الجهاد الإسلامي في الأردن) وكان هذا ما بين 1981 و1984. أما عن تأثير هولاء القادة المصريين الهاربين للسعودية وتأثيرهم على جماعة جهيمان فهو موضوع مقال السبوع القادم بإذن الله.     فإذن هذه الجماعات نشأت في مصر وليس في السعودية موطن الدعوة السلفية المعروفة بالوهابية، وعلى يد شخصيات كانت منتمية لجماعة الإخوان المسلمين أو حزب التحرير، وقادة هذه الجماعات ليس فيهم من ينتمى للدعوة السلفية بمختلف مدارسها في مصر مثل جماعة أنصار السنة المحمدية أو الجمعية الشرعية أو غيرهما، والمراجع التنظيرية لها هي كتابات أبو الأعلى المودودي وسيد قطب، وليست الكتب السلفية المعروفة.