مع الجهاد وضد القاعدة وأخواتها

الرابط المختصر
Image
مع الجهاد وضد القاعدة وأخواتها

تباينت ردود فعل لدى أصدقائي على فكرة مقال الأسبوع الماضي حول حقيقة الاختلاف بين جبهة النصرة وداعش على المستوى الفكرى والمنهجي، فالبعض أيد الفكرة وأثنى عليها واعتبر ذلك جرأة في التصريح يعجز الكثيرين عن الجهر بها برغم تداولها في الجلسات ! وبعض أخر أيد فكرة المقال بالمجمل، لكنه يرى أن هناك مراجعات إصلاحية داخل القاعدة يقودها عطية الله الليبي، برغم أنه يواجه مقاومة شديدة من داخل القاعدة، فيجب أن نشجع هذا المسار. وبعض رأي أن هذا المقال عمالة لأجهزة الأمن، ولكن الذي استوقفنى هو اعتبار بعض الأصدقاء أن هذه الفكرة فيها رفض للجهاد وبتعبيره (عقيدة الجهاد) ! ولهذا الصديق والحبيب وأمثاله أقول: الجهاد شعيرة إسلامية ماضية إلى يوم القيامة، وأصل من أصول الإسلام لا يمكن شطبه أو إزالته شاء من شاء وأبى من أبى، لكن في نفس الوقت عبادة الجهاد – وليس عقيدة الجهاد – لها أحكام وشروط وضوابط مقررة عند العلماء والفقهاء بالأدلة الصحيحة، فلا يجوز بحال من الأحوال تجاوزها لحماسة شبابية أو لجهل وتهور بعض الناس. وأيضاً – وهو مهم جدا - فإن الجهاد قام قبل ظهور القاعدة وبعدها، ولذلك من الخطأ الفادح مساواة الجهاد العبادة بالقاعدة التنظيم ! فليست القاعدة من أحيت شعيرة الجهاد في الأمة، هذه مغالطة كبيرة، فغالب بلاد الإسلام عرفت الجهاد وقامت به ضد المحتلين الغزاة من الكفار في القرنين الماضيين، وبقي هذا مستمراً في بلاد الإسلام بحسب القدرة والإمكان التي بها يجب بها جهاد الدفع، وإلا كانوا ممن قال الله فيهم: ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك ولياً وأجعل لنا من لدنك نصيراً ) (النساء 75)، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن النبي صلى الله لما كان بمكة مستضعفا هو وأصحابه عاجزين عن الجهاد أمرهم الله بكف أيديهم والصبر على أذى المشركين فلما هاجروا إلى المدينة وصار له دار عز ومنعة أمرهم بالجهاد وبالكف عمن سالمهم وكف يده عنهم، لأنه لو أمرهم إذ ذاك بإقامة الحدود على كل كافر ومنافق لنفر عن الإسلام أكثر العرب إذ رأوا أن بعض من دخل فيه يقتل، وفي مثل هذه الحال نزل قوله تعالى " ولا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً" الأحزاب(48). وهذه السورة نزلت بالمدينة بعد الخندق فأمره الله في تلك الحال أن يترك أذى الكافرين والمنافقين له فلا يكافئهم عليه لما يتولد في مكافأتهم من الفتنة". (الصارم المسلول على شاتم الرسول). وأنا وغيرى كثير - من من ينكر على القاعدة انحرافها في المنهج وسوء سلوكها في الواقع- نؤيد الجهاد السليم من هذه الآفات، فالثورة السورية مثلاً قامت بعيداً عن القاعدة وتحولت للقتال العسكري بسبب تعنت النظام ودمويته، فقام الثوار والمجاهدون بالدفاع عن أنفسهم وأهليهم وبلدهم دون انتظار للقاعدة، وقد تداعى المسلمون لنصرتهم ودعمهم، ثم جاءت القاعدة متأخرة لكنها كالعادة تتخطى الرقاب حتى لا تقف في الصف الأول فقط، بل تزاحم الإمام على إمامته للناس، وأصغر طالب علم يعرف حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمامُ قومٍٍ وهم له كارهون" رواه الترمذي وحسنه الألباني، واحتكار القاعدة لقيادة الإسلام والمسلمين دون أهلية شرعية أو فكرية أو مادية من أبرز خصال القاعدة السيئة.   ومن هنا فرفض سياسة القاعدة ومنهجها لا يعنى بحال عند العقلاء والمنصفين كره الجهاد والتثبيط، كما أن العقلاء والمنصفين يدركون أن هذا الرفض لمنهج القاعدة لا ينافى وجود بعض الأفراد المخلصين والجيدين في صفوف القاعدة، لكن الحكم والتعامل يكون مع مجمل الظاهرة، وفي السنة النبوية أن الجيش الذي يغزو الكعبة ويخسف الله به الأرض فيه أناس لا يقصدون غزو الكعبة، ولذلك يبعثون على نياتهم يوم القيامة. ولما كان تنظيم القاعدة هو أكبر التنظيمات التي ترسبت فيه مصائب تنظيمات العنف السابقة عليه، وعنه وحوله تتفرع تنظيمات أصغر حجماً وأكثر شراً، فضلاً عن كون القاعدة نقطة إلتقاء ووصل  مع القيادات التاريخية لهذه الجماعات، خصصتها بالحديث، وما ينطبق عليه ينطبق على معظم التنظيمات الفرعية لها أو الموازية. ويمكن أن أحصر أهم أسباب رفض منهج القاعدة وسلوكها في: 1- أن القاعدة في ظنى هي تطور سيئ لفكرة فشلت، فأصل تنظيم القاعدة هو تحول ابن لادن والظواهري ومن سار معه من تنظيم الجهاد للتحول من صراع الأنظمة العربية لصراع أمريكا والنظام العالمي، خلافاً لسياسة عبدالله عزام التى تقوم على حرب العدو القريب (الشيوعية في أفغانستان، إسرائيل في فلسطين)، بينما الظواهرى الذي خسر حربه مع نظام مبارك في مصر، تحول لمحاربة العدو البعيد (أمريكا على وجه الخصوص). ولا أعرف حركة أو تنظيم دخل في صراع مع نظامه استطاع تحقيق هدفه بالقضاء على النظام، ومع ذلك نجد أن القاعدة تقفز في الفراغ للدخول في صراع مع العالم كله باسم طرد القوات والمصالح الأجنبية من الأراضي الإسلامية  ! ثم بعد هذا التطور العجيب نجد أن القاعدة تتوسع ويصبح لها فروع تعود للإستراتيجية القديمة، كما يقول أبو حفص الموريتنانى رئيس الجنة الشرعية بالقاعدة في مقابلته مع تلفزيون الآن مؤخراً: "التنظيم نمت له فروع في أقاليم متعددة وهذا ما لم يكن من قبل. التنظيم بدأ يقوم بأعمال كان التنظيم المركزي قد تخلى عنها من قبل وهي مقاتلة الحكام ومواجهة الأنظمة، وهي الصراع مع الأنظمة القريبة" ! وهذا يدلك على مدى التخبط والفوضى الحاصلة في القاعدة، والنتيجة تأليب الأنظمة والعالم على الدعوة والعمل الإسلامي بحجة محاربة الإرهاب والتطرف! 2- تنظيم القاعدة قام على ركام من الأخطاء والتجارب الفاشلة لم يستفد منها شيء، ويؤكد ذلك النقد الموجه للتنظيم أو فروعه من قبل شخصيات قيادية في (التيار الجهادي) أو (السلفي الجهادي) – وهي تسميات أتحفظ عليها ولا أقرها – كأبي محمد المقدسي أو أبو بصير الطرطوسي أو أبو مصعب السوري، حيث ينتقدون مظاهر غلو في التكفير واستخفاف بقتل المخالفين والنساء والأطفال وغير المسلمين والقيام بممارسات غير شرعية؛ كالعمليات الإنتحارية وخطف الإعلاميين. وحتى نعرف حجم الإنحراف والضلال في تنظيم القاعدة يكفى أن ننستذكر أن كل مساؤى داعش التي تبرئت منها القاعدة مؤخراً وقعت وهي تحت قيادة تنظيم القاعدة منذ تأسيسها في العراق سنة 2006، دون أي تصحيح او تعديل أو عتاب، ومن الأمثلة على جرائم القاعدة/ دولة الإسلام في العراق تصريح الجيش الإسلامي بالعراق في أحد بياناته: (لقد قتل أتباع الظواهري في العراق (غدرا) من قادة الجهاد ما عجزت أكبر قوة وإمبراطورية في هذا العصر (أمريكا) أن تناله منهم، وآخرون لا زالوا يتربصون بهم لقتلهم لا لشيء إلا لجهادهم أعداء الله). وأصل هذا الضلال والإنحراف كله نبه عليه د. كمال حبيب - أحد قادة الظواهري قديماً- بأن الضعف العلمي وخاصة في أصول الفقه والسياسة الشرعية هو مدخل كثير من انحرافات جماعات الغلو والتطرف، وهذا الضعف العلمي لا يزال هو السمة البارزة للقاعدة وأخواتها، ويكفى أن تتابع الجدل الشديد بين أجنحتها فحسب لتعرف مدى الهشاشة العلمية التي تضرب بأطنابها بينهم. 3- النتائج الكارثية التي جرتها القاعدة على الأمة، وخدمتها لأعداء الأمة، وقد لا يكون هذا عن عمالة وخيانة ولكن باستدراج وتوريط، فهم صغار في السن عندهم ضعف علمي، وفي حالة سرية، وهذه بيئة ومناخ ملائم تماماً للاختراق، أو الاستدراج والتوريط، فضلاً عن التهور الذي يدرك الخصم فيه جيداً ردات فعلهم، فيسوقهم لما يريد. وقد لخص هذه الكوارث د. محمد السعيدي في تغريده بقوله: " منذ ثلاثة وعشرين عاماً أبحث عن مثال واحد لعمل قامت به القاعدة وجاءت عواقبه خيراً للإسلام والمسلمين فلم أجد، كانت طالبان منتصرة في أفغانستان وتحظى بدعم واعتراف سعودي وباكستاني وإماراتي ومرشحة لاعتراف دولي أكبر وأخذ مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة، فدخلت القاعدة في قرار طالبان فاحتلت أمريكا أفغانستان وأعادت جذوة الحرب الأهلية وأقامت حكومتها الحالية ولا يزال الوضع هناك في منتهى السوء. كاد النزاع الصومالي ينتهي ويجتمع الشمل فدخلت القاعدة على الخط وعاد الشر كما كان عليه واليوم بعد تقلص القاعدة في الصومال هاهي تلتقط أنفاسها، غزت أمريكا العراق وقامت المقاومة العراقية السنية فتم ضربها بإمارة العراق إلى أن توطد الأمر للرافضة فاختفت الإمارة المزعومة، انتشرت الدعوة السنية السلفية في طرابلس لبنان وعكار والضنية وصارت خطراً على حزب الشيطان في الجنوب فافتعلت القاعدة حادثة نهر البارد. أراد الغرب تحقيق مآربه في غرب إفريقيا فجندت القاعدة نفسها بارتكاب جريمة أميناس لتعطي فرنسا والغرب ذريعة غزو مالي ولما تم الغزو نامت القاعدة". أ. هـ لهذا كله أنا مع الجهاد الشرعي المنضبط وضد القاعدة وأخواتها، ويجب أن نتوقف عن حسن الظن في غير مكانه والورع البارد، مع الغلاة والمتطرفين، فالمؤمن " لا يلدغ من جحر واحد مرتين".