تأثير أفكار سيد قطب على الجزيرة العربية!!

الرابط المختصر
Image
تأثير أفكار سيد قطب على الجزيرة العربية!!

في الأسبوع الماضي استعرضنا مسيرة التكفير في العصر الحاضر، وكيف أن التكفير ظهر بين أفراد في جماعة الإخوان المسلمين ابتداء، وأن هؤلاء الأفراد أسسوا جماعات تنتهج التكفير والعنف معتمدين على كتابات سيد قطب مسؤول نشر الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين، وأن قطاعات من الإخوان تبنت هذه الأراء بدرجات متنوعة، وقادت الجماعة بها مدة من الزمن في بلدان متعددة، ولا يزال فيها لليوم من يمجد هذا الفهم لكتابات سيد قطب، ولعل الهجمة التي تعرض لها الشيخ القرضاوى سنة 2004 و سنة 2009 بسبب نقده لفكر سيد قطب مثالاً على ذلك. ما أود الحديث عنه اليوم هو كيف تفاعلت ونمت الأفكار القطبية حين وصلت للجزيرة العربية ؟ 1- ذكرنا أن العديد من قادة الإخوان في مصر وسوريا والعراق لجؤا للسعودية وتولوا التعليم والمؤسسات الدعوية؛ كرابطة العالم الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وقاموا بتربية الكثير من الشباب على كتب سيد قطب، وكان لهذا أثر واضح على قطاعات كبيرة من الشباب السعودي، كما أن كتابات محمد قطب الجديدة والمعتمدة عند التيار السروري– نسبة للشيخ محمد سرور، أحد القيادات الإخوانية السورية – الذي مزج الإخوانية القطبية بالتراث السلفي خاصة تراث ابن تيمية، هذه الأفكار بقيت تحت السيطرة من خلال هيمنة التنظيم، ولكن حين يتفلت الفرد من هيمنة التنظيم فإنه كان يمشي مع هذه الأفكار لنهاية الشوط !! ويمكن أن نضرب قصة أبي محمد المقدسي مثالاً على ذلك فهو يقول حول نشأته وبدايته أنها كانت مع جماعة الإخوان والأفكار القطبية في كتابه "مـيزان الإعتدال في تقييم كتاب "المورد الزلال":"أمضيت عمراً في رافد تصحيحي من روافد الإخوان (يقصد السرورية) الذين قد أرضعونا الظلال والمعالم وغيرها من كتب سيد وأخيه والمودودي – رضاعة في طور الحضانة ( أعني بداية الهداية)". وبسبب طبيعة المقدسي المتمردة على الضبط التنظيمي ، ومن خلال صلاته مع بقايا جماعة جهيمان – الذين تأثروا بجماعة مصطفي شكرى– وهو ما أشار له منصور النقيدان في كتاب "قصة وفكر المحتلين للمسجد الحرام"، ومن ثم صلته بالجماعات الجهادية القطبية في زياراته لبيشاور في الثمانينات، فإنه بلور طريقة جديدة تتبنى أفكار قطب من خلال مزجها مع تراث أئمة نجد. وفي مقابلة قديمة ونادرة مطلع التسعينات للمقدسي من السجن مع مجلة الأفق التي كان يصدرها طارق مصاروة – وزير الثقافة الأردني الحالي- اعترف المقدسي فيها بأنه كذب على المحقق بانتمائه لجمعية إحياء التراث الإسلامي واجهة الدعوة السلفية بالكويت ليخفي حقيقة فكره منهجه !! ولقد عاصرت شخصياً في منتصف الثمانينات صراعات المقدسي – كان أيامها يعرف باسمه عصام برقاوي – مع السلفيين في مسجد المسلم في منطقة حولي بالكويت. وهنا نتسائل أين هي المرحلة السلفية في حياة أبو محمد المقدسي ؟؟ هل يمكن أن تدلونا عليها ؟؟ وكيف يحسب على السلفية وهو لم ينتمى إليها أو يدرس على علمائها أو يحترمهم أصلاً ؟؟ فضلاً عن أن يخدمها، فالسلفية كما يعلم الجميع تقوم على الإلتزام بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة في جميع مناشط الحياة، والمقدسي ليس له هم سوى قضية الحاكمية وما تعلق بها، وهذا جوهر الفكر القطبي !! وهذا يدل على خرافة مصطلح "السلفية الجهادية" !! وما حدث مع المقدسي تكرر مع أبي أنس الشامي، ففي مقاله المشهور "سرور بل أحزان" تصريح بانتمائه للسرورية، وأنه كان عنصراً  قلقاً لم يستطع قبول التحولات السلمية التي طرأت على مسار الجماعة، ففي الوقت الذي بدأت السرورية تتخفف من الأفكار القطبية فإن الشامي واصل المشوار لآخر الطريق فلحق بأبي مصعب الزرقاوي !! ومن أجمل ما قيل في وصف هذه التحولات العميقة عند التيار السروري قول د.سلمان العودة: "كم تمنيت أن تظهر آراؤه الجديدة وخلاصة تجاربه (يقصد محمد سرور) عبر وسائل الإعلام ليتعرف الناس إليه من خلال ذاته وما توصل إليه عبر تجربته الطويلة التي بدأت كفرد في جماعة الإخوان المسلمين السورية، ثم شخصية مستقلة ذات تأثير على عدد من الأتباع، وربما انتهت به شخصية مختلفة عن هذا وذاك"، (سلمان العودة من السجن إلى التنوير)، لتركي الدخيل، وهو رسالته في الماجستير!!. 2-  حين مزج أبو محمد المقدسي السرورية بالجهيمانية والفكر الجهادي أنتج مجموعة من الكتابات تقوم على تبنى أفكار سيد قطب لكن بخطاب وحجج تتكأ على التراث السلفي إلا أنها منزوعة من سياقاتها، عمل على ترويج هذه الكتب الجماعات الجهادية القطبية في معسكرات بيشاور وبقايا الجهيمانيين في السعودية والكويت. 3- مع تصاعد وتيرة الجهاد الأفغاني ذهب الكثير من الشباب السلفي للجهاد هناك بدعم من دولهم وعلمائهم السلفيين، ولكن كانت معسكرات التدريب تحت إدارة الجماعات المسلحة القطبية فتعرض هؤلاء الشباب لعملية توجيه ودعوة للإنضمام لمنهج التكفير والعنف على يد الجماعات المسلحة المصرية والجزائرية والسورية والليبية وغيرها، ومما ساعد على ذلك غفلة العلماء السلفيين عن ما يحدث في مضافات بيشاور من غسيل أدمغة للشباب !! يقول كميل الطويل في كتابه "القاعدة وأخواتها": " كان الفكر الذي جاءت به جماعة الجهاد المصرية المنتصر الأكبر في ساحة الاستقطاب الأفغانية...وأصدروا كتاباً ضخماً أعده أميرهم الجديد الدكتور سيد إمام الشريف بعنوان " العمدة في إعداد العدة". وصار هذا الكتاب الضخم مرجعاً أساسياً يدرس في معسكرات تدريب العرب... وسرعان ما بدأ هذا الفكر الجهادي في الانتشار وسط الأفغان العرب... ولعل النجاح الأول والأبرز الذي حققه هؤلاء الجهاديون في النصف الثاني من الثمانينيات تمثل في التأثير فكرياً في أسامة بن لادن وإقناعه بالإستقلال عن مكتب الخدمات وأميره عبد الله عزام فأسس بن لادن في البداية بيت الأنصار في بيشاور". أما خالد المشوح فيلخص لنا تجربته في بيت الأنصار ببيشاور في كتابه "التيارات الدينية في السعودية" بقوله: " تقيم فيه بضعة أيام .. تشكل مؤشراً لمدى قابليتك لأفكار من هذا النوع القائم على تكفير الجميع... فإذا كنت سعودياً فسوف تحصل على أهم كتابين في تلك المرحلة "الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية" و"وعد كيسنجر"، وفي حال تفاعلك مع الأول تحديداً فهناك مرحلة أخرى بانتظارك تميزك عن الآخرين، أما إذا لم تبد تجاوباً معه أو رفضته، فإنه سيتم الإسراع في نقلك إلى المرحلة الثانية وهي النقل إلى معسكر التدريب في أفغانستان"، للتخلص من نقاشاته والتعجيل باستشهاده!! فمن خلال السيطرة على بيوت المجاهدين ومعسكرات التدريب في بيشاور وأفغانستان كان يخضع الشباب السلفي لمؤثرات تكفيرية تحرفه عن منهجه وجهاده الذي جاء من أجله ليصبح قنبلة موقوتة تتحكم بها القيادات الجهادية القطبية. ويدعم هذا تصريح أبي مصعب السوري في كتابه "الدعوة الإسلامية العالمية": " الشيخ أسامة قد بنى القاعدة على جهود كوادر من تنظيم الجهاد المصري أساساً... فقام هؤلاء الجهاديون - وكنت من بينهم لفترة - ببث أفكارهم الجهادية حول الولاء والبراء والحاكمية ..وغيرها من الأمور السياسية الشرعية، وفقه الواقع في تلك المعسكرات حيث وصلت الأساليب لحد تدريب السعوديين على الرماية على صور الملك فهد وكبار الأمراء السعوديين..!". الخلاصة أن مزج الأفكار القطبية بتراث ابن تيمية وبالتراث النجدي على يد الإخوان وخاصة السرورية، ومن ثم على يد المقدسي، ولد تشكل نوعين من الجماعات المسلحة تقوم على أساس الفكر القطبي كما يقول أبو مصعب السوري في كتابه "الدعوة الإسلامية " هي: " الجماعات الجهادية الحركية: ومعظمها انبثقت عن الصحوة الإسلامية مطلع الستينيات, وحملت مؤثرات فكر الإخوان المسلمين بالإضافة للفكر الذي قام على أسس الولاء و البراء و الحاكمية، والذي كان من أوائل وأعظم منظريه الشهيد سيد قطب في مصر، والأستاذ أبو الأعلى المودودي في باكستان. والجماعات الجهادية السلفية: وهي الجماعات الجهادية التي ضمت إلى الفكر السابق، الاعتماد على عقائد السلف وفق فتاوى الإمام ابن تيمية وأمثاله من أقطاب المدرسة السلفية، واعتمدت فقه الدعوة النجدية وأفكار الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله، وأفكار من سار على هذا المنهج ممن جاء بعدهم". إذن فإن العامل الحاسم في ظهور هذه الأفكار هو أفكار سيد قطب، لأن السلفيين يدرسون ويوزعون كتب ابن تيمية وعلماء المدرسة الوهابية ولا يتطرف أحدهم إلا إذا أضيف لتكوينه أفكار قطبية!! ولذلك يرصد خالد المشوح في ملاحظة ذكية أن تنظيم القاعدة رغم نسبته " للسلفية الجهادية" يشكل السعوديين (السلفيون) غالب وقوده وجنوده الميدانيين بينما يشكل المصريون (الجهاديون القطبيون) قادته وموجهيه!! وأضيف أنه لا يوجد منظر سعودي عالمي" للسلفية الجهادية " - وهي مركز الثقل للسلفية اليوم – على غرار أبو محمد المقدسي والظواهري وأبو مصعب السوري وأبو قتادة الفلسطيني، ولولا مال أو زهد بن لادن لربما ما كان له اسم يذكر !! لكن خرافة "السلفية الجهادية" مهمة جداً اليوم للماكنة الإعلامية والتي تحتاج الآن فزاعة جديدة في صراع الإسلاميين وغلاة اليساريين والعلمانيين بعد ربيع الثورات العربية !!