يقول أهل التفسير في شرح هذا المقطع من الآية العشرين من سورة العنكبوت بأن المقصود هو السير على الأرض والاعتبار باختلاف المخلوقات وتنوع طبائعها وخصائصها، لأن أحرف الجر في اللغة تتناوب في المعني كما في قوله تعالي " وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ " (طه 71) والمقصود على جذوع النخل، وما قاله أهل التفسير له وجه قوي ، ولما كان القرآن الكريم كلام الله المعجز الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنفد أسراره، بل هو دوماً يفتح أبواباً واسعة من المعرفة تتناسب مع تطور المعارف البشرية وتجددها. ولعل من هذه الأبواب المعرفة الجديدة التي يفتحها القرآن الكريم أمام المتدبر هو ربط السير في الأرض بعلم "الأحافير والمتحجرات"، الذي يختص بدراسة آثار الكائنات الحية – سواء كانت إنساناً أو حيواناً أو نباتاً - التي عاشت قبل زمن بعيد وحفظت أبدانها في طبقات الأرض بواسطة العوامل الطبيعية دون فسادها، والتي لا يمكن الوصول إليها إلا في داخل الأرض ولو على قمم الجبال!! هذه المتحجرات تتكون من الأجزاء الصلبة كالعظام والأسنان والقشور والأظافر، وهي تعطي صورة دقيقة جداً عن حياة وتاريخ هذا الكائن المتحجر، وما تم اكتشافه من المتحجرات لم يقتصر على قارة دون أخرى بل هي ظاهرة تعم سائر كوكبنا الأرضي، وتشمل سائر أنواع الكائنات الحية وقد قسمت المتحجرات إلى عدة عوالم : متحجرات عالم الحيوان على تنوعه فقد وجدت متحجرات للحيوانات الضخمة كالفيل والحوت ووحيد القرن وللحيوانات الصغيرة كالقرد والأرنب وللأسماك وللطيور وللحشرات. متحجرات عالم النباتات وأقدم نموذج لها هو 500 مليون سنة. متحجرات عالم البكتيريا الخالي عن النواة وأقدم نموذج لها هو 3.9 مليار سنة. متحجرات الكائنات الحية ذات الخلية الواحدة وأقدم نموذج لها هو 1.7 مليار سنة. متحجرات الكائنات الحية ذات الخلايا المتعددة وأقدم نموذج لها هو 550 مليون سنة. وقد كشفت هذه المتحجرات عن عدة حقائق في قضية الخلق من أهمها ثبات كيفية خلق هذه الكائنات، فعند مقارنة العلماء آلاف المتحجرات لآلاف المخلوقات التي تعيش بيننا وجدوا التطابق الكامل رغم مرور ملايين السنين، كما أن المتحجرات أثبتت أن المخلوقات المتنوعة البسيطة والمعقدة الصغيرة والكبيرة البرية والمائية وجدت معاً من ملايين السنين. لبيان حقيقة الخلق وتنوعه وقدمه قام الكاتب التركي هارون يحيى بإخراج كتاب ضخم في 700 صفحة ملونة سماه " أطلس الخلق " - وهو متوفر مجاناً على الإنترنت - خصصه لنقد نظرية دارون من خلال عرض صور متنوعة لمئات المتحجرات التي اكتشفها علماء الأحافير في عدة قارات ومقارنتها بصور الأحياء منها لليوم. وقد شكلت الصور الملونة للمتحجرات أكثر من ثلاثة أرباع الكتاب، وكان الربع الأخير لمناقشة نظرية دارون والمدافعين عنها، حيث برهن الكاتب التركي هارون يحيى على خطأ نظرية التطور من خلال العلم والواقع المشاهد والمحسوس. فقد خلت آلاف المتحجرات في سائر أرجاء كوكبنا الأرضي من متحجر واحد لكائن متطور!! مع وجود الكائنات التي يزعم أنها تطورت من أزمان سحيقة جداً تمتد لملايين السنين. ومن آخر ما كشف عنه العلم الحديث في هذا الشهر من إبطال لنظرية دارون اكتشاف نوع من الأخطبوط يدعى ميجاليلدون سيتيبوس كان يعتقد أنه منقرض وتطورت عنه أسماك الحبار!! وذلك ضمن مشروع " إحصاء الحياة البحرية " والذي تم فيه اكتشاف خمسة آلاف نوع جديد من الأحياء البحرية لم تكن معروفة من قبل!! والعجيب أن نص الخبر الذي نشرته وكالات الأنباء ونشر في الغد أيضاً " اكتشف علماء البحار في المحيط القطبي الجنوبي نوعا من الأخطبوط تطورت عنه أسماك الحبار الموجودة اليوم خلال الثلاثين مليون عام الماضية " فلماذا لم يتطور هذا الأخطبوط إن كان هناك تطور؟؟ إن التفكر في الكائنات ودقة صنعها وتنوعها ومناسبتها لبيئتها والتوازن البيئي من خلال تنوعها يقود كل عاقل للاعتراف لله عز وجل بالخلق وهو بداية الإيمان بالله عز وجل، هذا الاعتراف الذي لا بد أن يقود صاحبه للتساؤل عن هذا الخلق العظيم : " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " (آل عمران191). " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ " (المؤمنون:115(.
" قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ "
2014/06/01
الرابط المختصر
Image